الرئة والشريان… الأزمة اللبنانية تخنق الاقتصاد السوري
تحول لبنان إلى إحدى الرئات التي يتنفس منها الاقتصاد السوري، وإلى شريان مهم بعد العقوبات والحصار الخانق الذي فرضته الولايات المتحدة والغرب ضد سوريا، الأمر الذي أدى إلى أضرار واضحة لحقت بالاقتصاد السوري منذ اندلاع الأزمة اللبنانية في شهر أوكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
خسر سعر صرف الليرة السورية في السوق منذ انطلاق الاحتجاجات في لبنان وحتى اليوم حوالي 15 % من قيمته أمام الدولار الأمريكي، ويرجع ذلك إلى التأثير السلبي الكبير للأزمة اللبنانية بالإضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بالاقتصاد السوري نفسه.
ولعبت المصارف اللبنانية والمؤسسات المصرفية دورا هاما في عمليات التحويل والتجارة بالنسبة للسوريين سواء المغتربين أو التجار وقطاع الأعمال.
وبعد اندلاع الأزمة تعرض القطاع المصرفي اللبناني لجمود قسري سبب انعكاسا سلبيا كبيرا على انسياب حركة القطع الأجنبي للسوريين (حوالات مغتربين وقطاع أعمال)، كما شكل ضغطا على سوق القطع الأجنبي في سوريا (بعد وقف المصارف اللبنانية إمكانية السحب منها) وارتفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية التي انخفضت قيمتها، ومن جهة ثانية تشكل لبنان شريانا هاما للصادرات السورية سواء باتجاه السوق اللبنانية نفسها، أم تصدير البضائع السورية إلى الأسواق الخارجية عبر لبنان برا وجوا وبحرا، ومن ناحية ثالثة فإن السوق اللبنانية تستوعب الكثير من العمالة السورية التي ستقع في خطر خسارة أماكنها بسبب الأزمة التي تتفاقم.
بهذا الصدد، يقول الدكتور عابد فضلية، رئيس هيئة الأوراق المالية في سوريا لوكالة “سبوتنيك”:
“للأزمة في لبنان آثار ضارة على الاقتصاد السوري فالكثير من أموال السوريين مودعة في لبنان بالدولار وكان جزء من هذه الأموال يدخل سورية عند الحاجة وكان جزء منها أيضا يمول مستوردات إلى سورية ولكن بعد ما حصل في لبنان وخاصة مصرفيا أصبحت الأمور على المال السوري وعلى تموين السوق السورية بالسلع أصعب، فرجال الأعمال السوريين كانت تحويلاتهم البنكية لتغطية صفقاتهم تتم عبر البنوك اللبنانية، بأسماء شركات ذات جنسية لبنانية منها شركات أسست في لبنان لهذا الغرض”.
وأضاف فضلية: “واليوم انعكست الآية كما أعتقد حيث يقوم اللبنانيون بتأمين جزء من احتياجاتهم من القطع الأجنبي (الدولار) من السوق السوداء السورية في الوقت الذي حرم فيه السوريون من سحب دولاراتهم من البنوك اللبنانية هذا أهم سبب لارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء السورية خلال الأسابيع الأخيرة وبالتالي فإن الآثار السلبية للأزمة اللبنانية على الاقتصاد والمجتمع السوري لا تقل عما أصاب الاقتصاد والمجتمع اللبناني”.
من جهته قال الخبير المصرفي عامر شهدا: “هناك ارتباط وثيق بين الاقتصاد السوري، والقطاع المصرفي البناني . وحتى يوجد أسواق لبنانية بالنسبة للمنتجات السورية . فالأزمة السورية والعقوبات الأحادية الجانب التي فرضت على سورية أجبرت التجار السوريين اللجوء للمصارف اللبنانية . ورخص التجار السوريين شركات أوف شور” من أجل خلق إمكانية التعامل مع المصارف اللبنانية من أجل تحويل قيم مستوردات السوريين إضافة إلى ذلك السوريين استخدموا المصارف اللبنانية كمحطات وضعت بها الأموال لغاية قيام السوريين بإنشاء استثمارات في مصر والأردن حيث تم تحويل تلك الأموال من المصارف اللبنانية إلى مصر والأردن”.
وأضاف الخبير السوري: “دخول لبنان بالأزمة المالية وإغلاق مصارفها أثرت على حركة الأموال السورية لجهة تحويل قيم البضائع المستوردة من قبل تجار سوريين . رافق ذلك انعدام إمكانية انسياب الدولار من لبنان إلى سورية مما انعكس سلبا على الليرة السورية نتيجة ارتفاع الطلب على الدولار في السوق السورية فأضعف القوة الشرائية لليرة السورية.”
ويقول أحد تجار التصدير السوريين لوكالة “سبوتنيك”، أن الأزمة اللبنانية ساهمت بارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السورية، وبانخفاض الصادرات السورية، حيث أن الكثير من الصادرات السورية تكون عن طريق المنافذ البرية بين سوريا ولبنان، ثم تخرج من لبنان جوا أو بحرا لدول العالم، كما أن الأزمة اللبنانية أدت لانخفاض قيمة الحوالات بالقطع الأجنبي.
وكانت جمعية مصارف لبنان، قررت يوم الأحد 17 نوفمبر/ تشرين الثاني، وضع 1000 دولار كحد أقصى للسحب الأسبوعي للحسابات الدولارية الجارية ضمن إجراءات أخرى بالتنسيق مع مصرف لبنان لمواجهة الأزمة المالية المتزامنة مع احتجاجات دائرة منذ الشهر الماضي ضد الطبقة السياسية.
وقال بيان للجمعية إنها: قررت “تحديد المبالغ النقدية الممكن سحبها بمعدل ألف دولار أمريكي كحد أقصى أسبوعيا لأصحاب الحسابات الجارية بالدولار”، مشيرة على أنه “لا قيود على الأموال الجديدة المحولة من الخارج، ولا على تداول الشيكات والتحاويل واستعمال بطاقات الائتمان داخل لبنان”.
وفي الأول من الشهر الحالي افتتحت المصارف اللبنانية أبوابها، بعد إغلاق دام أسبوعين على أثر موجة احتجاجات غير مسبوقة أدت إلى استقالة رئيس الحكومة اللبنانية، مع اصطفاف أعداد محدودة من العملاء مع إعادة فتح البنوك لأبوابها.
ويشهد لبنان، منذ مساء الخميس الماضي، حركات احتجاج في بيروت والعديد من المناطق، على خلفية تردي الأوضاع الاقتصادية، وإعلان الحكومة عزمها فرض ضرائب جديدة.
سبوتنك