خالد العبود: انتبهوا!
-ليس غريباً ما يحصل على مستوى المنطقة، وليس غريباً ما يحصل من ضياع لها، على أكثر من صعيد، خاصة عندما نضعها في السياقات التي دُفعت إليها عُنوةً!!..
-منذ احتلال العراق وإسقاط دولته، بفضل جهل العرب وتآمرهم وخياناتهم، والمنطقة تتعرض لعدوان متصاعد لكنّه بأشكال متعدّدة، وقد تبدو في بعض الأحيان متناقضة!!..
-ما حصل لم يكن في جوهره متناقضاً لكنّه سُوّق على أنّه كذلك، كي لا يبدو المشروع واحداً، من اللحظة التي خرج فيها ملايين العراقيين الذين كانوا يهتفون للغزاة الأمريكيين، وآلاف النُخب العربيّة كانت تصفّق لدبابات الأمريكيّ التي سوف تأتي لهم بالحرية والديمقراطية، وصولا إلى الطناجر المطروقة في شوارع وشرفات مدينة “صيدا” اللبنانيّة!!!..
-مروراً بالعدوان “الإسرائيليّ” في عام 2006، الذي صفّق له الكثيرون الكثيرون ظنّاً بأنّه سيأتي بنهاية “حزب الله”، باعتباره الأداة المتقدمة والحيّة التي “تعكّر” على لبنان “استقراره الأمريكيّ” أو “استقراره الإسرائيليّ”!!..
-لم يبحث أحدٌ عن استقرار لبنان الحقيقيّ حين كانت طائرات العدوان تدكّ “الضاحيّة”، بمقدار ما كانوا يبحثون عن معادلة تسكيت الضاحية وادخالها في عصر العرب اللاهثين وراء تبعات ومغريات النفط والكاز الذي ألحقهم بركب مواخير عواصم “النور”، ليس باعتبارهم جزء من النُوْر وإنّما باعتبارهم كانوا “النَوَر” الذين شحذوا همم الطغاة ناهبي وسارقي دماء الشعوب!!!..
-والفاجعة الكبرى كانت في “ربيع العرب” حين اعتبره البعض بوّابة دخولهم إلى التاريخ الجديد، وإلحاق أنفسهم بالعالم الصاعد المضيء، كما اعتبروه “ثورتهم” على ما لحق بهم من هزائم وتقسيم وإذلال واستعمار واحتلال خلال قرن من الزمن!!!..
-الفاجعة الكبرى أنّ نُخباً عربيّة كانت قد أصيبت بداء العمى والهبل ومسّها كثيرٌ من الجنون والخرف، حتى أنّها لم تعد قادرة على فهم ما يحصل لها ومعها أو لشعوبها، ولم تستطع أن تلتقط ألف باء الثورات أو حتى القدرة على التميز بين بلاد تثور وبين بلاد تحترق!!!..
-إنّها المأساة يا سادة، إنّها مجزرة الجهل والأمية والخيانة والعمالة، إنّها لحظة اختبار العقول والقلوب والضمائر، إنّها اللحظة القاتلة في تاريخ الأمم والشعوب، اللحظة التي تُهندَس على أساسها مصالح الطغيان الكبير ونهب التاريخ وسلب مستقبل الشعوب!!..
-صفّق العرب لربيع حريقهم، وقدّموا أنفسهم فرادى وجماعات على مذبح ناره الهائلة، وحسابات أسياد الظلم والقتل واستعمار الجغرافيا والتاريخ!!..
-النُخب العربيّة ومعظم القيادات السياسيّة للحركات والاحزاب العربيّة سقطت في فخّ الحريق، وخرجت كي تقدّمه للناس على أنّه ثورتهم التي انتظروها عقوداً من الزمن، علماً ان أحداً لم يكن يُدرك حقيقة وجوهر ما يحصل، باستثناء أولئك الذين كانوا جزء من الحريق ذاته، واستُعملوا في حيثية هامة من حيثياته!!!..
اقرأ المزيد في قسم الاخبار
-المنطقة اليوم محكومة بالفوضى، والجمهور أداة من أدواتها، وليس كما يظن البعض أن الجمهور العربيّ قادر على أن يكون أداة ثوريّة، لماذا؟، لأن هذه الفوضى استوعبت غضبه وجوعه، ومهّدت له منصة وآلية التعبير عن ذلك، فاستثمرت في أحلامه وأوجاعه، غير أنها لن تُطعمه سوى مزيدٍ من الذبح والاستغلال والسيطرة والنهب الدولي!!!..
-ما حصل ويحصل في معظم عواصم الوطن العربيّ حرَاكٌ جميل جدّاً، ومطالب أساسية ورئيسيّة لحياة الشعب العربيّ، غير أنّها في معظمها، ومنذ سنوات، لم تكن إلا شكلا من أشكال الفوضى والتعمية وخلط الاوراق واعادة انتاج خرائط المنطقة املا في الإمساك برقبتها جيّداً!!!..
-الجماهير العربيّة التي خرجت إلى الساحات كي تحرق جهلها وأمّيّتها، وكي تتخلص من الاستبداد بأشكاله العديدة، وكي تثور على حاضرها وعلى مرحلة الالحاق بالعصر “الإسرائيليّ” الجديد، حين كان النظام العربيّ الرسميّ يركض خلف زوابع التطبيع، هذه الجماهير خُدعتْ كونها لم تدرك أنّ السفارات وأجهزة الاستخبارات التي كانت تسوّق لهذا العصر “الإسرائيليّ” هي من كانت تستثمر وتستغل في “ثورات” هذه الجماهير وجوعها وغضبها وآلامها وأحلامها!!!..
-الجماهير العربيّة منذ سنوات عديدة وهي مكشوفة تماماً، وكذلك النخب العربيّة، فهي لم تستطع فهم المرحلة وأدواتها، ولم تستطع التقاط خصوصيّة المرحلة التي بلغها العالم لجهة مستويات عديدة تتعلق بثورة المعلومات وبمستوى المعرفة الهائل الذي حكم هذه المرحلة، في حين أنّ كثيرين منّا، جمهوراً ونخباً، ما زالوا يعملون وفق نظريات وأحكام ومعادلات ومعرفة أكل عليها الدهر وشرب!!!..
-لم نعد نقرنُ الأميّة والجهل بعدم القراءة والكتابة، على سبيل المثال، وإنّما أضحت القراءة والكتابة ذاتها أحد أهمّ مصادر التعمية والتضليل والتعتيم، وأضحى الانفتاح على الآخر سبيلا ومدخلا ممكناً للتغريب والضياع والتشويه والتشويش!!!..
-نعم لم تعد معايير الموضوعيّة والحقائق بالضرورة هي ذاتها المعايير التي كانت سابقاً، فالثورة التي حصلت على مستوى المعرفة والمعلومات والاتصالات خلال العقدين الآخيرين تتطلب منّا فهماً دقيقاً لها، والاستثمار فيها استثماراً حقيقيّاً، بدلا من كوننا عبيداً وضحايا من ضحاياها!!!..
-أيّها السادة..
جماهيرنا الضائعة اللاهثة خلف سراب أحلامها وآمالها، المكشوفة والعارية تماماً أمام غول المجهول والضياع والعمى، وأمام كاميرات المال المسفوح على أبواب فضائيات تجّار الدم وبائعي صرخات الموتى، هذه الجماهير، تحتاج منّا جميعاً عقلا جديداً، وفهماً دقيقاً لما دُفِعتْ وتُدفَع إليه، وضمائر أكثر صدقاً، وعقولا ليست خاضعة لسوق المال وبورصة وسخ الغاز والكاز!!!..