مأزق إردوغان.. كيف يتخلص من غول وداود أوغلو وباباجان؟
حسني محلي
مُعطيات ترشّح تركيا لسلسلة من التطوّرات والمفاجآت سبق أن استعدّ لها إردوغان، الذي بات عليه في سبيل بقائه في السلطة التخلّص بأسرع ما يمكن من باباجان ودواوود أوغلو وغول، مهما كلّفه ذلك.
بعد أسبوع من الهجوم الذي شنّه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على الثلاثي غول وداود أوغلو وباباجان واتهمهم “بالفساد وعدم الوفاء والغدر” كخطوة أولى على طريق الحرب الطاحِنة بينهم، أعلن رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو (الجمعة) عن حزبه الجديد وأسماه بـ”حزب المستقبل”.
الإعلام التركي الذي يسيطر إردوغان على 95% منه تجاهل بأكمله هذا الحدث المهم، كما تجاهل هجوم داود أوغلو العنيف ضد إردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي كان أوغلو زعيماً له، فيما يستعد علي باباجان بدوره للإعلان عن حزبه خلال فترة أقصاها الخامس من الشهر المقبل بعد أن فشلت مساعي إردوغان لإقناعه وداود أوغلو بالتراجع عن قرارهما والعودة إلى “حضن الأمّ الحنون”، أي العدالة والتنمية.
ويكتسب هذا التطوّر أهمية إضافية بسبب توقيته إذ يتزامن مع مُضايقات جدّية يتعرَّض لها إردوغان داخلياً، والأهم خارجياً. فقد صادَق مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع على القانون الذي سبق وأن صادَق عليه مجلس النواب ويتّهم السلطنة العثمانية بإبادة الأرمن.
كما صادقت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ على حزمة العقوبات التي أقرّها مجلس النواب الشهر الماضي ضد تركيا، وضد الرئيس إردوغان شخصياً، كرد فعل على إصراره شراء صواريخ أس 400 الروسية.
أما الاتحاد الأوروبي فقد اتخذ موقفاً عنيفاً ضد اتفاق إردوغان مع حكومة السراج في ما يتعلق بترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا في البحر الأبيض المتوسّط، حيث بدأت فرنسا وإيطاليا وقبرص بإجراء مناورات بحرية، وحيث ينتظر أن تبدأ قريباً مناورات أخرى إيطالية وقبرصية ويونانية ومصرية.
أما على صعيد العلاقة مع “الحليف الجديد” روسيا، فلم يخفِ بوتين ولافروف وشويغو عدم ارتياحهم إلى موقف أنقرة الرافض لتطبيق اتفاق إدلب والذي يقضي بإخراج “جبهة النصرة” من تلك المنطقة فوراً.
بموازاة ذلك فشلت مساعي المُصالحة الخليجية بين قطر وثلاثي السعودية والإمارات والبحرين، مع استمرار الحملة الإعلامية العنيفة المدعومة مصرياً ضد تركيا وإردوغان شخصياً.
ومن دون أن يُبالي بكل ذلك، يستمر إردوغان في سياساته التقليدية التي تصفها المعارضة بأنها “استفزازية وذات طابع مغامراتي” على جميع الجبهات وعلى كافة الأصعدة.
فقد انتقل إردوغان من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم، ليس خارجياً فقط كما هي الحال في موضوع ليبيا، بل داخلياً أيضاً ضد الثلاثي غول- باباجان- داود أوغلو الذين باتوا يحرجونه في الداخل.
وتشير المعلومات إلى سيناريوهات عدة يريد لها إردوغان أن تساعده في مواجهة الثلاثي المذكور ومن معهم من أحزاب المعارضة الحالية، أي “الحزب الجيد” و”حزب الشعوب الديمقراطي” و”حزب الشعب الجمهوري”، والتي انتصرت عليه في انتخابات اسطنبول وأنقرة وولايات أخرى.
الثلاثي غول-باباجان- داود أوغلو يستعدّ بدوره لكل المواجهات وعلى جميع الجبهات، ظناً منه أن خيارات إردوغان باتت محدودة، وهو في وضع لا يُحسَد عليه داخلياً وخارجياً مع استمرار الأزمة الاقتصادية الخطيرة.
هذه الحسابات قد تدفع الثلاثي المذكور إلى الاستعجال في مساعي الانقضاض على غريمهم قبل أن يتخلّص منهم طالما أنه الأقوى، فهو يسيطر على جميع أجهزة الدولة كالجيش والأمن والمخابرات والقضاء، لكنه لا يسيطر على الشعب والمعنويات، وهي أعلى لدى الطرف الآخر بعد الهزيمة الكبرى التي مُني بها إردوغان في الانتخابات البلدية الأخيرة وتورّطه في المستنقع السوري، رغم أنهم كانوا جميعاً معاً في هذا المستنقع حتى نهاية 2016.
لا يعني ذلك أن إردوغان سيقف مكتوف الأيدي ضد “أصدقاء الأمس وأعداء اليوم”، فهو أطلق حملة عنيفة ضدهم عبر الإعلام الموالي له واتّهم الثلاثي بالخيانة والعمالة والتآمُر، أي التواطؤ مع فتح الله غولان المتهم بالمسؤولية عن محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز/يوليو 2016.
وقد يكتسب هذا الاتهام طابعاً عملياً عبر ملاحقتهم قضائياً بعد أن رد داود أوغلو على اتهامات إردوغان له ولغول وباباجان باتهامه بالفساد، داعياً إياه للكشف عن تفاصيل ثروته الشخصية.
ويُتوقع أن تشكّل السياسة الخارجية، لاسيما التدخل التركي في سوريا والعلاقة السرية مع “داعش”، الحلقة الثانية في سلّة الاتهامات المتبادلة بين الطرفين، وبات واضحاً أنهما يستعدان لحرب شعواء مع العام الجديد، كما بات واضحاً أن الثلاثي المذكور سيراقب سير التطوّرات الخارجية وبشكل خاص الموقفين الأميركي والبريطاني إثر فوز بوريس جونسون صديق إردوغان في انتخابات بريطانيا. فالإعلام الموالي لإردوغان يتهم غول وباباجان تحديداً بالتواطؤ مع بريطانيا، فيما يتهم داود أوغلو بالتواطؤ مع مراكز قوى أميركية، يُقصد بها اللوبي اليهودي.
كل ذلك قد يرشّح المرحلة القادمة لمواجهات ساخنة بشتّى الأسلحة بين الثلاثي وبين إردوغان الذي يعرف الجميع أنه لن يتردّد في استخدام كل الأسلحة المعروفة وغير المعروفة للتخلّص من هذا الثلاثي الذي أثبتت استطلاعات الرأي أنه سيحرجه ليس فقط انتخابياً، بل شعبياً ونفسياً بصورة خاصة، إذا قرّر الكشف عن جميع أسراره، كون أفراده الثلاثة كانوا معاً رفاق دربه ونضاله في جميع الجبهات بكل تناقضاتها الداخلية والدولية والإقليمية.
وهنا يبدأ الحديث عن التأثير المُحتَمل لمثل هذه التناقضات على مستقبل المعركة القادمة بين إردوغان والثلاثي المذكور معاً أو على انفراد.
فقد كان ومازال لأحمد داود أوغلو، كوزير خارجية ثم رئيس وزراء سابق، علاقات وثيقة مع رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم، وعملا معاً بشكل وثيق في سوريا للانقضاض على “الصيدة” أي الرئيس الأسد، والقول هذا لبن جاسم.
كما يتمتع داود أوغلو بعلاقات صداقة شخصية مع المدير السابق لقناة “الجزيرة” وضاح خنفر الذي كشفت وثائق “ويكيليكس” في 5 أيلول/سبتمبر 2011 عن علاقاته مع المخابرات الأميركية، فأقاله الأمير الأب وأرسله إلى لندن وأعطاه 30 مليون دولار ليؤسّس مركزاً للدراسات أسماه “منتدى الشرق” الذي نظّم العديد من الفعاليات في تركيا عندما كان داود أوغلو في السلطة.
وتتوقع المعلومات أن يستغلّ داود أوغلو علاقاته مع بن جاسم للتأثير على الأمير الوالد في أي موضوع مستقبلي يساعده لإحراج إردوغان الذي أهداه الأمير تميم طائرته التي تصل قيمتها إلى 450 مليون دولار، ليرد عليه إردوغان بتحية أحسن منها عبر بيعه مصنع الدبابات التركية بخمسين مليون دولار في صفقة غامضة وخطيرة، والقول لزعيم الشعب الجمهوري كليجدار أوغلو.
وقد يلجأ داود أوغلو إلى تحرّكاتٍ مماثلة عبر علاقاته الغربية، خاصة الأميركية، فقد كان صديقاً “مميّزاً” لهيلاري كلينتون وعملا معاً المستحيل للتخلّص من الرئيس الأسد، ساعدهما في ذلك آنذاك نظيرهما الألماني شتاينماير وهو الآن رئيس ألمانيا التي لا تخفي انزعاجها من مواقف وتصرّفات إردوغان على الصعيد الثنائي كما الأوروبي والدولي.
ولا تستبعد المعلومات أن يسير علي باباجان على خطى داود أوغلو، فالأول هو الأوفر حظاً، أولاً بسبب علاقاته مع الأوساط المالية الأميركية والدولية التي يحتاج إردوغان إلى دولاراتها، وثانياً بسبب دعم عبدالله غول له وهو الأكثر شهرة منه ومن داود أوغلو، لأنه كان رئيساً للجمهورية ورئيساً للوزراء ووزيراً للخارجية، وقبل ذلك عمل في بنك التنمية الإسلامي في جدة ثماني سنوات (1983-1991) أقام خلالها علاقات واسعة مع عدد كبير من السعوديين.
وقد يفكّر غول في الاستفادة من السعوديين من أجل إقامة علاقات مستقبلية مع الرياض وعبرها مع القاهرة وأبو ظبي. هذه الدول مجتمعة لا ترتاح لسياسات إردوغان بسبب تبنّيه ودعمه للإخوان المسلمين، كما لا يرتاح لهذا التيار الإسلامي الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
هذه المُعطيات وغيرها ترشّح تركيا لسلسلة من التطوّرات والأحداث والمفاجآت التي سنرى كم استعدّ لها إردوغان، وهو مستعد للقيام بكل شيء في سبيل البقاء في السلطة، لكنّ ذلك بات يتطلّب منه “التخلّص ثم التخلّص” بأسرع ما يمكن من الثلاثي المذكور مهما كلّفه ذلك، وبكل ما تعنيه هذه الكلمة.
المصدر : الميادين نت