السوريون و”دولار” مايك فغالي.. دعابة تتجدد مع نهاية كل عام!
مع نهاية كل عام يتندر السوريون على العراف اللبناني “مايك فغال”، السوريون المشبعون بروح النكته اعتادوا خلال سنوات أزمتهم الطويلة على “النق الظريف”، أكثر ما يشغل بالهم في نهاية سنتهم التاسعة “ارتفاع الأخضر”، وللأخضر (الدولار الأمريكي) عند السوريين علاقة وثيقة بالمنجم “فغالي” الذي كان يبشرهم بانخفاضه أمام عملتهم، معتمداً على حدثه في كل مناسبة وهو ما لم يحدث ولا مرة!.
واسع الجبهة، حاد النظرات، قاسي الملامح، سريع البديهة، ذكي الإجابات، فصيح الجسد، بهذه الصفات كان وصف مذيع قناة “سما” الفضائية ضيفه المتنبئ أو المنجم أو المتوقع “مايك فغالي” في سهرة 30/12 من عام 2014 أي قبل 5 سنوات من الان، وقتها نصح المذيع عدم الدخول بجدل مع ضيفه “فغالي” وخاصة ما يتعلق بعمله، وعلى مدار عدة ساعات التزم المضيف بالنصيحة لنفسه أمام ضيفه فتركه يرسم المستقبل وفق ما يداعب ميول وتمنيات المشاهد المستهدف.
تلك لم تكن المرة الأولى التي يحل “فغالي” ضيفاً على وسيلة إعلامية سورية، فبطل الشاشة لبرتقالية ( قناة OTV اللبنانية الناطقة بلسان التيار الوطني الحر ) سجل أكثر من ظهور له بعد ظهوره في ساحة السبع بحرات في إحدى المسيرات وقبله أيضاً، ولعل تاريخ 30/12 من كل عام بات الموعد الرسمي لإطلالته المزمنة على الشاشة “السماوية” قبل أن يعاود الظهور في اليوم التالي على شاشته البرتقالية الأم ضمن فعاليات رأس السنة.
في لبنان لكل وسيلة إعلامية أو قناة تلفزيونية منجميها وعرافيها وأيضاً عرابيها وكل ينجم وفق الميول السياسية لأصحاب المحطة.
اعتادت الدولة الجارة على تصدير كل ما هو أصفر (النكتة السياسية الصفراء – الإعلام الأصفر _ الفن الأصفر _ إضافة إلى الموز وبطبيعة الحال لونه أصفر)، وكان لسورية نصيب واسع من تلك الصادرات، بالنسبة للموز سبق لحكومة “خميس” طرح معادلة الموز مقابل البرتقال، معادلة يصعب تطبيقها في السوق الإعلامية، فبعشرات المحللين السياسيين والاستراتيجيين عززت الجارة الصغرى حضورها الإعلامي على شاشاتنا الوطنية خلال ذروة سنوات الأزمة، أمر غير قابل للمقايضة، ومن المستبعد مقايضتهم ببعض متنبئي الأرصاد الجوية مثلاً فهي بضاعة تبدو غير رائجة على شاشات بلد الأرز التي تعتمد على جميلات تسمح لهن تقنيات عرض الأحوال الجوية من إبراز مفاتن الأزياء الراعية لفقرة المناخ.
سجل “قاسي الملامح” علامة فارقة ضمن جوقة المستثمرين في الأزمة السورية، ويرفض “واسع الجبهة” إرجاع مصدر توقعاته إلى مطابخ القرار السياسي، على عكس باقي المحللين والقراء السياسيين الذي اقتحموا شاشاتنا ويحاولون إيهام المشاهد أنهم ليسوا مجرد مطلعين على الطبخة السياسية والعسكرية وحسب، وإنما مشاركين في إعدادها أيضاً، ليتبين فيما بعد أنهم لم يخرجو من سياق التوقع والتنجيم، الربع ساعة الأخيرة للأزمة تمتد إلى السنة التاسعة وإن بفعالية أقل..!!
يتذكر السوريون في سهرة 30/12/2016 (قبل 3 سنوات من الان) وعلى مدار 4 ساعات حل “حاد النظرات” مجدداً على الشاشة السماوية، ولأن كل مرة يحاوره محاور جديد يقع في فخ التكرار، التكرار يدعم أيضاً توقعاته بتقرير عن صدقيتها، كان في كل مرة يجتهد فريق الإعداد في إسقاط توقعاته على أحداث حصلت بالفعل ويبتعد عن مناكفته في توقعات لم تحدث، على عكس القنوات اللبنانية التي تنظر بعينين تجاه كل ما ساقه المنجمين خلال عام، تبدو القناة السورية أكثر جدية، إذ لم يستطع جل من حاور ” ذكي الإجابات” الخروج من عباءة الجدية التي نشاهدها عند محاورة محللي الأحداث وقارئي السياسة، الذين تنبأ لهم “فصيح الجسد” في تلك السهرة بقرب اختفاءهم من على الشاشات، أكثر من ذلك اتهمهم بسرقة توقعاته والاستناد عليها في قراءاتهم، فيما خانته فطنته عندما استعار من توقعات غاليلو بريطانية العالم الفلكي المشهور “باتريك مور” وتوقع مقتل الرئيس التركي أمام الجموع!.
اعتادت القنوات اللبنانية في استضافة أمثال “فغالي” ضمن مناسبات وبرامج ترفيهية، فيما لعبت الجدية في قنواتنا على اعتباره جرعة تفاؤل جدية ترضي ميول الأحبة وتكيد العدى.
في ذات السهرة من ثلاث سنوات استحقت سيدة سورية أم لشابين وأربع فتيات بعمر الزواج أول اتصال مع المنجم المصنف رابعاً على مستوى العالم وفق ما قاله المحاور، بعد أن حققت 136 رسالة لشركة الاتصالات التي رعت استضافة بائع الوهم، ونامت قريرة العين بعد أن توقع لها اعتماداً على ذبذبات صوتها فرحتين بتزويج اثنتين من بناتها، وبـ أكثر من 500 رسالة مأجورة اطمأنت ثلاثينية على صحة زوجها وطفليها، وقريباً من الرقم اطمأن شاب على مستقبله مع خطيبته!.
في تلك الأمسية اطمأن البسطاء من السوريين على مستقبل بلدهم سياسياً وأمنياً واقتصادياً وفق ما أراد المخرج، فعلى الصعيد السياسي طمأنهم بعودة السفارات إلى دمشق، وعلى الصعيد الأمني أمنهم في منازلهم وشوارعهم، وعلى الرغم من أن الدولار لم يتراجع سعر صرفه إلى 100 ل.س كما سبق له أن توقع بشرهم باستقراره دون أن يقع في فخ تحديد الرقم خشية منه على البيوت التي قد يطالها الخراب على حد تعبيره، ومن هنا تأتي الربط بين الدولار ومايك فغالي في ذاكرة السوريين.
على مدار 8 أعوام من الأزمة استورد الإعلام السوري عشرات المحللين والمنجمين والعرافين العارفين بحالنا وأحوالنا، فقط ليطمئنوننا على واقعنا ومستقبلنا ويرمموا الهواء إلى جانب أقرانهم من السوريين، فاتورة ذلك ربما تكون باهظة يتكتم من حاز على إجازة استيرادهم عن تحديد الرقم.
دولار مايك فغالي إلى أين؟!
الاصلاحية
إقرأ أيضا: ترحيل أنجي خوري من الإمارات الى سوريا بسبب “خدش الحياء”!