عبد الباري عطوان: أربع سِيناريوهات مُحتَملة للرّد والثأر الإيراني
عبد الباري عطوان
انتظار تنفيذ حُكم الإعدام “أكثر إيلامًا” من عمليّة التّنفيذ نفسها، وهذه “القاعِدة” تنطبق حاليًّا على الولايات المتحدة ورئيسها دونالد ترامب بعد أن أكّدت القيادة الإيراني بشكلٍ حازمٍ أنُها ستثأر لاغتِيال رجلها القويّ اللواء قاسم سليماني، رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري، ورفيقه أبو مهدي المهندس، في غارةٍ شنّتها طائرة أمريكيّة مُسيّرة بعد وصولهما وآخرين إلى مطار بغداد قادِمين من زيارةٍ خاطِفةٍ لبيروت، دون أن تُحدَّد متى وكيف.
السيّد علي خامنئي، المُرشد الإيراني الأعلى، حرَص وفي سابقةٍ هي الأُولى من نوعها، على رئاسة اجتماع مجلس الأمن القومي يوم أمس، الذي انعقد لبحث جريمة الاغتيال هذه، وكيفيّة الرّد عليها، وأعطى تعليمات واضحة بأن يكون هذا الرّد عسكريًّا وقويًّا حتى يعلم العالم بأسرِه أنّ إيران تقول وتفعل، وتنتقم لرِجالها حتّى لو كان الخصم دولةً عُظمى مِثل الولايات المتحدة.
ما يُؤكِّد هذه الحقيقة أنّ الإدارة الأمريكيّة أرسلت ثلاث رسائل إلى القِيادة الإيرانيّة تُحاوِل فيها إقناعها، أو حتّى تهديدها، بعدم الرّد، من بينها اثنَتان حملهما السفير السويسري الذي ترعى دولته المصالح الأمريكيّة، والثّالثة حملها الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجيّة القطري، الذي حطّ الرّحال في طِهران فجأةً اليوم السبت، وأكّدت المعلومات المُسرّبة أنّ هذه القِيادة رفضت فتح هذه الرّسائل، وأكّدت أنّها لا تقبل بالوِساطات، فالقرار بالرّد اتُّخِذ ولا تراجُع عنه.
السّؤال الذي يطرح نفسه بقوّةٍ هو حول طبيعة هذا الرّد وحجمه وتوقيته، وما يُمكِن أن يترتّب عليه من نتائجٍ، وتحديدًا ردود الفِعل الأمريكيّة.
***
هُناك عدّة خِيارات، أو سيناريوهات، يُمكن التكهّن بها في هذا المِضمار، بعد دراسة مُعظم التّصريحات والسّوابق الإيرانيّة، يُمكن تلخيص الرد الإيراني في النّقاط التّالية:
أوّلًا: اغتيال شخصيّة أمريكيّة سياسيّة، أو عسكريّة كبيرة أو أكثر، سواءً داخِل الولايات المتحدة أو خارجها.
ثانيًا: شن هجمات صاروخيّة على القواعد العسكريّة الأمريكيّة في العِراق، وعددها 15 قاعدة ويتواجد فيها 5300 ألف جندي إلى جانب أكثر من ألف مُتعاقِد مدني، بما في ذلك قاعدة التّنف على الحُدود السوريّة العِراقيّة التي تقطع التّواصل الجُغرافي العِراقي السوري.
ثالثًا: استهداف القواعد العسكريّة الأمريكيّة في مِنطَقة الخليج مِثل قاعدة العيديد الجويّة في قطر، أو قاعدة الأسطول الأمريكي الخامس البحريّة في المنامة، أو “الدوحة” البريّة في الكويت، ورابعة في أبو ظبي.
رابعًا: قصف أهداف عسكريّة لدولة الاحتلال الإسرائيلي في العُمق الفِلسطيني المُحتَل، خاصّةً أنّ هُناك تقارير تُؤكِّد أنّ إسرائيل شاركت بطريقةٍ أو بأُخرى، في عمليّة اغتيال اللواء سليماني، وكشفت صُحف ومحطّات تلفزة إسرائيليّة أنّ ترامب اتّصل هاتِفيًّا بنِتنياهو الأربعاء الماضي، ونسّق معه عمليّة الاغتيال دون إعطاء المزيد من التّفاصيل.
بعض المُحلّلين، والعرب منهم خاصّةً، يقولون إنّ إيران لم تُهاجم في السّابق أيّ أهداف أمريكيّة تَحسُّبًا لردود الفِعل، وتَجنُّبًا لخوض حربٍ بالأصالة، وليس بالإنابة معها، مثلما يحدث حاليًّا في العِراق ولبنان واليمن وسورية، أو في العُمق السعودي (بقيق وخريص، حقل الشيبة مضخّات نفط خط شرق غرب النفطي)؟
وينسى هؤلاء أنّ الصّواريخ الإيرانيّة أسقطت طائرة “غلوبال هوك” المسيّرة فوق مضيق هرمز من على ارتفاع مِقداره 20 كيلومترًا، ولم يجرؤ ترامب على الانتقام، ونزوّدهم من الشّعر بيتًا بالإشارة إلى إسقاط طائرة لوكربي الأمريكيّة انتقامًا لإسقاط طائرة إيرانيّة فوق الخليج، وبلَعت أمريكا هذه الإهانة وآثَرت السّلامة.
إيران تُريد كسب حربها بالإنابة ضِد أمريكا على أرض العِراق، وطرد جميع قوّاتها منها، وإلغاء المُعاهدات التي تُشرّع وجودها، ويبدو أنّها باتت على بُعد 24 ساعة من تحقيق هذا الانتِصار، حيث من المُقرّر أن يعقِد البرلمان العِراقي جلسةً طارئةً بطلبٍ من رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، صباح الغد الأحد، لاتّخاذ قرار في هذا الصّدد، على أرضيّة تصنيف عمليّة اغتيال سليماني والمهندس بأنّها انتهاكٌ لهذه المُعاهدات التي تَحصُر وجود القوّات الأمريكيّة في العِراق في مجالات التّدريب فقط، وحظر أيّ عمليّات قتل للعِراقيين، ولعلّ تأييد السيّد مقتدى الصدر وكُتلته “سائرون” هذه الخطوة، ربّما يُزيل عقَبةً كبيرةً أمام فكِّ الارتِباط العِراقي الأمريكي بقرارٍ برلمانيٍّ تشريعيّ واضِح يَصدُر بالأغلبيّة النيابيّة العُظمى.
مسألة أخرى لا نستطيع القفز عنها في هذه العُجالة، وهي أنّ عمليّة الاغتيال هذه، للرّجل الثّاني في إيران، وبهذه الطّريقة الدمويّة، وعلى أرض العِراق، جاءت لتخدم الجَناح المُتشدِّد في السّلطة الإيرانيّة، وهو الجناح الذي عارض بقوّةٍ توقيع الاتّفاق النووي، وتجميد عمليّات التّخصيب بالتّالي، ومن غير المُستَبعد أن يُطالب هذا الجناح مُجدّدًا بالانسحاب من هذا الاتّفاق، والعودة إلى التّخصيب، وعلى أعلى المُستويات، وصولًا إلى الرّدع النوويّ بعد تصاعُد الهجَمات الأمريكيّة، واغتِيال اللواء سليماني، الذي يرى أنّه “إعلان حرب”.
***
من مساخر الأقدار أنّ ترامب الذي عارَض الحرب على العِراق، وتعهّد بسحب جميع القوّات الأمريكيّة من الشرق الأوسط في حال فوزه بالانتِخابات الرئاسيّة يعود كالمُجرم إلى مسرح الجريمة، وبات يحتاج إلى غزو واحتلال جديدين لتقليص خسائِر بلاده في هذا البَلد التي بلغت 6 تريليونات دولار وأكثر من 5 آلاف قتيل و33 ألف جريح، وها هو يُرسِل 3500 جندي أمريكي إضافي كمُقدّمة لأعدادٍ أكبر.
إذا كان ترامب يعتقد أنّه بعمليّة الاغتيال هذه يُعزِّز فُرَصه الانتخابيّة فهو مُخطِئ، لأنّ ألغام مِنطَقة الشّرق الأوسط، والإيرانية تحديدًا، أطاحت بالرئيس جيمي كارتر الذي لم تشفع له اتّفاقات كامب ديفيد، وضاعت أحلامه في الفوز بولايةٍ ثانية بين رُكام طائراته التي تحطّمت في الصّحراء الإيرانيّة وهي في طريقها لإنقاذ رهائن السّفارة الأمريكيّة في طِهران، والمُشكلة أنّ ترامب أغبى من أن يتعلّم من دُروس التّاريخ الحديث.
القيادة الإيرانيّة ستنتقم لدِماء اللواء سليماني ورفاقه، ولكنّها ليسَت في عَجَلةٍ من أمرِها، فهي دولة مُؤسّسات، وتَحسِب حِساباتها جيّدًا، وإتقان العمل من صُلبِ إرثها وعقيدتها.. والأيّام بيننا.
رأي اليوم
إقرأ أيضا: الإعلام الإيراني ينشر وصية سليماني لزوجته