الإثنين , ديسمبر 23 2024
شام تايمز

Notice: Trying to get property 'post_excerpt' of non-object in /home/shaamtimes/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

شبح البانيا الكبرى "الداعشية" يخيم على البلقان

شام تايمز

شبح البانيا الكبرى “الداعشية” يخيم على البلقان
بعد تفكيك الدولة الفيدرالية اليوغوسلافية الموحدة في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، اتجهت السياسة العدوانية الأميركية نحو تفكيك وتدمير جمهورية صربيا ذاتها، النواة الأساسية ليوغوسلافيا السابقة، وتم إشعال الفتنة بين الالبان في مقاطعة كوسوفو الصربية بهدف فصلها عن صربيا، ولهذه الغاية تم جر حلف “الناتو” للقيام بحرب جوية شرسة ضد صربيا، التي استمر قصفها بوحشية أكثر من 70 يوما متواصلة بدءا من اذار 1999.
وبنتيجة هذه الحرب الظالمة ضد الشعب الصربي تم فعليًا فصل كوسوفو بالقوة عن صربيا. وفي حزيران 1999 صدر عن مجلس الامن الدولي القرار رقم 1244 الذي نص على سحب القوات اليوغوسلافية من اقليم كوسوفو ودخول “قوات سلام” أممية اليه، واعطاء الاقليم حكمًا ذاتيًا تحت الاشراف الأممي، وفي الوقت ذاته الاعتراف بالاقليم بوصفه جزءًا لا يتجزأ من صربيا.
وبالرغم من هذا القرار “السلمي” و”المتوازن”، عمدت الولايات المتحدة فورًا الى انشاء قاعدة “بوندستيل” العسكرية الأميركية في غربي كوسوفو، وهي قاعدة حديثة ضخمة جدًا تتسع لألوف الجنود ومعدة للاستخدام كقاعدة جوية وبرية وصاروخية ـ نووية.
ومن الواضح تمامًا انها بنيت ليس لأهداف أمنية خاصة بصربيا وكوسوفو فقط، بل ولأهداف استراتيجية عامة وواسعة. ويذكر أن القرار 1244 حاز على 14 صوتًا من أصل 15 في مجلس الأمن. وبالرغم من أن الغارات الناتوية كانت قد قصفت السفارة الصينية في بلغراد فإن الصين امتنعت عن استخدام حق الفيتو ضد القرار واكتفت بالامتناع عن التصويت.
اقرأ المزيد في قسم الاخبار
أما روسيا وبالرغم من تحفظاتها على القرار فقد أيدته على أمل اجراء مفاوضات بين الطرفين المتقاتلين في كوسوفو برعاية سلمية أممية. وبالرغم من ذلك فقد تم اعلان استقلال كوسوفو في شباط 2008 بدعم من اميركا.
وتشير كل الدلائل ان عملية قصف صربيا وفصل مقاطعة كوسوفو وبناء القاعدة الاميركية فيها كانت جزءا من خطة ستراتيجية أميركية واسعة كانت تشمل منطقة البلقان وشرقي اوروبا ومنطقة “الشرق الاوسط الكبير” اي بما فيه افغانستان وتركيا وايران، وتهدف الى ضرب الثورة الاسلامية في ايران، واقامة الدولة الداعشية،
وضرب المقاومة الاسلامية بقيادة حزب الله في لبنان، واقامة دولة البانيا الكبرى، توصلا الى اقامة محور كبير اسرائيلي ـ داعشي ـ تركي ـ الباني كبير يضطلع بدور تطويق وخنق روسيا عسكريا واقتصاديا وسياسيا من جهة، والسيطرة على استخراج النفط والغاز من شرقي المتوسط لصالح الكارتيلات الاميركية، من جهة ثانية.
ويكفي ان نذكر هنا ان قاعدة بوندستيل الاميركية في كوسوفو قد استخدمت لتدريب وتسليح مئات والوف “الدواعش” من الشيشان وداغستان واسيا الوسطى (الجمهوريات الاسلامية السوفياتية السابقة)، ومن كوسوفو سربوا الى تركيا ومنها للانضمام الى “المعارضة السلمية” و”الديمقراطية” في سوريا والعراق للمشاركة في “الربيع العربي” المشؤوم.
ولا شك ان هذا المخطط العدواني الاستراتيجي الاميركي قد تحطم بفضل صمود الجمهورية الاسلامية الثورية الايرانية ومحور المقاومة في المنطقة عموما، والذي تلقى دعما جويا حاسما من روسيا الفيديرالية، بناء على طلب الحكومة الشرعية في سوريا، الامر الذي أجبر تركيا على الشروع في مراجعة حساباتها الاقليمية، وحشر الوجود الاميركي في المنطقة في زاوية العجز والفشل والخذلان.
وبالرغم من كل ذلك فإن السياسة الأميركية تتابع بعناد خطة لعب الورقة الالبانية والعمل على انشاء “البانيا الكبرى” لمواجهة السياسة الروسية في منطقة البلقان خصوصًا بعد قرب انتهاء بناء خط انبوب الغاز الروسي الذي سيعبر الاراضي التركية ويسمى “السيل التركي” والذي من المتوقع أن يبدأ العمل التجاري في أواخر سنة 2020 ويبدأ توزيع الغاز الروسي منه في جميع بلدان البلقان وشرقي اوروبا، وربما جرى مد فرع منه عبر اليونان الى جنوبي ايطاليا.
ولأجل التوصل الى انشاء “البانيا الكبرى” تتابع السياسة الاميركية الاعتماد على مخابراتها لتحريك الفتن والقلاقل لأجل هذا الغرض.
وضمن هذا السياق قامت الوحدات الخاصة الكوسوفية في 28 ايار 2019 بالتغلغل في المقاطعات الشمالية التابعة لكوسوفو والتي يقطنها الصربيون بكثافة،
وهي تحمل قوائم بأسماء العديد من الصربيين المطلوب اعتقالهم بتهم مفبركة عن الفساد والمخالفات الجمركية. وقد ادى ذلك الى الاصطدام مع السكان المحليين واطلاق النار واصابة العديد من الاشخاص وفي بعض الاماكن رفع السكان المحليون المتاريس بوجه القوات المقتحمة.
وكان بين المعتقلين اثنان من موظفي البعثة السلمية للامم المتحدة (UNMIK) احدهما روسي الجنسية. وحسب تصريح احد القادة الصربيين المحليين فإن الوحدات الخاصة الكوسوفية قامت باعتقالات واسعة للصربيين في المقاطعة.
وفي الوقت ذاته فإن وحدات “الناتو” الموجودة في المقاطعة بداعي حفظ الأمن فإنها لم تحرك ساكنًا بحجة أن “مسألة الفساد ليسست من اختصاصها”.
وقد حرك هذا الاستفزاز الواسع ضد الصربيين في كوسوفو، المياه الراكدة. ووضعت القوات الصربية في حالة الطوارئ. وارتفعت مختلف الاصوات، بعضها يتهم الرئيس الصربي فوتشيتش بالتساهل.
وطرحت مسألة تعديل الحدود وتبادل الاراضي، حيث يتم ضم المقاطعات شمالي كوسوفو ذات الاغلبية الصربية، الى صربيا، مقابل ضم المقاطعات جنوبي صربيا ذات الاغلبية الالبانية الى كوسوفو. لكن الرئيس الكوسوفي المافيوزي المعروف والذي كان ملاحقًا من المحكمة الدولية بتهمة المتاجرة بالأعضاء البشرية المنتزعة من الاسرى الصرب خلال الحرب في 1998 و 1999، والمدعوم بشدة اميركيا،
فإنه صرح انه يصر على ضم المقاطعات الجنوبية الصربية الى كوسوفو بدون اعادة المقاطعات ذات الاغلبية الصربية في شمال كوسوفو الى صربيا. وترتفع أصوات “القوميين” المتشددين في كوسوفو بأن على الصرب أن يرحلوا.
ولاقت فكرة اعادة ترسيم الحدود معارضة شديدة ليس فقط من المواطنين الصرب بل كذلك من عدة دول في الاتحاد الاوروبي وخصوصا بريطانيا والمانيا، لان ذلك يخلق سابقة تستفيد منها بعض الدول التي لديها مشكلات حدودية مع جيرانها. أما فيما يتعلق بموقف الحليف الرئيسي لصربيا، أي روسيا، فهي تدعو الى حل المشكلات عن طريق التفاوض بين صربيا وكوسوفو بدون التعارض مع الاعراف والقوانين والاتفاقات الدولية ولا سيما قرار مجلس الامن الدولي 1244. والجدير ذكره أن صربيا لا تزال الى الآن ترفض الاعتراف باستقلال كوسوفو، بدعم كامل من روسيا.
ويأتي تحريك الازمة بين صربيا وكوسوفو في سياق المشروع الأكبر والأخطر الذي تعمل عليه السياسة الاميركية ونعني به اعادة رسم خريطة البلقان وبناء “البانيا الكبرى”.
ان الالبان يحكمون الآن في البانيا وكوسوفو. وبدونهم لا يمكن تشكيل الحكومات في جمهوريتي “الجبل الاسود” (مونتي نيغرو) و”مقدونيا”. وقد فتحت الحدود بين البانيا وكوسوفو ويمكن لالبان كوسوفو وجنوبي صربيا المجيء والعمل في البانيا بدون أي ترخيص. وهناك مجموعات مسلحة البانية في مقدونيا تقيم مراكزها في كوسوفو. واستنادا الى هذا الواقع فإن رئيس كوسوفو المافيوزي هاشم تاجي، لا يتورع عن انتقاد “ضعف” موقف الاتحاد الاوروبي من “المسألة الالبانية” ويدعو الى أن تلعب أميركا دورًا أكبر في الشؤون البلقانية.
وترى غالبية المحللين الموضوعيين ان “البانيا الكبرى” لن تكون سوى دولة معادية لروسيا، وقاعدة “شرعية” للحركات التكفيرية والارهابية لـ”داعش” واخواتها، التي يمكن استخدامها ليس فقط ضد روسيا، بل وكسيف مسلط فوق جميع الدول الاوروبية ضمن المخططات الاميركية. ولكن روسيا أولًا ، وشعوب منطقة البلقان ثانيًا، لن تسمح بمرور هذا “المشروع الاميركي” الذي لن تكون حظوظ نجاحه أكبر من حظوظ نجاح “الدولة الداعشية” والمخططات الاميركية عموما في “الشرق الاوسط الكبير”.
جورج حداد-العهد

شام تايمز
شام تايمز
شام تايمز