الإعلام الأميركي: دخلنا «الحرب الشاملة»؟
في الخامس من أيار (مايو) 2014 وضعت مجلة «نيوزويك» الأميركية اللواء الشهيد قاسم سليماني على غلافها الخارجي معنونةً «في البداية حارب أميركا. الآن هو يسحق داعش»، واضعةً عنواناً رئيسياً للشخصية: «nemesis» التي تعني «الند». كانت تلك من المرات الأولى التي يظهر الرجل/ الظل على غلاف مجلةٍ أميركية بارزة، ليغدو إحدى أبرز الشخصيات التي طبعت العلاقات الأميركية الإيرانية. أما بعد اغتياله، فقد اختلط الأمر على الصحف وقنوات التلفزة الأميركية في التعامل مع قضية استشهاده.
بعد عملية الاغتيال، كتبت CNN (سواء عبر موقعها بالعربية أو بنسخته الإنكليزية) عن العملية بلغتها المباشرة المعتادة: «يذكر أن وزارة الدفاع الأميركية أصدرت بياناً قالت فيه: بتوجيه من الرئيس، اتخذ الجيش الأميركي عملاً دفاعياً حاسماً، لحماية الأميركيين في الخارج عبر قتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني المصنف كمنظمة إرهابية في الولايات المتحدة الأميركية».
كانت القناة تحاول عدم تبنّي أي موقف تجاه الرجل. وأشارت عبر تشارلز ليستر، أحد خبراء الشأن الإيراني، إلى أن «اغتيال سليماني يتخطّى اغتيال بن لادن أو أبو بكر البغدادي من حيث التأثير والمضاعفات، فأميركا وإيران تخوضان صراعات لا تعد منذ أشهر، لكن هذه العملية الهائلة ستصعد الأمور بدرجة كبيرة». ونظراً إلى «أهمية» الرأي الآخر بالنسبة إلى حرفتها، استعانت القناة ببين فريدمان، مسؤول السياسات في Think tank defense priorities في واشنطن، الذي أشار إلى أن هذه الخطوة «طائشة، لأن القوات الأميركية في المنطقة (الشرق الأوسط) غير قادرة على تحمّل أعباء ما حدث». وأضافت القناة الأميركية أنَّه لطالما وُصف سليماني من قبل قائد الثورة الإسلامية الخامنئي بأنه «شهيد الثورة الإسلامية الحي»، وأن هذا التوصيف بحدّ ذاته سيجعل الإيرانيين راغبين في «الانتقام»، وهو ما أكده فريدمان.
بدورها، عنونت cbs news: «مقتل الجنرال الإيراني، ذي الرتبة العالية، قاسم سليماني، في غارةٍ جويةٍ أميركية في بغداد». شرحت القناة لاحقاً ماهية دور سليماني، لناحية كونه قائداً لـ«فيلق القدس»، فضلاً عن كونه شخصيةً «من الأقوى» داخل «الجمهورية الإسلامية». وأوضحت أن الضربة «سيليها ردٌ قاصم» من إيران، وفق ما أكد الناطقون باسمها. وجاء في المقال نفسه نقلاً عن ضابط استخبارات أميركي أن «سليماني هو محارب العصابات الأكثر خبرةً عالمياً اليوم، فهو يدير قوات إيرانية، لبنانية، يمنية، سورية، أفغانية، وعراقية». وتابعت أن استشهاده «كان كارثياً»، وسيسبّب «صراع قوى» داخل النظام الإيراني.
واستخدمت قناة التلفزة جملة وزير الخارجية الأميركي بومبيو حين نعتَ جنود «فيلق القدس» بقُطّاع الطرق ورجال العصابات في معرض حديثه عن وضع الولايات المتحدة ذلك الفيلق في نيسان الماضي على لائحة الإرهاب. في الإطار عينه، لم تنس المحطة أن تشير نقلاً عن بين رودس (وهو مستشار أمني لباراك أوباما) إلى أنه حتى لو كانت يد سليماني ملطخة بالدماء، فإنها لحظةٌ مخيفة، إذ إن إيران سترد في أماكن متعددة وكثيرة. وكانت القناة الأميركية قد استخدمت في معرض حديثها عن سليماني التوصيف الذي استخدمه الجنرال ديفيد بترايوس (مسؤول القوات العسكرية الأميركية في العراق) بأن سليماني «عدوّنا الأكثر شراً وتميّزاً في الشرق الأوسط». ولم تنسَ الإشارة إلى دوره «كعمود رئيسي من أعمدة النظام في إيران»، وله «يده الطولى في تشكيل الشرق الأوسط كما تريده إيران».
اقرأ المزيد في قسم الاخبار
أما MSNBC، فقد أخذت الاغتيال إلى منحى آخر، فبدا أنها تقرع طبول الحرب. تحدث مقدم البرامج فيها كيث أولبرمان عن أنَّ هناك رأياً «أميركياً عاماً» بأنَّ «سليماني شرير، ويديه ملطختان بدماء أميركية». وتركت الهواء للأدميرال الأميركي جيمس ستافيديس الذي أصرّ على التوصيفات نفسها، فأشار إلى أن سليماني «شرير» (مستخدماً تعبير villain الذي يستخدم في توصيف المجرمين في الأفلام) في محاولة لإضفاء طابع درامي على الأمر. القناة أيضاً أكملت قرعها للطبول نفسها من خلال استضافة بريت ماكغورك، المبعوث الاميركي السابق للتحالف الدولي ضد داعش في العراق. وقال ماكغورك إن «علينا أن نعتبر أننا في حالة حرب حالياً مع إيران، وأن نتصرف بناءً على ذلك، ولو لم يعجبنا». هو بالطبع اعتبر أنَّ «العدالة قد تحققت»، وأن الحرب مع إيران كانت «حرب أشباح، تجري في الخفاء، لكنها اليوم بعد هذه العملية أصبحت علانية، لذلك علينا التعامل مع الأمر».
أما شبكة Abc الإخبارية، فتناولت الأمر منذ اللحظة الأولى في إشارة إلى «تصعيدٍ خطير» في العلاقات بين أميركا وإيران، مشيرةً إلى عملية الاغتيال، وإلى أنَّ «سليماني واحد من أرفع الضباط الإيرانيين، وأقوى الشخصيات في الشرق الأوسط منذ أكثر من 20 عاماً». تناولت القناة شعور الجمهوريين (حزب دونالد ترامب) بأن هذه الضربة هي «ضربة ناجحة» و«إنجاز كبير»، لكنها أشارت في الوقت عينه إلى أن المنتقدين لهذه الضربة كثر، مع سؤال عمّا إذا كانت قد وُجِّهت بعد أخذ الموافقة من الكونغرس أو لا؛ إذ إنها قد تضع البلاد على حافة «حربٍ شاملة». بدورها، تحدثت مراسلة القناة في العراق مارثا رادتس عن دور سليماني في محاربة داعش، و«على الرغم من أنه كان شخصيةً خفية، إلا أن الناس كانوا يعرفون من هو وماذا يفعل». في الوقت نفسه، لم تنسَ رادتس الإشارة إلى أنه «مسؤول عن مقتل العديد من الجنود والضباط الأميركيين». وفي معرض حديثها عن ردٍ إيراني، قالت إنه قد يكون رداً مباشراً، وقد يكون رداً مشابهاً لعملية «قصف شركة أرامكو السعودية».
من جهتها، تناولت «نيوزويك» عبر تقرير مصور عملية الاغتيال، رابطة إياها بما حدث في السفارة الأميركية في بغداد قبل أيام. وتناولت المجلة الأميركية شخصية سليماني في مقالٍ آخر، مشيرةً إلى أنه وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه «مالك لملاهٍ ليلية» و«مقامر»، في مقابلة مع مراسل لوكالة «رويترز». وأضاف أيضاً في المقابلة نفسها، موجهاً كلامه لترامب: «نحن بالقرب منك، حيث لا تحتسب، تعال. نحن جاهزون. نحنُ، الأمة الإيرانية، مررنا بالعديد من الظروف الصعبة، قد تبدأ الحرب، لكننا نحنُ من سينهيها. اسأل أسلافك عن ذلك، لذلك توقف عن تهديدنا، نحن قادرون على الوقوف بوجهك»،.
خاتماً: «فيلق القدس، وأنا، أندادك. ولا تمضي ليلةٌ واحدةٌ ننامُ فيها من دون أن نفكر فيك». وذكرت المجلة الأميركية استخدام ترامب إشارةً من مسلسل «صراع العروش» الشهير في تغريدة قائلاً: «العقوبات قادمة»، ليرد سليماني من حسابه الذي أقفل لاحقاً، ضمن جو المسلسل نفسه: «تعال، نحن في انتظارك». وفي الإطار عينه، تناولت «نيوزويك» تعيين الجنرال إسماعيل قاآني خلفاً لسليماني، مذكرةً كيف أنه قال في العام 2017 بأننا «لسنا أمة تهوى الحروب، لكن أي عمل عسكري ضد إيران سيقابل بالمثل. لقد دفنا العديدين، أمثال ترامب. ونجيد تماماً الحرب على أميركا».