تصعيد في الشمال السوري.. هل سيؤجل تحرير ادلب؟
تزداد الامور تعقيدا على مستوى الخارطة الميدانية في سوريا، حيث دارت بالأمس اشتباكات عنيفة بين وحدات الجيش السوري من جهة وقوات الجيش التركي والمجموعات المسلحة الموالية له من جهة أخرى اسفرت عن تحرير الجيش السوري لبلدة أم شعيفة بريف رأس العين، في حين كان الامريكي مشغولا بإعادة التموضع حيث أعاد جنوده الى 6 قواعد كان قد هجرها قبل وخلال عملية ما تسمى “نبع السلام” التركية، فإلى أين تسير الامور على الارض في سوريا؟
استعادة الجيش السوري لأم شعيفة (محافظة الحسكة) جاءت بعد تصعيد خطير قرب الحدود السورية التركية، حيث نفذت تركيا والمسلحون الموالون لها سلسلة من الهجمات على قريتي أم الكيف التابعة لناحية تل تمر، ودلدارة بمحيط ناحية أبو راسين تخللتها رمايات بالمدفعية الثقيلة والأسلحة الرشاشة، وتطور المشهد وتحول إلى اشتباكات عنيفة مع الجيش السوري أسفرت عن مقتل أكثر من 12 مسلحا من مرتزقة تركيا، فيما أصيب 8 عناصر من الجيش السوري.
صلابة التحرك السوري قد تكون اقلقت اردوغان الذي تبادل العتب، ربما، مع نظيره الروسي بوتين خلال اتصال هاتفي عقب الاحداث مباشرة، لكن الطرفين أنهيا المحادثة بالتذكير بأن العلاقات بين البلدين لها أبعاد استراتيجية أعمق من هذا، كصفقة “اس 400″ الصاروخية، ومشروع السيل التركي للغاز الطبيعي، ومحطة أك كويو للطاقة النووية. وهو ما تعيه القيادة السورية تماما حيث تحاول طي التفاهمات وفرض مشهد عسكري تحكمه الوقائع والمعطيات، خاصة فيما يتعلق بملف ادلب الذي اضحى ضمن إطار التفاهمات الإقليمية والدولية بحكم ضرورات تقاسم النفوذ.
ومن هنا قد نستوعب الموقف الروسي الايراني الذي يمكن تسميته بـ”هدوء استراتيجي” متفق عليه، يؤطر التحركات التركية في سوريا، وهو مايجعل انقرة مضطرة في نهاية المطاف لطرق ابواب دمشق، سواء عبر الشريك الروسي او الجار الايراني، لكن الخارطة السياسية هنا مازالت تصطدم بالمخرب الأمريكي الذي لجأ الى العودة الى سوريا بعد الانسحاب “التكتيكي” الذي نفذه سابقا، حيث أعاد بالأمس نشر جنوده في 6 قواعد ونقاط عسكرية في الحسكة والرقة، فيما تواردت انباء عن بدء الجيش الامريكي ببناء قاعدتين بدير الزور، وإرسال تعزيزات إلى تلك المناطق بلغ قوامها مابين 250 و300 جنديا، إضافة إلى آليات ومصفحات وراجمات صواريخ.
اقرا ايضا: تطور جديد.. دبابات أمريكية تسير باتجاه بلدة تل تمر شمال سوريا
العودة الامريكية لم تكن غير متوقعة (كما يحاول الرئيس الامريكي دونالد ترامب تصويرها)، وهي جاءت كما هو واضح تماما لنهب النفط السوري بتواطئ من قبل “من يتلاعب على التناقضات” (اي الميلشيات الكردية)، حيث يواصل الجيش الأمريكي تسيير دوريات في مناطق حقول النفط الواقعة تحت سيطرة “ي ب ك/ بي كا كا”.
وعلى وقع هذه العودة تحاول دمشق وحلفاؤها الإسراع في الضغط على تركيا لدفع مسار إدلب إلى التطبيق واقعاً سياسياً، وإخراجه من إطار الشد والجذب، ومن حالة انتظار الأطراف الدولية والإقليمية حتى تصل إلى تفاهمات تحقق تقاطع المصالح والأهداف على الأرض السورية، خاصة وأن طبيعة المناخ العسكري حاليا أصبحت ملائمة أكثر من قبل سواء في الشمال السوري او في إدلب وريفها بعد السيطرة على مدينة خان شيخون الاستراتيجية. كل هذا يفرض نمطاً جديدا من التعاطي حيال ملف إدلب يسمح لدمشق بخط طريقها وفق استراتيجية محكمة نحو تحرير هذه المدينة، فالرئيس الأسد في أحدث مقابلاته أكد قائلاً: “في حال لم تعطِ العملية السياسية بأشكالها المختلفة نتائج، فإن سوريا ستذهب إلى خيار الحرب ولا يوجد خيار آخر”.
علاء الحلبي