إلى ماذا ترمز شجرة الميلاد؟!
جميعنا نعرف شجرة الميلاد الخضراء المزينة بالأضواء وبمختلف أنواع الزينة التي تنتشر في كل مكان وتملأ العديد من المنازل والمحال خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر أي عند اقتراب يوم الميلاد، وبينما تنتشر هذه الشجرة في بعض الدول العربية كسوريا ولبنان والعراق ومصر وغيرها إلا أنّها تملأ تقريباً كافة المنازل والأماكن العامة في البلاد الغربية، بل إنّها تحولت في الكثير من الأماكن لرمزٍ اجتماعي عوضاً عن رمزٍ ديني، وتختلف أنواعها ما بين الطبيعية والاصطناعية.
لكن في الحقيقة وعلى الرغم من أنّ هذه الشجرة أصبحت من أهم رموز عيد الميلاد، إلا أنّ المطّلع على الدين المسيحي يعلم أنّه لا يُوجد ذكر لهذه الشجرة والتقاليد المرتبطة بها بشكلٍ مباشر في الكتاب المقدس، إذاً ما القصة خلف هذه الشجرة؟ كيف أصبحت رمزاً لعيد الميلاد؟ وإلى ماذا ترمز شجرة الميلاد حقاً؟
تاريخ شجرة الميلاد
دائماً ما يتم اختيار شجرة الميلاد من الأشجار المخروطية وتحديداً شجر الصنوبر، حيث أنّ ما يُميز هذا النوع من الأشجار كونها أشجار دائمة الخضرة، أي أنّها تمتلك أوراقً خضراء في كافة فصول العام. وفي الحقيقة تم استخدام الأشجار دائمة الخضرة منذ القدم ومن قبل حضاراتٍ مختلفة كالمصريين والصينيين والعبرانيين كرمزٍ للحياة الأبدية.
فعندما كانت العديد من الحضارات البشرية تعبد الشمس كان البشر ينظرون إلى الشتاء كفصلٍ سيء لكون الشمس تُشرق فيه لفتراتٍ قصيرة، لذا كانت الكثير من الحضارات تحتفل في الفترة الواقعة ما بين 20 و 25 من كانون الأول وذلك لأن هذه الفترة وتحديداً يوم 22 تُعد فترة الانقلاب الشتوي، حيث أنّ ما يميز هذا اليوم أنّه يمتلك أقصر نهار وأطول ليل، حيث كانوا ينظرون إلى هذا اليوم كبداية نهاية الشتاء.
فالمصريين الذين كانوا يعبدون الإله رع الذي يُعتبر إله الشمس كانوا يحتفلون بيوم الانقلاب الشتوي عبر وضع أشجار النخيل الخضراء في منازلهم، حيث كانوا يرونها كرمزٍ لانتصار الحياة على الموت، أما الرومان فكانوا يحتفلون بالانقلاب الشتوي بمهرجانٍ يُسمى عيد ساتورن مُكرس للإله ساتورن إله الزراعة، وقد كان الرومان يزينون منازلهم بهذا العيد بأغصان الأشجار دائمة الخضرة.
ولم يقتصر استخدام الأشجار الدائمة الخضرة على هذه الحضارات، فقد كان كهنة حضارة الكلت يزينون معابدهم بهذه الأشجار كرمزٍ للحياة الأبدية. أما في الحضارات الإسكندنافية القديمة فقد كان الفايكينغ ينظرون إلى الأشجار دائمة الخضرة كرمزٍ للإله بالدر الذي يُعد إله الضوء والشمس.
هناك الكثير من القصص والتفسيرات حول ارتباط الأشجار دائمة الخضرة بالمسيحية، أحد هذه القصص تعود إلى القديس بونيفاس المسيحي الذي عاش في القرن الثامن ميلادي، حيث قام هذا القديس بربط الأشجار دائمة الخضرة بالمسيحية حيث قال أنّها رمز للحياة الأبدية التي وعد بها المسيح كافة البشر، كما أنّ قمتها تُشير إلى السماء دائماً ما اعتبره إشارةً إلى الجنة، لذا اعتبر هذا القديس هذه الشجرة شجرة المسيح.
أما استخدام الأشجار دائمة الخضرة كرمزٍ لعيد الميلاد يعود إلى القرن السادس عشر، حيث أنّ الألمان، وخاصةً سكان ألمانيا الغربية، كانوا أول من قاموا بتزيين منازلهم بالأشجار خلال فترة الميلاد فيما يُعتقد أنّه ولادة شجرة الميلاد كما نعرفها اليوم، فقد كان العديد من المسيحيين يحتفلون في ليلة الميلاد أي في 24 كانون الأول بيوم آدم وحواء، وقد كانت هناك مسرحية شعبية تحكي هذه القصة الشعبية وكان يُستخدم في هذه المسرحية شجرة دائمة الخضرة مزينة بالتفاح كرمزٍ للجنة.
لذا بدأ الألمان بوضع شجرة مشابهة لشجرة الجنة هذه في منازلهم في الرابع والعشرين من كانون الأول وقاموا بتزيينها بالقربان المقدس، لكن لاحقاً تم استبدال القربان بأنواعٍ مختلفة من الحلوى، كما تمت إضافة الشموع، وأحياناً تم وضع مزود يضم شخصيات الميلاد.
وبينما لا يُمكن التأكد من القصة إلا أنّ العديد يعتقدون أنّ مارتن لوثر المصلح الكنسي الألماني الشهير كان أول من قام بإضافة الشموع إلى شجرة دائمة الخضرة وذلك في القرن السادس عشر، حيث أنّه بحسب القصة كان عائداً إلى منزله عندما تأمل باندهاش جمال النجوم وهي تتلألأ ما بين الأشجار الخضراء، لذا حين عاد إلى المنزل قام بنصب شجرة دائمة الخضرة وقام بتزيينها وإضاءتها بالشموع في محاولةٍ لإعادة خلق المشهد الجميل الذي شهده إلى عائلته.
بحلول القرن الثامن عشر كانت شجرة الميلاد شائعة الاستخدام بشكلٍ كبير ما بين الألمان، خاصةً الإنجيليين، لكنها أصبحت بحلول القرن التاسع عشر تقليداً ألمانياً أصيلاً، كما أنّها أصبحت شائعة الاستخدام في بداية ذات القرن في بريطانيا وذلك بعد أن قام الأمير ألبرت زوج الملكة فيكتوريا ألماني الأصل بنشر هذه التقليد في المملكة، أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد عرفت شجرة الميلاد منذ القرن السابع عشر وذلك عبر المهاجرين الألمان.
وهكذا انتشر استخدام شجرة الميلاد بشكلٍ تدريجي في كافة أنحاء العالم وبدأت تُولد العديد من التقاليد الخاصة بهذه الأشجار، وفي منتصف القرن التاسع عشر بدأت صناعة زينة أشجار الميلاد التي نعرفها اليوم وتطورت بشكلٍ تدريجي، وهكذا تحولت هذه الأشجار تدريجياً إلى رمزٍ لعيد الميلاد.
إلى ماذا ترمز شجر الميلاد وزينتها؟
تحدثنا سابقاً عن استخدام الحضارات القديمة للأشجار دائمة الخضرة كرمزٍ للحياة الأبدية، لكن بعد أن أصبحت شجرة الميلاد رمزاً لعيد الميلاد المسيحي تحولت لرمزٍ يُعبر عن حب الله الأبدي غير المحدود، كما أنّ الشموع التي تُرافق هذه الأشجار هي رمز لضوء المسيح الذي يملأ العالم.
لكن في الحقيقة لم تعد شجرة الميلاد في القرن الواحد والعشرين رمزاً مُقتصراً على معتنقي الديانة المسيحية، فقد تحولت في العديد من الأماكن إلى رمزٍ اجتماعي لا ديني يستخدمه معظم السكان من مختلف الخلفيات الدينية والاجتماعية كرمزٍ للعطل يجمع العائلة بحبٍ وسلامٍ وفرح، كما أنّ الهدايا التي تُوضع أسفل الشجرة والتي أصبحت جزءاً من تقاليد عيد الميلاد (الكريسماس) تُضيف البهجة والسعادة خاصةً بالنسبة للأطفال إلى رمزية هذه الشجرة.
إذاً أصبحت شجرة الميلاد في القرن الواحد والعشرين بأضوائها وزينتها والتقاليد المرتبطة بها رمزاً عالمياً جميلاً يُبرز الحب والسعادة والدفء العائلي، فماذا عنكم أنتم؟ هل تملكون شجرة ميلاد في منزلكم؟ هل تحبون امتلاك واحدةً في أحد الأيام؟ شاركونا أراءكم في التعليقات.
اراجيك
اقرأ أيضا: أشياء كانت طبيعية قبل 100 عام تبدو غريبة الآن.. ما هي؟