كيف أصبحت سوريا محور إستراتيجية روسيا للشرق الأوسط؟
يركز التحليل الدولي للعمل العسكري الروسي في سوريا في الغالب على الأهداف الرئيسية للحملة.
وناقش الصحفيون والسياسيون والخبراء والنقاد ما إذا كانت روسيا تحاول إنقاذ الحكومة السورية أو ما إذا كانت تقاتل تنظيم الدولة وغيرها من الجماعات “الإرهابية” في المنطقة.
غالباً ما تكون هذه المناقشات مهمة من الناحية السياسية، ولكنها تميل إلى أن تكون مثيرة للخلاف تماماً ولا تسهم كثيراً في فهم الخلفية أو السياق الأوسع أو نتائج العملية الروسية.
يبدو أنه يمكن أن يكون هناك نهج تحليلي واعد أكثر.
يمكن للخبراء إمضاء سنوات في دراسة مذاهب السياسة الخارجية وخطابات صانعي القرار، ومع ذلك سيظلون غير قادرين على فك شيفرة كيفية تصرف بلد ما في ظروف مختلفة.
في هذا الصدد، يمكن ملء مجلدات عن أعمال روسيا تجاه الأزمة السورية، حيث توفر كمية كبيرة من التفكير لأولئك الذين يحاولون فهم السياسة الخارجية الروسية.
بادئ ذي بدء، تعتبر سوريا حليفة لروسيا في الشرق الأوسط، طلب الرئيس الأسد من موسكو المساعدة ووقفت روسيا إلى جانب حليفها في ظروف صعبة للغاية.
كثيراً ما يذكر النقاد والسياسيون الأمريكيون، وخاصة الجمهوريين، خلال الشهر الماضي أن الحملة العسكرية الروسية تمثل عودة موسكو إلى الشرق الأوسط.
علاوةً على ذلك، يجب أن ننظر إلى الوضع الحالي لعلاقات روسيا في الشرق الأوسط، لقد كانت سوريا حليفة السوفييت خلال الحرب الباردة، لذا كان من المنطقي للغاية أن يطلب الرئيس الأسد مساعدة روسيا.
أيد العديد من المراقبين فكرة أن العملية العسكرية الروسية في سوريا هي تحد جريء للولايات المتحدة في المنطقة وفي هذا الصدد فإن قرار روسيا بالوقوف إلى جانب حليفتها مهم بشكل خاص.
لقد تخلت إدارة أوباما عن مبارك وهو حليف أمريكي قديم لكن الكرملين وفي ظل ظروف أكثر تعقيداً قام بمساعدة الأسد.
إن هذا الموقف يعطي قادة المنطقة شيئاً للتفكير فيه.
ثانياً: يعد التورط العسكري في سوريا اختباراً خطيراً للغاية لروابط روسيا في المنطقة.
إن شؤون الشرق الأوسط في حالة من التغير المستمر و من الصعب للغاية في هذه الحالة التظاهر بوجود تحالفات مستدامة يمكن أن تعتمد عليها أي قوة خارجية في الشرق الأوسط.
لتشكيل التحالفات اللازمة لأهداف متنوعة وتغيير الأزمات فإن أحد أهم الأشياء للقوة الخارجية هو اتساع روابطها في المنطقة.
من الصعب ألا نلاحظ أنه على الرغم من مختلف الأوضاع في العواصم الإقليمية فإن موسكو تتحدث إليها جميعاً تقريباً.
خلال الشهر الماضي، عقدت روسيا قنوات اتصال مفتوحة على مصراعيها مع مصر والأردن وتركيا والكويت والمملكة العربية السعودية وإسرائيل، وكان موقف روسيا من سوريا قريباً جداً من موقف إيران كما أبدى المسؤولون العراقيون اهتماماً قوياً بالتعاون مع روسيا في القتال مع تنظيم الدولة.
يسمح لنا قرار التدخل في سوريا بتقديم عدة استنتاجات حول السياسة الخارجية الروسية خارج الشرق الأوسط.
الأهم أن موسكو ليست خائفة من اتخاذ قرارات جريئة و قد يقول المرء إن قرار التدخل في سوريا كان محفوفاً بالمخاطر لكن في عصرنا الحالي – المتمثل في التدقيق العام العالمي والإفراط في المعلومات والتسويف السياسي العالمي وفي بيئة سريعة التغير ومحيرة في الشرق الأوسط – اتخذ الكرملين خياراً جريئاً للعمل.
لا تزال مراكز الدراسات تدرس ما تحاول موسكو تحقيقه وكيف يتم تنفيذ قرارها بالتدخل في سوريا لكن الشجاعة الإستراتيجية للسياسة الخارجية الروسية لا شك فيها.
ومن خلال إظهار هذا النوع من الجرأة تجبر موسكو ـ أياً كانت أهدافها ـ اللاعبين الآخرين في الشرق الأوسط على الرد سواء كانوا مستعدين أم لا.
حتى أن بعض الخبراء الأمريكيين لاحظوا أنه يمكن اعتبار قرار أوباما إرسال خمسين من القوات الخاصة الأمريكية إلى سوريا رداً على تصرفات روسيا.
المسألة الحاسمة التالية التي يجب متابعتها، أثناء تحليل أهمية التداخل السوري مع سياسة روسيا الخارجية هي قدرة موسكو على حساب التجربة السلبية الماضية سواء كانت تجربة خاصة أو تجربة الآخرين.
أول شيء يجب ملاحظته هنا هو بذل روسيا جهوداً أكثر ثباتاً لجعل العملية في سوريا شفافة.
وتتواصل وزارة الدفاع ووزارة الخارجية والكرملين مع نظرائهم ووسائل الإعلام الدولية، أكثر مما يتوقع أي شخص مطلع على المسؤولين الروس.
بالنظر إلى العلاقات المبردة بين الكرملين والبيت الأبيض، بدا اجتماع سبتمبر في نيويورك بين بوتين وأوباما محاولة من الرئيس الروسي لشرح موقف بلاده أكثر منه محاولة للحصول على الدعم الأمريكي.
نرى أيضاً أن وزارة الدفاع الروسية فتحت مركزاً للمعلومات لتوفير المعلومات الرسمية، بما في ذلك مقاطع الفيديو الخاصة بالمعارضة السورية في الوقت المناسب.
يمكن للمرء أن يضعف فعالية هذا الجهد في مجال العلاقات العامة لكنه يمثل خطوة كبيرة إلى الأمام مقارنةً بتصرفات روسيا خلال حملة جورجيا عام 2008 ، عندما تفاعلت موسكو ببطء مع تحركات جورجيا لكسب التعاطف الدولي.
هذه المرة، أظهر الكرملين جهوداً قوية للوصول إلى المعارضة السورية واختراقها.
لكن كان على روسيا القيام بواجب أكثر قبل العملية السورية وشملت الدروس المستفادة من الحملات العسكرية الأجنبية لبلدانها وغيرها من الأخطاء.
يشبه الكثير من المراقبين الآن بين سوريا والغزو السوفييتي في أفغانستان.
لكن من الواضح أن أي مقارنة ليست صحيحة فالتضاريس والثقافة والسياسة في سوريا وأفغانستان قبل حوالي 40 عاماً مختلفة تماماً.
الأهم من ذلك، بالنسبة للاتحاد السوفييتي أصبحت الحرب الأفغانية حرباً بالوكالة بشكل كامل ضد الولايات المتحدة وباكستان ودول الخليج والذين قدموا دعماً حاسماً للمعارضة الأفغانية.
بينما الآن تكافح الولايات المتحدة اليوم لمعرفة من هم “المتطرفون” ومن هم “المعارضون المعتدلون والديمقراطيون ” في سوريا.
على الرغم من أن سوريا ليست أفغانستان قبل 40 عاماً، إلا أن روسيا لا تزال تتعلم من التجربة السلبية السوفييتية وحتى أنها تتعلم من التجربة الأمريكية في فيتنام.
في هذه المرحلة، من السابق لأوانه القول ما إذا كانت روسيا قد قامت “بواجبها” تجاه الأسد.
ولكن كما أوضحنا أعلاه، كانت بعض الحقائق المهمة لسلوك روسيا على الساحة الدولية واضحة بالفعل خلال حملتها العسكرية في سوريا.
سواء ظننا أن روسيا تنقذ حليفها الأسد، وهو التصور الغربي، أو أنها تقوم بمحاربة تنظيم الدولة، فمازال هناك العديد من الأشياء التي لا يمكن تأكيدها.
ناشيونال إنترست
إقرأ أيضا: من دمشق إلى برلين عبر بيروت: شركة سورية على لائحة العقوبات