صدمة وتكهنات ـ كيف هرب كارلوس غصن من اليابان إلى لبنان؟
خطوة مدهشة أثارت تساؤلات وتكهنات كثيرة حول كيفية إفلات كارلوس غصن من السلطات اليابانية لاسيما بعد أن سلم جوازات سفره بموجب شروط الكفالة. فكيف استطاع أحد أبرز رجال الأعمال في العالم مغادرة اليابان والوصول إلى لبنان؟
في تطور مفاجئ في قضية الرئيس السابق لتحالف رينو نيسان ميتسوبيشي، الذي بنى أكبر تحالف في قطاع السيارات في العالم وأُوقف بشكل مفاجئ في اليابان قبل عام لارتكابه مخالفات مالية، أعلن كارلوس غصن الثلاثاء الماضي أنه موجود في لبنان، ما أثار صدمة من جديد بعد أن تمكن من مغادرة اليابان حيث كان يخضع للإقامة الجبرية، ليظهر في لبنان.
ليست هناك معلومات مؤكدة، لكن هناك تكهنات كثيرة أطلقتها وسائل إعلام منها أنه تم تهريبه داخل صندوق خاص بالمعدات الموسيقية عقب حفل موسيقى أقيم في المنطقة التي يسكنها. لكن مصدرا مقربا من غصن قال لفرانس برس نفى أنباء نقلتها قناة “أم تي في” اللبنانية عن هروبه مختبئاً داخل صندوق آلة موسيقية.
تقارير إعلامية منها صحيفة وول ستريت جورنال زعمت بأن غصن دخل إلى لبنان عبر تركيا، واستندت هذه التقارير الإعلامية على بيانات موقع “فلايت رادار 24” الخاص بمتابعة رحلات الطيران وقالت إن الموقع أظهر أن طائرة خاصة غادرت إسطنبول إلى لبنان مباشرة عقب وصول طائرة خاصة أوساكا باليابان إلى إسطنبول. وذكرت صحيفة “الجمهورية” اللبنانية، أن غصن “دخل إلى مطار بيروت قادماً من تركيا على متن طائرة خاصة”. موقع CNN باللغة العربية نقل عن صحيفة “جورنال لي ايكو” الفرنسية أن رجل الأعمال اللبناني غادر اليابان إلى تركيا متخفيا وبجواز سفر مزور.
هروب غضن فأجا على ما يبدو حتى محامييه، فقد أكد أحدهم أن موكله وجه معروف جدا وليس هناك أي احتمال في أن يغادر اليابان دون أن يرصده أحد. أما محامي غصن جونيشيرو هيروناكا فقال “إنها مفاجأة تامة. إنني مذهول”، مؤكدا أنه لم يتلق أي اتصال من غصن، وعلم “من التلفزيون” أنه خرج من اليابان.
وكانت السلطات اليابانية قد ألقت القبض على غصن في نوفمبر تشرين الثاني 2018 عندما هبطت طائرته الخاصة في طوكيو وظل محبوسا لأكثر من 100 يوم. وأُخلي سبيله بكفالة قدرها تسعة ملايين دولار في مارس آذار. ثم ألقي القبض عليه مرة أخرى وأفرجت السلطات عنه بكفالة في الشهر التالي. وجهت السلطات له أربع تهم منها إخفاء جزء من دخله من مرتبه من نيسان وتحميل خسائر مالية خاصة على دفاتر الشركة، ثانية أكبر شركات السيارات في اليابان. وينفي غصن التهم المنسوبة له.
هروب “جبان” أم “تحرر من قضاء فاسد”؟
غصن أكد إنه فر إلى لبنان هربا من النظام القضائي “الفاسد” في اليابان، وقال رجل الأعمال اللبناني الفرنسي البرازيلي “لم أعد رهينة نظام قضائي ياباني متحيز، حيث يتم افتراض الذنب”. وأضاف “لم أهرب من العدالة، لقد حررت نفسي من الظلم والاضطهاد السياسي. يمكنني أخيرا التواصل بحرية مع وسائل الإعلام وهو ما سأقوم به بدءا من الأسبوع المقبل”.
لكن وسائل إعلام يابانية نعتته بـ”الجبان”، وقالت صحيفة يوميوري شيمبون إن “الهرب عمل جبان يهزأ من النظام القضائي الياباني”، مشيرة إلى أنه بذلك “خسر فرصة إثبات براءته والدفاع عن شرفه”.
أما صحيفة سانكي شيميون المحافظة فأشارت إلى أن المدعين يعتقدون أن المحكمة خضعت “لضغط خارجي” بمنحه الكفالة وسط انتقادات واسعة النطاق في وسائل الإعلام اليابانية للنظام القضائي في اليابان الذي يتيح تمديد التوقيف ولفترات طويلة.
وفي اليابان يتم احتجاز المتهمين الذين ينكرون الاتهامات الموجهة لهم لفترات طويلة في كثير من الأحيان ويخضعون لاستجواب مكثف دون وجود محام يمثلهم. ويطلق منتقدون على هذا النظام “عدالة الرهائن”.
وتوجه جماعات الحقوق المدنية اليابانية ونقابة المحامين الرئيسية في اليابان انتقادات منذ فترة طويلة للنظام الذي يدين 99.9 في المئة من المتهمين في القضايا الجنائية.
وتقول هذه الجماعات إن النظام يمنح المدعين سلطات أكبر مما ينبغي إذ بإمكانهم احتجاز المتهمين لفترات طويلة قبل توجيه الاتهامات رسميا. ويعتمد النظام اعتمادا كبيرا على الاعترافات التي يثبت فيما بعد أن الكثير منها صدر تحت القهر وكان زائفا.
ومن الواضح أن هروب غصن يمثل صدمة للمؤسسة القضائية في اليابان. وقد بدأت الأصوات تتعالى في اليابان باعادة النظر في النظام القضائي. في هذا السياق قال المدعي السابق ياسويوكي تاكاي “هذه الحالة تثير قضية في غاية الخطورة عما إذا كان من الصواب استمرار الاتجاه نحو الرأفة في قرارات الإفراج بكفالة”.
المعضلة الأخرى أمام القضاء الياباني أنه سيكون من الصعب محاكمة غصن أثناء وجوده في لبنان، و”لا توجد اتفاقية لاسترداد المتهمين بين لبنان واليابان”، حسب مصدر قضائي لفرانس برس. ولا تسمح القوانين اللبنانية بتسليم المواطنين إلى دولة أجنبية لمحاكمتهم.
ع.ج.م/م.س (أ ف ب، رويترز)