الأحد , سبتمبر 8 2024
شام تايمز

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

سامي كليب:هل الرئيس عون هو السبب فعلا؟

شام تايمز

سامي كليب:هل الرئيس عون هو السبب فعلا؟

شام تايمز

سامي كليب :

شام تايمز

عرفتُ الرئيس ميشال عون في باريس. لم أكن احبه في لبنان بسبب القصف الذي كانت تتعرض له مناطقنا من قواته اثناء انتفاضته وبسبب مواقفه السياسية التي كانت تتناقض مع مواقف جيلنا اليساري. كنت أظنه أحد امراء الحرب الجشع للسلطة والمال. تعرّفت عليه بفضل النائب الصديق سيمون ابي رميا وناشطة لبنانية شابه متحمسة له ومتفانية لأجله اسمها الهام. اقتربت منه في باريس لضرورات العمل الصحافي، ولرغبتي باكتشاف ما هو عليه وحقيقة تفكيره. وجدتُ فيه رجلا محبا لوطننا حتى العشق، صادقا بمواقفه حتى التطرف، قارئا نهما، حالما بوطن لاطائفي خالٍ من الفساد، وطن المؤسسات والاستقلال عن الجميع، وطن الكفاءة والجيش القوي والأحلام بالتغيير والنمو والتطور.
تصادقت مع الجنرال المتمرد، ولمستُ فيه شهامة من يقاتل بصدق ويصالح بصدق خصوصا حين قرّر قلب الصفحة مع سوريا بعد خروج جيشها من لبنان والتصالح معها وعقد شراكة وطنية مع حزب الله جنّبت البلاد حروبا أهلية كثيرة وحمته من موجات الإرهاب.
عاد ميشال عون الى لبنان بهذه الأفكار، عاند كل الرياح والمغريات لثنيه عن الرئاسة ولإبعاده عن محور المقاومة وسوريا. بقي صلبا ومؤمنا كصخور وادي قنوبين ورهبانه النسّاك، ثابتا كجذور الأرز، رافضا التنازل عن أي شيء.
صار رئيسا، ظنّ ربما انه قادر على مقاومة مافيات المال والسياسة. كان يدرك ان خصومه متجذرون في الوطن وفي التركيبات والفذلكات والصفقات القادرة على القضاء على كل من يوجههم. حاول مواجهتهم، لكنه فشل لأسباب كثيرة، أبرزها ان خصومه أقوياء، وحلفاءه يدارون حلفاءهم وخصومهم، ولان الطموح الرئاسي لصهره وزير الخارجية جبران باسيل رئيس التيار الوطني واعتقاده بأن هذا الطموح مشروع وانه في سبيله يمكن ان يخاصم الجميع ويتحدى الجميع ويدوّر الزوايا بين سوريا وايران وأميركا والغرب والخليج ويستخدم ذريعة حماية المسيحيين لكسب جمهور اوسع، جعل مهمة الرئيس أصعب وأكثر تعقيدا، خصوصا حين سُلطت الأضواء على صفقات قيل ان جبران باسيل يعقدها. توسعت رقعة الخصوم، وضاق هامش الحلفاء في الدفاع.
ميشال عون ليس فاسدا، هو فقط فشل في تحقيق حلمه. وأخطأ في ترك صهره يتصرف كرئيس للبلاد. وبدلا من التركيز على جذب اللبنانيين الى جانبه في مشروعه الإصلاحي، غرق هو وعهده وجمهوره في الرد على مغامرات جبران باسيل. فالوزير النشيط والحيوي، نجح في جمع اكبر عدد من الخصوم في فترة زمنية قياسية، فساهم في جعل التيار الوطني الحر الذي كان في طليعة المتظاهرين لاستقلال لبنان ومكافحة الفساد وقلب سلطة المحاصصة، يغرق في مهاترات الداخل، ويصبح متهما بالفساد.

هل جبران باسيل أكثر فسادا من بعض الذين ركبوا موجات الانتفاضة ضد العهد والحكومة وغيرهما؟ الأكيد لا. لكنه حتما صار عدوا لمحور كامل منذ قال ان حزب الله ليس إرهابيا، وانه يمثل ثلث الشعب، وحين أكد انه ذاهب الى سوريا. قد يكون فاسدا لو صدقت بعض الاتهامات ضده، لكنه حتما اقل فسادا من كثيرين ركبوا الموجة.

لا يلام الناس الذين ذاقوا القهر والمر جراء مافيات المال والفساد في الوطن منذ عقود طويلة ان يقولوا ” كلن يعني كلن” . هم يريدون اضحية، لا بل اضحيات. لكن الأكيد ان ميشال عون الذي وصل الى السلطة قبل ثلاث سنوات فقط، ليس مسؤولا عن انهيار لبنان الذي بدأ مباشرة بعد انتهاء الحرب الاهلية، وليس مسؤولا عن نهب الدولة.
حين اغتيل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، سُلّط الاتهام فورا الى سوريا وحزب الله قبل التحقيقات وقبل أي حكم قضائي. وحين اغتيل قائد الحركة الوطنية الشهيد كمال جنبلاط، وقعت مجازر في الجبل رغم ان المسيحيين لم يكن لهم أي علاقة بالاغتيال….
انا نزلت الى الحراك منذ يومه الاول، واؤمن بان هذا الحراك الذي تحول الى انتفاضة وسوف يتحول الى ثورة ما لم تتم تلبية مطالب الجمهور، يستحق منا كل الاحترام والتقدير ويستحق منا ان نكون جزءا منه. لكني اؤمن أيضا بأن رئيس البلاد طرح ورقة إصلاحية مهمة، وكذلك فعل الرئيس سعد الحريري، وان على هذا الشعب الطيب الذي انتفض بعد ان طمروه بالنفايات وكبلوه بالديون وقتلوه بالأمراض وسلبوه ادنى حقوقه، ان يعرف من هم الفاسدون الحقيقيون، ولكي يعرف لا بد من قضاء نزيه يحاسب ويصدر احكاما ويكشف ملفات، وبعدها فلنقرر من هو الفاسد ومن هو الراغب بإصلاح الوطن.

لا شك ان رئيس البلاد يتحمل جزءا من الفشل الحاصل حاليا لأنه الرئيس، لكن الجزء الأكبر تتحمله مافيات المال والسياسة التي لا يزال جزء منها يركب الانتفاضة ويستولي على غضب الناس ليوجهه في اتجاه واحد…

لا تنجح ثورة اذا أخطأت الهدف، ولا تنجح اذا حصرت الهدف بمن يراد حصرها فيه لاسباب كثيرة داخلية وخارجية، ولا تنجح ثورة اذا ما تركت للانتهازيين الفاسدين ان يندسوا بين شرفائها.

معظم الثوار اليوم شرفاء، وعلينا ان نساعدهم على كشف الأسباب الحقيقية لمصائبهم- مصائبنا، وليقل القضاء المستقل وليس الغوغاء المُستّغلّة مّن أخطا بحق هذا الوطن. الرئاسة أخطأت في أمور كثيرة لا شك، لكن وكر الفساد قد يكون في مكان آخر تماما. فجذور هذا الفساد أقدم من رئاسة عون ب ٢٧ عاما على الأقل.
ولو كنت مكان الرئيس لكتبت خطابا عاطفيا، اعترفت فيه بالاخطاء، وعزلت فيه من يجب عزله، وطلبت من حلفائي أن يتبنوا الانتفاضة ومطالبها، وضحيت بمن يجب التضحية فيه اذا كانت مصلحة الوطن تقتضي ذلك. لا يزال امام الرئيس ميشال عون ثلاث سنوات اذا أعطاه الله عمرا، فليقرر اليوم وليس غدا، ان مصائر الأوطان تستحق التضحية، حتى ولو كانت العاطفة والمعاندة والمصالح الاستراتيجية الداخلية والخارجية تدفع صوب القول بأنه لا يمكن الانكسار امام محور آخر. فالرئيس القوي هو أيضا الذي يسمع صوت شعبه أقوى من كل الأصوات الأخرى. الحكومات تذهب وتعود، والأشخاص زائلون، لكن التاريخ لا يرحم. ولا شك ان الرئيس عون أراد حين وصل الى الرئاسة ان يسجل تاريخ لبنان اسمه. لم يتأخر الوقت بعد، لكنه قد يتأخر اذا تأخرت القرارت المصيرية والجذرية.

شام تايمز
شام تايمز