مدينة واربع جيوش.. القامشلي نموذجاً
الدكتور حسن مرهج
بات واضحاً أن أي سيناريو سياسي أو عسكري في سوريا، يقتضي التعامل معه بحذر شديد، خاصة في ظل استمرار المحاولات الامريكية والتركية، الرامية إلى تعقيد الملفات وربطها بمسار استراتيجي ينطلق من سوريا، ليشمل الشرق الأوسط كاملاً، بيد أن التطورات الاخيرة في شمال شرق سوريا، تُعد في طبيعة الحرب على سوريا، إنجازاً استراتيجياً بالمقاييس كافة، فحين يُحقق الجيش السوري انتشاراً عسكرياً واسعاً، فهذا يعني بالمنطق العسكري وأد الخطط الامريكية والتركية في مهدها الجغرافي في سوريا، لكن لا ضير من محاولات امريكية تركية تأتي في غطاء سياسي، لإطالة أمد الحرب على سوريا، واستمرار محاربة الشعب السوري وحكومته، بالوسائل كافة. وبالتالي فإن طبيعة التفاهمات الروسية التركية وكذلك التركية الامريكية، لابد وأنها محاولات تأتي في إطار سياسي، لكن مع ابقاء التجاذبات العسكرية هامشاً صغيراً للمناورة بكافة اشكالها، وعطفاً على ذلك، فإن الاتفاق السوري الكردي، يأتي ضمن حلقة من سلسلة طويلة تُحيط بشمال شرق سوريا. لكن المفارقة ضمن ذلك، بأن مدينة القامشلي السورية قد استثنيت من أي اتفاق، لتصبح هذه المدينة مثار تساؤلات سياسية وعسكرية، لجهة تجاوز كل الاتفاقات التي اعقبت القرار الامريكي بالانسحاب من سوريا، موقعها وتواجد العديد من القوات في محيطها، وما يُثير الدهشة والريبة، أن سلسلة التفجيرات التي استهدفت المدينة مؤخراً توحي للمتابع ان مستقبل هذه المدينة، كما شمال شرق سوريا، بات في إطار التجاذبات السياسية والعسكرية، مع ابقاء مستويات التهدئة في اعلى مستوياتها، نظراً لطبيعة المناخ العسكري في محيط القامشلي، والمُتمثل بتواجد القوات الامريكية والتركية، فضلاً عن وحدات الجيش السوري والقوات الروسية والكرد.
في ظل هذا المشهد، وفي إطار التنافس الروسي الامريكي على الاستحواذ على كبرى المناطق الاستراتيجية في سوريا، فقد عززت روسيا من حضورها في مدينة القامشلي الواقعة في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا، بالتوازي مع إعادة انتشار القوات الأميركية في الجانب الغربي من المدينة المتاخمة للحدود التركية، بعد انسحابها منها الشهر الماضي. ولعل القاعدة العسكرية التي أنشأتها روسيا في تلك المنطقة، لا تخرج عن الإطار الجيوسياسي، فقد كشفت مصادر روسية عن قيام موسكو بإنشاء قاعدة عسكرية جديدة لها في سوريا. وحسب هذه المصادر فإن الأمر يتعلق بقاعدة هليكوبتر في المطار المدني بمدينة القامشلي التي يتقاسم المقاتلون الأكراد والدولة السورية السيطرة عليها، بموجب الاتفاق الروسي التركي، والسوري الكردي.
الانتشار الروسي الامريكي المتزايد في القامشلي، يأتي مع تصاعد موجة التفجيرات والاغتيالات التي ضربت المدينة في الفترة الأخيرة، دون أن يتم التوصل إلى تحديد الأطراف التي تقف خلف تلك الهجمات. لكن وبذات السياق، فإن موجة التفجيرات التي استهدفت المدينة، وكذلك حالة الاغتيالات، تفرض تساؤلات غاية في الأهمية، لجهة المُستفيد من هذه الاجواء المتوترة، والتي ستؤثر حُكماً على طبيعة أي اتفاق، وستخرجه عن مساره، خاصة أن تركيا وأمريكا وأدواتهم الإرهابية من داعش وفصائل أخرى، لا يمكن أن يكونوا بعيدين إطلاقاً عن هذه الحوادث الأمنية.
التواجد العسكري للقوات التركية والامريكية والروسية والسورية، يفرض نمطاً في تعديل الاستراتيجيات والخطط الامريكية، وكذلك التركية، والواضح ضمن هذا الاطار، أن أحد دوافع تعديل الولايات المتحدة توقيت انسحابها من سوريا، وإعادة الانتشار في القامشلي وغيرها من المدن، هو عدم رغبتها في أن تخلي الوضع للجيش السوري والروسي، وما سيعنيه ذلك من مكاسب استراتيجية لدمشق وموسكو، سواء في علاقة بمسألة التسوية السياسية، أو في علاقة بتعويض خسائرها من تدخلها المباشر في الأزمة عام 2015 عبر السيطرة على منابع النفط.
وقد ألمح وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر في وقت سابق، أن عدد القوات الامريكية التي ينوي ترامب إبقاءها في شمال شرق سوريا قد يتغير، خصوصا إذا قرر الحلفاء الأوروبيون تعزيز عددهم في سوريا. وتابع أن “الأمور تتغير. الأحداث على الأرض تتغير. يمكن أن نرى مثلا شركاء وحلفاء أوروبيين ينضمون إلينا”. وأضاف “إذا انضموا إلينا على الأرض، فقد يسمح لنا ذلك بإعادة نشر المزيد من القوات هناك”.
وعليه، يمكننا القول، بأن مدينة القامشلي السورية ستشهد العديد من التجاذبات والتباينات السياسية والعسكرية، ولا يمكن فصل ما يجري في القامشلي، عن مُجمل التطورات في شمال شرق سوريا، لكن يبقى الثابت دائما في ظل هذا المشهد، طبيعة التحالف السوري الروسي في القدرة على احتواء كافة المناورات الامريكية التركية، المُعطلة لأي توافقات. فالجيش السوري سيبقى عراباً ومؤسساً وناظماً لأي حل سياسي، إن لم يكن سلماً، فالحديد والنار سترسم معادلات الانتصار كما في باقي المناطق السورية.
رأي اليوم