“أروقة العدالة” تطمئن من يسأل عن أهم قانون اقتصادي ستشهده سورية قريباً..
لم ينتهِ الجدل بين مؤيد ومعارض لمشروع قانون الاستثمار الجديد؛ إذ ظهرت عدة ملاحظات شككت بمدى جدواه للاقتصاد الوطني، فيما بدا الرأي الرسمي فخوراً بما أنجزه ومتفائلاً بانطلاقة جديدة للاستثمار في سورية بضمانة البيئة التشريعية الآمنة المرتبطة بمنظومة قانونية متماسكة واستقرار سياسي وأمني، فبعد الاضطرابات الأمنية واستنزاف الكادر البشري وتهريب الأموال لسنوات طويلة، وتخريب البنى التحتية كان لا بد من إعادة بلورة منظومة جديدة تضمن بيئة آمنة للمستثمر، وفي حين أدلى أهل الاقتصاد بآرائهم حول القانون الجديد.. كيف يعرّف القضاء هذه البيئة التشريعية الآمنة، وهل يرى في القانون ملاذاً آمناً للمستثمر في سورية.؟
حفظ الحقوق
رئيس محكمة الاستئناف التجارية بدمشق القاضي المستشار حسام رحمون يرى أن الحاجة اليوم لإعادة الإعمار اقتضت إيجاد قانون يوائم المرحلة لطمأنة المستثمر بضمانات قانونية تحفظ حقوقه، وكذلك حقوق الدولة والتزاماتهما، ولعل إلغاء التشتت التشريعي المقوض لغاية الاستثمار في تنشيط الاقتصاد هو أهم ما أسس له قانون الاستثمار بعد أن كان للمناطق الحرة وللقطاع السياحي نظام استثمار خاص بها، مضيفاً أن أكبر تخوف للمستثمر كان من انتزاع الدولة لملكية مشروعه بقرار إداري، فكانت أول ضمانة في القانون أن المشروع الاستثماري مصان ضمن القوانين النافذة، فالقرارات الإدارية أصبحت شبه معدومة، وفي حال الاستملاك يتم دفع تعويض يعادل القيمة الحقيقية للمشروع.
ويوضح رحمون أن المستثمر كان يقدم الطلب وفق تعليمات تنفيذية واضحة، وأثناء النظر بالطلب يصدر تكليفات جديدة تحمّل أعباء مالية، إلا أنه في القانون الجديد لا يوجد أثر رجعي للقوانين والتعليمات الجديدة على ما سبقها، وكذلك نظم القانون مركز خدمة المستثمر، فالنافذة الواحدة التي نص عليها قانون عام 2008 لم تكن واضحة للتطبيق حينها، والمركز الآن يمثل كافة الجهات لتسهيل إجراءات الترخيص وإلغاء التشتت بجهات مراجعة المستثمر، وتحديد سقف زمني لإصدار رخصة الاستثمار.
ضوابط
أما الإعفاءات الضريبية التي نالت ما نالته من انتقادات فيؤكد رحمون أنها لم تكن اعتباطية، وإنما مرتبطة بحاجة البلد لقطاعات معينة، حيث نال هذا المحور جزءاً كبيراً من الجدل في اللجنة الاقتصادية حول النسب والقطاعات التي ستمنح لها، فأعفي الاستثمار الزراعي والحيواني بنسبة 100% كمعظم البلدان المعتمدة على الزراعة في اقتصادها، وتم الاتفاق على ما تبقى وفقاً لضرورة تحفيز الاستثمار في كل قطاع، مؤكداً أنها محدودة بسقف زمني وضمانات لإنجاز العمل وغرامات وعقوبات إن لم ينجز، فالنقاشات أفضت إلى عدم الإعاقة، ولكن عدم الانفلات أي وضع ضوابط تحمي الطرفين، معتبراً أنه رغم أهمية الإعفاءات إلا أن توفير البيئة القانونية والتحتية وتسهيل التصدير والتبادل بالقطع الأجنبي، وإعطاء ضمانة لإمكانية تحويل القطع للمستثمر جميعها تصب في خانة تحفيز الاستثمار.
خصوصية
ويشير رحمون إلى الجدل الحاصل في الاجتماعات حول تشميل القطاع السياحي بقانون الاستثمار بين من رأى له خصوصية معينة تستوجب بقاءه تحت إشراف وزارة السياحة، ومن شدد على وجوب تشميل كافة القطاعات تحت مظلة واحدة على اعتبار أن هيئة الاستثمار لا تغرد منفردة، بل يوجد مجلس أعلى يضم وزراء وممثلين لكل الجهات، وسيكون للسياحة إشراف دائم ضمنه، ونسب رحمون منح القطاع السياحي إعفاءات كبيرة إلى احتمالية الحاجة لمشاريع ريعية سريعة، والاستفادة من فرص العمل التي تمنحها والقطع الأجنبي الذي يجلبه السائح، كما أن السياحة مرتبطة بقطاعات إنتاجية عدة يمكن أن تلعب دوراً هاماً في تنشيطها، وبرأيه الشخصي لم يكن رحمون ضد الإعفاءات، وإنما شدد على الضابط والرقابة الدائمة.
هواجس المستثمر
بالعودة إلى ميزات القانون يلفت رحمون إلى السماح للمستثمر بالتنازل عن مشروعه إذا رغب، والسماح للعمالة الأجنبية بتحويل 50% من الأجر خارج البلاد، مشدداً على ضرورة تحديد نسبة العمالة الأجنبية المسموح بها لكل مشروع ضمن التعليمات التنفيذية، أما المكسب الأهم في القانون فهو تنظيم آلية فض الخلافات بين المستثمرين والجهات العامة عبر لجنة فض المنازعات والتحكيم، لافتاً هنا إلى اقتراح من وزارة العدل بإنشاء محكمة خاصة بالاستثمار تعالج الخلاف سواء كان بين المستثمرين أو مستثمر وجهة عامة لكن لم يؤخذ بالمقترح، فيما استجابت اللجنة لاقتراح توسيع آلية التحكيم، وتم إنشاء مركز خاص لتسوية النزاعات في اتحاد غرف التجارة (مركز تحكيم)؛ مما يشكل ضمانة ويخفف من هواجس المستثمر الذي فقد الثقة بالمحكمين المسمين من قبل القضاء الإداري، أما اليوم فيمكن للمركز التحكيمي تسمية المحكمين إن لم يتفق المستثمرون عليهم.
من جهة أخرى طالب البعض بربط قانون الاستثمار بقانون التشاركية، وهو ما يرى رحمون أن لا سبيل لتحقيقه؛ فلكل منهما خصوصيته وأهدافه.
عناية مركزة
وعن أجواء اجتماعات اللجنة الاقتصادية والخبراء التي سبقت إقرار مشروع القانون يؤكد رحمون أنه لاقى عناية فائقة وأخذت جميع الآراء والمقترحات، مستغرباً عدم “تعصب” كل شخص لوزارته أو قطاعه كما جرت العادة، بل بدا التعاون كبيراً، ودعا رئيس الحكومة خبراء من مختلف الجهات لتوضيح كل النقاط، وكان لرجال الأعمال ملاحظاتهم على القانون، فتجاوز التطور بين المرحلة الأولى والأخيرة لمناقشة المشروع نسبة 40%، ولم يكن غريباً –بحسب رحمون- الانتقادات التي لاقاها المشروع قبل وأثناء وبعد إقراره؛ فالبعض ينظر له من خلال وجهة نظره أو على قياس مؤسسته، والبعض يرغب بالوصول إلى قانون يتصف بالكمال، موضحاً أن التعليمات التنفيذية التي ستصدر للقانون يجب أن تتمتع بمرونة تعالج أي ملاحظة وتبسط الحالات شريطة ألا تتناقض ولا تضيق شمولية النص.
ريم ربيع – البعث