أسواق حمص القديمة والأثرية التجارية تنبض مجدداً بالحياة
عاد قلب حمص التجاري ينبض من جديد مع إنهاء مديرية الآثار في المحافظة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، المرحلة الثالثة لمشروع تأهيل وترميم أسواق حمص القديمة والأثرية خصوصاً منها سوق المدينة الأثري الذي ركز الإرهاب الأعمى على استهدافه بسبب رمزيته كوحدة جامعة.
ووفق ما ذكر موقع «العهد» الإلكتروني اللبناني في تقرير له، يعود سوق مدينة حمص الأثري إلى عهده القديم، جامعاً بين أهالي مدينة حمص بداية، ثم بينها وبين ريفها، وصولاً إلى جمع تجار شمال سورية مع جنوبها وصولاً إلى تجار لبنان، الذين عادوا لارتياده مجدداً وفي بالهم أن يعيدوا المجد لتجارتهم التي طالما حطت رحالها في هذا السوق الأثري، وفق ما ذكر موقع «العهد» الإلكتروني اللبناني.
ويرتبط سوق حمص الأثري ارتباطًا وثيقًا بذاكرة أهل حمص مدينة وريفًا، وهي ذاكرة مفتوحة على التاريخ قريبه وحديثه، على اعتبار أن شكله المعماري يعود للعصر الأيوبي قبل أن يترك العصران المملوكي والعثماني لمساتهما عليه فضلاً عن أنه يرتبط كذلك بالذاكرة الجمعية للأهالي باعتباره تجمعاً عابراً للمذاهب والطوائف والمناطق وحتى الوطنيات بعد ما دأب تجار سورية ولبنان على زيارته وعقد الصفقات بين أبنيته الأثرية والتاريخية.
ويلفت التقرير إلى أن الإرهاب الأعمى عندما جاء إلى مدينة حمص ركز على استهداف السوق الأثري لرمزيته كوحدة جامعة، ونجح في ذلك إلى حين تمترس الناس وفقاً لخلفياتهم العقائدية خلف متاريس الخوف من الآخر، قبل أن تعيد الحكومة تسلم زمام المبادرة بالتعاون مع الفعاليات الروحية والشعبية ووجهاء القوم ليغدو تحرير السوق إيذاناً بتحرير الإنسان الحمصي من الهواجس وإعادة ترميمه على النحو الذي كان عليه قبل الأزمة مؤشرًا على وضع المدينة على سكة إعادة الإعمار، معتبراً أنه حين تزدهر التجارة تصبح الحياة هي السلعة الأكثر رواجاً.
ويؤكد مدير مشروع ترميم الأسواق الأثرية بحمص عبر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بهاء خزام، وفق التقرير، أنه تم إنجاز نحو 80 بالمئة من الكتلة العامة لأسواق حمص القديمة وأماكن العبادة المحيطة بها مع مراعاة الحفاظ على قيمتها التاريخية والحضارية المحفورة في ذاكرة سكان المدينة.
وأشار خزام إلى أن المثل الشعبي الحمصي القائل بوجود كل شيء في السوق من «البابوش» إلى «الطربوش» ينسحب الآن على السوق الذي أعيد ترميمه حديثاً.
وأوضح أن «كثيرا من الدمار والتخريب لحق بهذا السوق من الإرهابيين الذين كانوا هنا مما أدى إلى شل الحركة التجارية في حمص واليوم بعدما أنجزنا المرحلة الثالثة من الترميم عاد نحو أربعين بالمئة من التجار لافتتاح محلاتهم وهذا ساهم في عودة الناس المحيطة بهذه الأسواق لبيوتهم وعودة الحياة بشكل كامل لمدينة حمص».
السوق ليس مركزًا تجاريًا وأثريًا فحسب، فالمحيط حوله يرتبط به أثريا بشكل كامل سواء أكان ذلك بالنسبة لسوق الناعورة أم بالنسبة للجوامع والكنائس المحيطة والموجودة في حمص القديمة، وفق التقرير الذي أشار إلى أن هذا الارتباط أعطى للمكان أهمية خاصة بارتياده من جميع الناس على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم وعادت الحياة تقريبًا إلى طبيعتها مع الألفة الكاملة بين الناس.
معاونة مدير آثار حمص ديالا بركات أكدت، وفق التقرير، أنه وبعد إنجاز ثلاث مراحل في السوق أصبح نحو 681 محلاً تجارياً جاهزة للاستثمار من التجار على حين بقيت المرحلة الرابعة التي تشمل نحو 200 محل تجاري وتضيف: «الأهم أن المشروع الذي يواكب مشروع السوق الحالي هو مشروع إزالة الأنقاض من مدينة حمص وهذا أعطى دافعا كبيراً لعودة الناس وترميم بيوتها وعودة الحياة بشكل كامل».
بركات أشارت إلى أن مشروع الترميم هذا له خصوصية من ناحية الدراسات المعمارية والمواد المشكلة لإعادة الترميم والحجر القديم وطريقة نحته وأن «المشروع راعى التفاصيل الخاصة بأهميته التاريخية والأثرية وكان تحت إشراف جهات وصائية من مديرية الآثار والمتاحف إضافة إلى محافظة حمص وكنا لجنة متكاملة تتابع الأعمال بشكل كامل لإنجاز هذا الموضوع».
مشروع إعادة التأهيل الذي بدأ منذ خمس سنوات لا يزال مستمرا حتى الآن، فهذه الأسواق متعددة ومختصة مثل سوق الأقمشة وسوق النحاسين والفلاحين والعباءة، وهذا الأمر ساهم بإعادة الحياة لمدينة حمص بحكم موقع السوق في قلب المدينة، حسب ما جاء في التقرير.
ويشير التقرير إلى أن نسبة الدمار التي خلفها الإرهابيون كانت متراوحة بين ستين بالمئة إلى ما هو دون ذلك، ذلك أن أغلب الأسقف كانت متهالكة والمحال كذلك دمرت واجهاتها قبل رفع الأنقاض والبدء بمراحل إعادة التأهيل التي عادت بالبناء إلى ما كان عليه في بداية الخمسينيات، كشكل نصف دائري مع وجود فتحات في السقف حتى تمنح السوق الإضاءة المطلوبة مع إمكانية تغطيتها في الشتاء بسبب الأمطار.
الوطن