إلى أين تتجه المنطقة؟
يعتبر الأميركيون اللاعب الأول في العالم الأكثر تدخلًا خارج حدود بلدهم. وحيث انخرطوا سابقًا وما زالوا منخرطين حاضرًا، في سلسلة واسعة من الحروب والمواجهات عبر العالم، مباشرة أو عبر وكلائهم، يملكون أكثر من 900 قاعدة عسكرية جوية وبرية وبحرية خارج اراضي دولتهم، فضلًا عن سفاراتهم وقنصلياتهم التي تمارس نشاطًا عسكريًا ومخابراتيًا بأغلبها. كانوا دائما يعتبرون مسؤولين عن الكثير من عمليات الاغتيال والتصفية لقادة أو لمسؤولين من الذين ناصبوهم العداء أو قاوموا نفوذهم وتدخلاتهم وأعمالهم، ولكن قد يكون العمل الاميركي الأكثر “حساسية” و”جرأة” على مدار عقود من الزمن، هو في إقدامهم وباعتراف رسمي واضح وصريح، على اغتيال قائد قوة القدس في الحرس الثوري الايراني اللواء قاسم سليماني والمسؤول الفعلي في الحشد الشعبي العراقي ابو مهدي المهندس، على طريق مطار بغداد.
حساسية الجريمة بداية تكمن في أنها استهدفت قائدًا أساسيًا في محور المقاومة. فاللواء قاسم سليماني لعب دورًا محوريًا في تنظيم عمليات مقاومة المشروع الاميركي في المنطقة. هذا المشروع مرتبط بمناورة العدو الاسرائيلي أو المستقل عنها، وقد استطاع الشهيد بما يملك من قدرة مميزة، جمعت الخبرة العسكرية والنظرة الاستراتيجية الى البعد الانساني والاجتماعي المحبب لشخصيته، استطاع إفشال أغلب مشاريع الاميركيين الهدامة في المنطقة، وخاصة في العراق وسوريا كنقطتي ارتكاز واجهتا الارهاب الذي صنعته واشنطن (“داعش” وملحقاتها)، بالاضافة لما قدمه من خبرات وامكانيات واسعة، أسست لتكوين منظومة ردع وتوازن استراتيجي لدى المقاومة اللبنانية، ولدى فصائل المقاومة الفلسطينية، بمواجهة الكيان الصهيوني، كما وساهمت هذه الخبرات والامكانيات في دعم وتثبيت صمود اليمنيين والانتصار بمواجهة تحالف العدوان الغربي الاقليمي عليهم.
كذلك تكمن حساسية الجريمة في أنها استهدفت نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، الحشد الذي يمثل الذراع الضاربة داخل العراق، والذي يمتلك غطاء شرعيا كوحدة عسكرية رسمية داعمة للجيش العراقي وللاجهزة الامنية، والذي لعب دورا محوريا في هزيمة “داعش” وتحرير العراق، وحيث يقوم اليوم بما يمثل ويحضن من مكونات عراقية واسعة، بتكوين جبهة متماسكة ضد عملية تفتيت وتقسيم العراق، وضد محاولة جره الى محور بعيد عن محوره الطبيعي بمواجهة اعداء العراق، جاءت عملية اغتيال ابو مهدي المهندس كمحاولة يائسة، لاضعاف الحشد ولتقويض دوره الذي يلعبه في تثبيت صمود المجتمع العراقي بمواجهة الهجمة الداخلية الاخيرة.
خطورة جريمة الأميركيين ايضًا تكمن في أنهم نفذوها في المنطقة المحيطة بايران والعراق، والتي يملكون فيها (الاميركيون) انتشارًا عسكريًا واسعًا، في مياه الخليج ومنطقة مضيق هرمز، أو في خليج عمان وبحر العرب، داخل سفن حربية وبوارج وحاملات طائرات، وفي قواعد برية ثابتة ومكشوفة في الدول الخليجية العربية، وهذا الانتشار ممسوك بالكامل من الوحدات الايرانية الصاروخية والجوية والبحرية.
انطلاقا من حساسية الجريمة وشخصية وموقع الشهداء المُستَهدَفين، حيث الرد الايراني – العراقي هو حتمي، تبعا للمنطق الطبيعي للامور، واستنادا للتصريحات الرسمية الايرانية التي أعلنت ذلك صراحة، وبالمقابل انطلاقا من الغطرسة الاميركية والمدعومة بقدرات عسكرية واسعة، موجودة حاليًا أو هي على الطريق لكي تصل وتنتشر وتتمركز في العراق أو في الخليج وربما في “اسرائيل”، فإن المنطقة تتجه حاليًا نحو اشتباكٍ خطرٍ هو واقعٌ لا محالة.
بعد الرد الطبيعي والمناسب على عملية الاغتيال، وحيث للمواجهة الواسعة تداعيات لا يمكن لاغلب الاطراف من كافة الاتجاهات تحملها، سيكون للدور المشترك (الروسي والصيني والاوروبي) حيز مهم في انتاج تسوية، نقاطها الرئيسة، انسحاب اميركي من العراق والعودة للاتفاق النووي مع ايران ضمن مقاربة مقبولة من الجميع.
شارل أبي نادر – العهد
اقرأ أيضا: ترامب يتحدى الكونغرس بشأن إيران.. “تابعوني على تويتر”