آلاف السوريين ابتلعتهم الحرب “خطفاً”: 16ألف والمحرر منهم 2000
إحصائيات “العدل” تخالف المنطق وأرقام “المركزي للإحصاء” لم تصل بعد إلى “الأزمة” !
أسئلة بلا إجابات رسمية عن أعدادهم وأماكن وجودهم تترك جرح “الخطف” نازفاً إلى أجل غير مسمى!
شبح “الخطف”.. لم يفارق السوريين منذ بداية الأزمة، تعددت الأسباب والموت واحد..
كثيرون يتمنون الموت على أن يقعوا ضحية الخطف، فالرعب والابتزاز والتعذيب أصعب على المخطوف وذويه من الموت نفسه..
وأمام هذا الشبح الذي يلاحق السوريين، تنشط مواقع التواصل الاجتماعي لتنقل يومياً، قصص مقلقة وروايات مرعبة، لا يمكن التأكد من صدقها أو كذبها، لاسيما مع غياب الإحصائيات الجدية والتوعية الرسمية..
في النهاية لا دخان من غير نار.. وقصص الواقع ترجح كفة التصديق، فما من سوري لم يُخطف له قريب أو صديق : إذاً الخوف مبرر والخائفون على حق .
المقلق أكثر هو غياب أخبار كثير ممن خطفوا، لاسيما من قبل المجموعات المسلحة، فلا هم عادوا ولا جثامينهم وجدت!!
أين المخطوفين؟؟
16 ألف مخطوف مسجل في هيئة المصالحة ..عاد منهم 2000 فقط في 2017-2018 !!
في السنة التاسعة من الحرب، لاتزال إحصائيات وأرقام المخطوفين السوريين خلال سنوات الأزمة متضاربة، فما من رقم دقيق وواضح يشمل كل الحالات، لاختلاف أساليب الخطف ودوافعها ونتائجها، كما أن هناك قسم كبير من المخطوفين لم يسجّلوا بشكل رسمي لأسباب تتعلق بالفديات والثأر وغيرها، إلى جانب الضغوط التي تتعرض لها عائلة المخطوف من تهديدات أو مفاوضات، والتي كثيراً ما تفشل عند دخول طرف ثالث.
أغلب العائلات السورية لها قصتها الخاصة عن ابن أو قريب أو مقاتل أو تاجر تم خطفه، منهم من حرر عن طريق الجيش أو عن طريق دفع مبالغ مالية، أو بخطف أشخاص من الطرف الآخر (طائفة، منطقة، إيديولوجيا)، وبالرغم من ذلك فإن الحالات المسجلة لدى هيئة المصالحة الوطنية (وزارة المصالحة سابقاً) هي 16 ألف حالة فقط منذ بداية الأزمة السورية، قسم منهم لا يُعلم مصيره بعد وقسم آخر تتم معالجته بحسب هيئة المصالحة.
16 ألف مخطوف
16 ألف حالة التي تحدثت عنهم الهيئة هو رقم هزيل أمام ما شهدته مناطق سيطرة المسلحين من حالات خطف عند دخولهم إليها، فهناك مدن وقرى خطفت بالكامل، كما حدث في مدينة عدرا العمالية أو قرى ريف السلمية الشرقي واللاذقية الشمالي، أو حتى الغوطة في ريف دمشق، كما أن هناك حالات خطف جماعية حدثت بعد سقوط قطع عسكرية بأيدي المسلحين.
أين المخطوفين؟
لم تشهد المناطق التي حُررت وتم تبادل الأسرى والمخطوفين فيها أرقاماً تتناسب مع أعداد المخطوفين الحقيقيين، فمثلاً في مدينة عدرا العمالية تم خروج ما لا يزيد عن 200 مخطوف منها، فيما كانت الأرقام تتحدث عن وجود أكثر من 2000 مخطوف لحظة دخول المسلحين، وحينها اعترض عدد كبير من الأهالي وحاولوا قطع الطريق على الحافلات التي تنقل المسلحين إلى إدلب، خوفاً من وجود أهاليهم وأبنائهم فيها، وعند دخول الجيش للمنطقة بعد تحريرها لم يتم الإعلان عن أي مقبرة جماعية تثبت أن المسلحين قتلوا المخطوفين، ليغلق ملفهم دون نتيجة واضحة لأهاليهم على الأقل، فيما اقتصرت الأرقام في كل مناطق الغوطة على وجود عدد بسيط من المقابر كانت أكبرها تحوي 30 شهيداً من المخطوفين فقط، فأين هم بقية المخطوفين؟
عامي 2017 و2018 كانا أكثر الأعوام التي شهدت تحرير مخطوفين، حيث بلغ عدد المحررين أكثر من 2000 مخطوف منهم على سبيل المثال 290 مخطوفا من الضمير، و 98 مخطوفا في ريف اللاذقية، و43 مخطوفا خلال تسوية القابون، بحسب ما أشارت هيئة المصالة الوطنية ل”هاشتاغ سوريا”.
ومع تحرير أغلب المناطق السورية، وبقاء القليل منها في ريف حلب وحماه باتجاه إدلب، التي تشهد محاولات قيام “منطقة آمنة” من قبل تركيا وحديث عن مسار سياسي جديد، يبقى الأمل معلقا: هل من الممكن أن يكون المخطوفون في إدلب التي كثرت فيها في الفترة الأخيرة أخبار ومعلومات تتحدث عن أن حدودها مع تركيا تشهد عمليات بيع للأعضاء بشكل كبير يتم تهريبها الى أوروبا؟.
لا مقابر جماعية ولا عصابات لسرقة الأعضاء
بالرغم من انخفاض وتيرة الخطف عما كانت عليه في بداية الأزمة والتي اختلفت أسبابها وفصلناها في بقية أجزاء هذا الملف، بقيت الوتيرة مرتفعة في بعض المناطق السورية مثل محافظتي السويداء وريف دمشق، والتي قالت هيئة المصالحة أن أسبابها “مادية ولاستهداف التماسك الاجتماعي”، إلا أن الخطف فيهما وصل إلى أبناء الطائفة الواحدة وإلى المجموعات العسكرية أيضاً، كما أن حوادث الخطف لاحقت السوريين إلى مناطق خارج سوريا، كالتي تحدث بشكل متكرر في تركيا ولبنان، وكان آخرها خطف ابن رجل الأعمال السوري طريف الأخرس في لبنان، وتحريره بعدها .
ومع اقتراب حل الأزمة السورية الذي كثر الحديث عنه مؤخراً، يبقى ملف المخطوفين في بدايته، وخاصة أمام شح المعلومات وإشارات الاستفهام التي تحيط به، فما من مقابر جماعية تغطي الأرقام ولا من شبكات تجارة أعضاء تم القبض عليها، ولا وجود لأي دليل على أن المسلحين نقلوا المخطوفين معهم إلى مناطق تجمعاتهم في الشمال السوري.
“مهنة” الخطف.. ابنة الحرب التي تدر الملايين.. والداخلية تقبض على 300 متورط فقط!
أفرزت “الحرب السورية” مشاكل عديدة كأي حرب من الحروب التي شهدها العالم.. سرقة وخطف وابتزاز وتهديد لأمن المواطنين. ويعتبر “الخطف” الأخطر بين تلك الحوادث لكنه لم يأخذ حقه في الإعلام، بالرغم من أن ضخامة وبشاعة الحدث يجب أن تجعله يتصدر واجهة نشرات الأخبار..
“الخطف”، ظاهرةٌ نمت بشكل واسع بالرغم من أنها لم تكن مألوفةً من قبل ولم نرَها قبل سنوات الحرب، إلا في “الأفلام الهوليودية”، لتتحول خلال سنوات إلى مهنة هدفها الابتزاز المادي والتربح على حساب آلام السوريين ومعاناتهم .
مسلسل طالت حلقاته، وقصص يندى لها الجبين.. تهديدات وتنفيذ أحكام وقصاص لأفرادٍ لم يستطع ذويهم دفع ما ترتب عليهم كفدية أو دية لحياة الضحية “المختطف”..
بالأرقام..
جاء في تحقيق استقصائي سوري، أنجز عام 2015، أنه في محافظة “حمص” والمعروفة بتداخلها الطائفي، سُجلت أول عملية اختطاف عقب أسبوع من بدء ملامح الأزمة (15 آذار عام 2011)، ففي حمص وحدها سجّل قرابة 2700 مختطف، حُرّر أكثر من 500 منهم وعُرف مصير أكثر من 700، وبقي مصير 1500 مجهولاً.
وفي هذا السياق، أشار المحامي تمام حسن، إلى أن محافظة حمص لها خصوصية بأنها أكثر محافظة تتميز بالتنوع الطائفي والتنوع الطبقي، وأكثر من 70% منها عشوائيات، وهنا انتشر الخطف وتمركز..
وقال حسن، إن من الحالات التي عرضت عليه، “سائق تكسي” وهو رجل ستيني اختطف عام 2011 ولم يطلب الخاطف فدية مالية، وإلى الآن الرجل “مختفي”!
وأيضا “حلاق”، اختطف من 2011 وأيضا لم يطلب أحد من الخاطفين فدية مالية ولم يعرف مصيره إلى الآن، وأضاف حسن أن سبب خطفه كان “طائفيا”!
وأكد حسن، أن مدينة حمص بدأت تتعافى وخفت فيها حالات الخطف بنسبة 95% عن بداية الحرب.
ماذا كشفت “وزارة الداخلية”؟
“هاشتاغ سوريا” تواصل مع مصدر في وزارة الداخلية، وسأله عن الأسباب المباشرة لظاهرة الخطف التي شهدتها وتشهدها المدن السورية، فأجاب: “لم تكن حوادث الخطف من الجرائم المقلقة في سوريا قبل عام 2011، ومع بداية الحرب عمد الإرهابيون إلى قطع الطرق بين بعض المحافظات وإيقاف وسائل النقل على الطرقات العامة وإجبار ركابها من العسكريين على النزول واقتيادهم إلى مناطق تواجدهم وتصفيتهم لاحقا، بعدها عمدوا إلى اختطاف بعض رجال الدين الذين أخذوا ينتقدون جرائم القتل والتخريب التي كانت تقوم بها المجموعات الإرهابية، ثم طور الإرهابيون جرائمهم إلى خطف وتصفية العديد من الكفاءات العلمية والطبية المميزة، بهدف إفراغ الدولة من طاقاتها، ثم عملوا بعد ذلك على اختطاف عدد كبير من المواطنين عند دخولهم إلى الأحياء والقرى واغتصاب النساء وقتلهن وإجبار الشباب على المشاركة في حفر الأنفاق والتحصينات التي كانوا يقومون بها واستغلال قسم كبير من المخطوفين إعلاميا من أجل إحراج الدولة ودفعها على تقديم تنازلات والرضوخ لبعض مطالبهم، وطلب فدية من ذوي المخطوفين تصل أحيانا لمئات الملايين”.
وتابع المصدر: “مع مرور الوقت أخذت حوادث الخطف تأخذ أشكالا مختلفة، منها بقصد تبادل المخطوفين أو بقصد الانتقام، وفي العامين الأخيرين ونتيجة لما خلفته الحرب من آثار اجتماعية وإفرازات لا يمكن التخلص منها بالسرعة المرجوة، عمد بعض الأشخاص الذين ما زالوا خارجين عن القانون ويتواجدون في أماكن لا زالت غير مستقرة أمنيا أو في أماكن الازدحام التي يتواجد فيها مهجرون من المحافظات، إلى القيام بعمليات خطف منظمة أو غير منظمة لأشخاص ميسوري الحال بغية الحصول على مبالغ مالية أو لأسباب أخرى متعددة”.
وأشار المصدر إلى أن أكثر المحافظات التي تتكرر فيها حوادث الخطف (السويداء_ درعا_ ريف دمشق_ حماة) ، مضيفا أنه لا توجد إحصائية دقيقة لعدد حالات الخطف في القطر، ومنذ عام 2014 حتى عام 2019 بلغ عدد الأشخاص الذين أوقفوا لارتكابهم جرائم خطف حوالي 300 شخصا تم تقديمهم إلى القضاء المختص أصولا.
وعن الإجراءات التي تقوم بها وزارة الداخلية للحد من حالات الخطف، قال المصدر: “عملت وزارة الداخلية على تكثيف الدوريات في المناطق التي تتكرر فيها حوادث الخطف، وعلى تفعيل عمل الوحدات الشرطية في هذه المناطق، ما أدى إلى إلقاء القبض على عدد من مرتكبي جرائم الخطف، كما قامت دوريات من قوى الأمن الداخلي وبمؤازرة الجهات الأمنية بالتصدي لهذه المجموعات ما أدى إلى الحد بشكل كبير من حوادث الخطف”.
ضحايا..
(ب.ج) وهو رجل يقترب من السبعين عاما، ميسور الحال من ريف دمشق، خُطف عام 2013 على طريق الأوتستراد الدولي “حمص دمشق”، وطلب الخاطف فدية مالية كبيرة “20 مليون”، فدفع أبنائه الفدية، وعندما أفرج الخاطفون عنه، كان قد تعرض للتعذيب والتجويع وأشكال أخرى من الإهانة..
(ف.ر) رجل أربعيني، خطف من منطقة التل في ريف دمشق، عام 2013، وطلب الخاطفون أيضا مبلغا كبيرا، وبعدما قالت لهم زوجته أنها لا تملك هذا المبلغ، تقول: “انقطعت الاتصالات وحتى الآن مختفي وما بعرف عنو شي”!
(س.د) وهو مهندس شاب وابن أحد الأثرياء في القلمون بريف دمشق، خطف عام 2015 على يد إحدى المجموعات المسلحة، وعاد بعد فترة قصيرة، بعد أن دفع والده فدية وصلت لعشرات الملايين..
“البورصة النشطة”!
مدير الهيئة العامة للطبابة الشرعية، زاهر حجو، يؤكد من جهته لموقع “هاشتاغ سوريا”، أنه وحتى الآن لم ترد أي حالة سرقة أعضاء في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، وذلك في جميع مراكز الطب الشرعي بالقطر، مضيفا أن حالات سرقة الأعضاء تحدث كثيرا وهي بمثابة “تجارة نشطة” في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيمات الإرهابية على الحدود التركية السورية، فتتم سرقتها لتبيعها المافيات التركية لأوروبا.
وأشار حجو، إلى أن سرقة الأعضاء تحتاج خبراء محترفين، فسرقة أعضاء الجسم لها طريقة معينة، حتى لا يتضرر العضو ويبقى صالحا لـ “البيع”، وتحتاج مكانا للحفظ، فلها شروط فنية محددة، منوها أن الوحيدين القادرين على هذا الفعل الشنيع هم “المافيات التركية”..
وعن أسعار الأعضاء، أشار حجو، أنها تباع بأسعار عالية جدا، وهي كالبورصة كل يوم بسعر جديد، وهذا موضوع خطير جدا ومخيف جدا، وأحيانا كثيرة يتم سرقة الأعضاء من شخص ميت سريريا، فبعض أعضاء الجسم تبقى حية بعد خروجها من جسد الإنسان كـ “الكلى وقرنية العين”..
آثار شيطانية
وعن المخطوفين لدى المجموعات المسلحة، الذين عُرضوا على الطبابة الشرعية، كشف حجو أنهم كانوا قد تعرضوا للتنكيل ولأشد أنواع التعذيب والتعنيف وبأبشع الأساليب، فشهدت مدينة حلب “على سبيل المثال” حالات خطف كثيرة مقابل فدية مالية، وكثير من هذه الحالات تم فيها قتل المخطوفين من قبل الإرهابيين بعد أن يحصلوا على الفدية، وقال حجو: عندما تم عرضهم على الطب الشرعي كان يوجد على أجسامهم “آثار شيطانية”، أنا كطبيب شرعي لم أرى كهذا التعذيب في حياتي ولا حتى بـ “الأفلام”!
ومن الحالات التي ذكرها حجو، 3 شباب أولاد تجار، تم خطفهم من قبل المجموعات المسلحة وأخذ فدية مالية، ثم قتلوا جميعاً وبنفس الطريقة “رصاصة في الرأس من الخلف”، ويضيف حجو: بعدها قام رئيس الطبابة الشرعية بمدينة حلب بسرقة أضابيرهم للمتاجرة بهم، و”انشق”..
جريمة حرب:
حوادث الاختطاف مهما صغرت أو كبرت، فإنها تعتبر “جريمة حرب”، فتلك القصص وغيرها لن تمحى بسهولة من ذاكرة السوريين..
فبيوت سوريا التي لم يطل الموت أو الإصابات الحربية أحد أفرادها، جاء “الخطف” وأكمل المهمة فلم يستثني أحداً: الشباب والنساء والأطفال والشيوخ..
وأخذ مجده بالانتشار ليصبح “مهنة” تدر على من يعمل بها ملايين الليرات أو ربما عشرات أو مئات الملايين.. وبالمختصر.. بات “الخطف” مهنة بسيطة جدا ولا تحتاج سوى أن يتخلى الإنسان عن “إنسانيته”..
“بازار الأرواح” ينتعش في الحرب
في إحصائيات القضاء: أعداد المدانين في عمليات الخطف انخفض خلال سنوات الأزمة!!
عانى السوريون الأمريين في الحرب التي عصفت بالبلاد، ذاقوا فيها جميع أنواع التشرد والجوع والفقدان والحسرة، خاصةً في بلد ساد في بعض مناطقه الفساد والانفلات الأمني وانتشر فيه الفقر وتلاشت الأخلاق، ما سمح لضعاف النفوس بامتهان “الخطف” الذي يمكنهم من كسب أموالٍ طائلة لا تبخل أي عائلة بدفعها مقابل بقاء مخطوفها على قيد الحياة حتى لو كلفها الأمر بيع جميع ما تملك.
خطف صديقه لينعم بالثراء!
بعينين أثقلهما الدمع وقلب ملتاع لم تكفه 5 سنوات لإخماد النار المشتعلة فيه تبدأ المحامية فاطمة الرجولة الحديث عن ابنها الوحيد الشاب “سمير الجعفري” ذو الـ17عاماً والذي خطف وقتل على يد أصدقائه بجريمة هزت وقتها الشارع الدمشقي، بسبب وحشيتها من حيث أسلوب ارتكابها، والدافع الدنيء لها، ومحاولة المتهمين وذويهم طمس الحقيقة وتزويرها وتضليل العدالة.
وتردد أم سمير التاريخ الذي قلب حياتها “السادس من شهر أيلول عام 2014 ” كان ابني كغيره من شباب جيله يتجول مع أصدقاءه، لتصله رسالة من صديق تعرف عليه حديثاً يطلب منه القدوم إلى منزله وعدم إخبار أحد من ذويه وأصدقائه لأسباب مجهولة، إلا أن الشاب الطيب سمير أخبر قلة من الأصدقاء لعفويته وحسن نيته بأنه سيذهب إلى منزل صديقه “ش.ص” القاتل، ليختفي بعدها أي أثر للشاب، ما دفع ذويه إلى بدء مرحلة البحث والتحري عن مكانه والتي تعتبر المرحلة الأصعب كون جميع التوقعات ممكنة.
وبعد خمسة أيام مرت كعشرة سنوات على أهل سمير اعترف صديقه “ش.ص” ذو الـ19 عاماً بأنه قام برفقة ابن خالته “ح.خ” باستدراج سمير وتصويره العديد من الفيديوهات وقتله خنقاً بطريقة وحشية ودفنه في أحد المناطق النائية، كما قام القاتل بإعادة تمثيل جريمته بكافة مراحلها بدءاً من استدراج القاصر إلى شقته في منطقة المشروع، وخطفه، وتصويره لابتزاز أهله بالمال، وانتهاءً بقتله خنقاً ودفنه وإخفاء معالم الجريمة وآثارها، كما اعترف بدافعه الدنيء لارتكابها، وهو الحصول على المال والثراء السريع، في اعتراف لا ينفع أي إنكار بعده.
“القضاء لم ينصفني!”
الأم المحامية المكلومة اتخذت قرار محاسبة قاتلي “فلذة كبدها” حتى آخر يوم تمضيه في حياتها، إلا أن القضاء لم ينصفها على حد تعبيرها، أسقط جرم الخطف عن الجاني، وبالتالي سقطت عقوبة الإعدام التي من الممكن أن تجعل منه عبرة لمن اعتبر، والاكتفاء بحكم السجن لمدة 20 عاماً على اعتبار أن القضية صنفت أنها قضية “قتل عن قصد” بعد تزوير الحقائق.
بازار الأرواح!
لا يختلف وضع أم سمير وحزنها على ابنها عن وضع “أبو سعيد” الرجل الدمشقي المسن الذي يملك بقالية في منطقة المزة، والذي جاءه اتصال هاتفي يخبره فيه الخاطف بأنه لن يتم الافراج عن ابنه ذو الـ25″ عاماً إلا بعد تقاضي عشرة ملايين ليرة سورية افتتحوا فيها بازار الأرواح.
ويضيف أبو سعيد: بعد بازارٍ استمر لمدة شهر دقت فيها لوعة الفراق أنا وزوجتي، وطلبنا الأموال من أصدقائنا ومعارفنا وبعنا فيها جميع ما نملك من بقالية ومجوهرات، استطعت تأمين 5 ملايين ليرة سورية، الأمر الذي قبل فيه المخطوفون ووضعهم تحت الأمر الواقع، ليطلبوا مني بعد ذلك وضع المبلغ المذكور في كيس قمامة بجوار أحد “الحاويات” في منطقة مهجورة وهو ما قمت به فعلاً، وبعد مضي ساعتين على تسليم المبلغ اتصل بي أحد الخاطفين وطلب مني التوجه لأمام حاوية القمامة ذاتها لأجد ابني مرمياً على الأرض مغطى بالدماء نتيجة الضرب المبرح الذي تسبب له بفقدان ساقه.
خاتماً: أحمد الله على كل شيء، قد أكون خسرت قدم ابني وخسرت جميع أموالي وكل ما أملك إلا أنني كسبت روحه بجواري وجوار والدته في نهاية المطاف.
الخطف كان أكثر قبل الأزمة!!
تؤكد الإحصائيات التي حصل عليها “هاشتاغ سوريا” من وزارة العدل أن حالات الخطف المسجلة قليلة بالمقارنة مع جميع حالات الخطف التي نسمع فيها يوماً على وسائل التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى غياب الإحصائية الدقيقة عن العامين الأخيريين وذلك رغم كثرة الحالات لاسيما في محافظة السويداء.
فوفقاً للوزارة فإن عدد المدانين في مختلف المحاكم السورية في جرائم خطف خلال عام 2016 هم فقط 12 مجرما في مدينة اللاذقية مع غياب تسجيل أي حالة في باقي المحافظات، و19 مداناً في عام 2015 اثنان منهم من الأحداث، و32 مدانا في عام 2014 ثلاثة منهم من الأحداث، و20 مدانا في عام 2013 و 11 مداناً في عام 2012 و 32 مداناً في عام 2011.
في حين ترتفع الإحصائية في عام 2010 أي ما قبل اندلاع الحرب إلى 79 مدانا بجرائم الخطف في جميع المحافظات، الأمر الذي يدفعنا للسؤال؟ هل يعقل أن يكون الخطف انخفض خلال سنوات الأزمة؟ ولماذا لم نكن نسمع عن تلك الظاهرة قبل الأزمة.
كما أكدت الإحصائيات الصادرة عن محكمة الإرهاب والتي تختص بتوثيق حالات الخطف المرافقة لجرم، إلى وجود 62 دعوى منظورة في محكمة الجنايات الأولى، و43 دعوى منظورة في محكمة الجنايات الثانية، و28 دعوى منظورة في محكمة الجنايات الثالثة.
وتختلف الاحصائيات الموجودة على موقع المكتب المركزي للإحصاء الفصل الثالث عشر عن المعلومات التي أوردتها وزارة العدل، فحسب المكتب المركزي للإحصاء بلغ عدد المدانين بقضايا خطف في عام 2007 هو 70، وعدد المدانين في عام 2008 هم 85 خاطفا، وفي 2009 هم 43 خاطفا، في حين تنخفض الأعداد في عام 2015 (فترة الحرب) إلى 8 مدانين، ومدان واحد في 2016، وحالتان وحيدتان في عام 2017.
وبرر معاون وزير العدل تيسير الصمادي ارتفاع أعداد المدانين بجرائم الخطف قبل الأزمة عن أعداد المدانين في الأزمة، بأن التوثيق قبل الأزمة كان متاحاً في جميع المحافظات لاسيما أن العديد من المناطق خرجت عن السيطرة خلال الأزمة، ما دفع المواطنين للامتناع عن التقدم ببلاغات عن حوادث الخطف أو غيرها.
اقرأ أيضا: بيان رسمي من دمشق بعد لقاء المعلم مع بيدرسون
فرصة عفو للخاطفين!
أوضح معاون وزير العدل القاضي تيسير الصمادي لـ”هاشتاغ سوريا” أن مرسوم العفو الأخير رقم (20) الصادر في تاريخ 15/9/2019 يمنح الخاطف فرصة لتصليح خطأه، فيمنعه العفو العام عن كامل العقوبة في حال أعاد المخطوف سليماً لذويه وبطريقة آمنة دون أي مقابل مادي خلال شهر بدءاً من تاريخ صدور المرسوم، مشيراً إلى أن الخطف المنصوص عنه في قانون العقوبات العام كان يتعلق بمسائل تختلف عن مفهوم الخطف الذي ساد خلال الأزمة.
وأضاف الصمادي أن المرسوم التشريعي رقم 20 لعام 2013 تحدث عن الخطف بقصد تحقيق مأرب سياسي أو مادي أو بقصد الثأر أو الانتقام أو لأسباب طائفية أو بقصد الفدية يعاقب عليه مرتكبه بالإعدام إذا نجم عنه الوفاة أو تسبب بعاهة دائمة أو تضمن اعتداءاً جنسياً على المخطوف، ومن الممكن تخفيض العقوبة إذا كان هناك صلة قرابة بين الخاطف والمخطوف، مبيناً أن هذا النوع من الجرائم قليل.
وختم الصمادي أن هذا النوع من الجرائم متفشي في المناطق الساخنة الخارجة عن سيطرة الدولة أكثر من المناطق الآمنة، منوهاً أن عمليات الخطف في المحافظات الآمنة محدودة جداً.
خلاصة
قد يكون ما عاناه السوريون خلال الأزمة أكبر من الوصف، إلا أنه يبقى “للخطف” وقع مختلف أشد مرارة من باقي أشكال المعاناة، صنفته بعض الأمهات اللواتي التقيناهم بأنه أشد وجعاً من ألم الولادة المصنف على أنه ثاني أقوى ألم في العالم بعد الموت حرقاً لما يحدثه في نفس الأم من مرارة وحرقة على مخطوفها.
وصنفت أمهات أخريات ألم فقدان أبناءهن نتيجة الظروف الأمنية التي مرت بها سورية خلال سنوات الحرب الماضية على أنه الألم الذي يفوق الألمين السابقين.
هاشتاغ سوريا ..