«نيويورك تايمز»: لهذه الأسباب لن تتأثر إيران باغتيال سليماني
عد اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، انطلق جدل وسط المحللين والمختصين السياسيين، فمنهم من يعتقد أنّ ما حدث كان بمثابة ضربة قاصمة لإيران في المنطقة ستضعف من نفوذها، والآخر يعتقد أنّها لن تضعف إيران بل ستقويها وتجعلها أكثر تماسكًا ونفوذًا. في ضوء هذا النقاش، نشرت الأستاذة نرجس باجولي المختصة في الدراسات الشرق أوسطية مقالًا في صحيفة «نيويورك تايمز»، تؤكد أنّ اغتيال سليماني لن يُفقد إيران نفوذها في المنطقة.
وتبدأ الكاتبة مقالتها مشيرةً إلى أنّه خلال الـ40 عامًا من التوتر بين الدولتين، جاء اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني تصعيدًا غير مسبوق من الولايات المتحدة. وأنّ اغتيال الجنرال سليماني، قائد فيلق القدس، الذي يعد الفيلق الأقوى في القوات الخاصة للحرس الثوري الإيراني، قد يتبعه سلسلة من الانتقامات عبر المنطقة.
ولكنّ هذا الاغتيال لن يضعف الحرس الثوري بأي شكلٍ من الأشكال، ولن يغير دور إيران الذي تلعبه في المنطقة.
نهاية سليماني لا تعني نهاية فيلق القدس
تضيف الكاتبة أنّ هنالك فكرة منتشرة مفادها أنّ اغتيال سليماني؛ يعني بالضرورة نهاية فيلق القدس وانسحابه من المنطقة، وأنّه سيؤدي أيضًا إلى توتر في علاقة إيران مع الجماعات الشيعية المسلحة، سواءً في العراق أو حزب الله لبنان. وبالنسبة للكاتبة فإنّ هذه الفكرة في غاية السطحية، ومدفوعة بفهم أيديولوجي لإيران وطبيعة الحرس الثوري.
وتسهب الكاتبة في أنّ الاغتيالات المشابهة في الماضي – كاغتيال القيادي في حزب الله عماد مغنية عام 2008- لم ينتج منه أي ضعف في حزب الله، بل على العكس من ذلك. كذلك الاغتيالات التي استهدفت قيادات حماس في غزة لم تستطع أنّ تنهي هذا التنظيم. وبالمقارنة، فالحرس الثوري والجمهورية الإسلامية أقوى وأكبر من كل هذه التنظيمات.
ولفهم البنية الهيكلية للحرس الثوري، من المهم العودة إلى الحرب العراقية الإيرانية، والتي استمرت منذ عام 1980- 1988. شكل هذا الحدث ثقافة وروح الحرس الثوري، في حربٍ تعد الأطول في القرن العشرين.
واجه الحرس الثوري الجيش العراقي، الذي كان مسلحًا ومدعومًا من الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، وأثناء الحرب تعلم المقاتلون القتال بطريقة غير متجانسة وتراتبية. ومنذ ذلك الحين فهذه استراتيجيتهم التي اعتمدوها وأتقنوها بشكل كامل. ماذا يعني هذا؟ تذكر الكاتبة أنّ صناعة القرار العسكري تحدث في مجموعات صغيرة الحجم، وعادة ما تكون متخصصة، وتملك استقلالية كبيرة مقارنة بقوى أكبر منها.
سمعة سليماني محفوظة بسبب نشاطه خارج إيران
وتضيف الكاتبة أيضًا أنّه خلال 10 أعوام من بحثها ودراستها للحرس الثوري، وكيفية تصويرهم في الإعلام الإيراني، كانت إحدى ملاحظاتها المهمة هو أنّه أينما كانت العملية التي ينفذها الحرس الثوري، سواءً في إيران أو في ساحات خارجية، فإنّهم يعملون بالقيادة المخصصة نفسها؛ فالقرارات والإجراءات لا تأتي فقط من رجل واحدٍ أو مجموعة صغيرة من هم في أعلى الهرم، فالعديد من أعضاء الحرس الثوري يملكون الخبرة في بناء العلاقات، وصناعة الاستراتيجيات، واتخاذ القرارات.
كل هذا يتناقض مع الصورة العامة للجنرال سليماني، سواءً داخل إيران أم خارجها. فهو منذ عام 2013 تروج له حملة إعلامية واسعة. تقول الكاتبة إنّها تابعت بعضًا من فريقه الإعلامي أثناء بحثها، ورأت كيف تنتج الأفلام، والوثائقيات، والفيديوهات الموسيقية، في كلٍ من العربية والفارسية، والتي عادة تحتفي بإنجازات سليماني التي حققها في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية.
وتضيف الكاتبة أنّ غالب استطلاعات الرأي داخل إيران، تشير إلى أنّ سليماني أحد أهم الشخصيات العامة في النظام الإيراني. وذلك بسبب نشاطه الدائم خارج إيران، الذي ساعده في الحفاظ على سمعته في أكثر الأوقات التي عاشتها الجمهورية الإسلامية توترًا داخليًّا.
من الصعب تجاوز رمزية الجنرال سليماني في المنطقة، خصوصًا بين الجماعات الشيعية العربية في العراق ولبنان. فقد كان سليماني الواجهة المجسدة للنفوذ الإيراني الممتد من لبنان إلى اليمن، وكان الواجهة التي تجمع الأموال، والأسلحة، والاستشارات. وتؤكد الكاتبة أنّه ليس الشخصية الوحيدة التي اكتسبت هذه العلاقات الشخصية، كما يحاول الإعلام الغربي إظهارها.
تذكر الكاتبة أنّ الفضل يعود إلى الهيكلية والنظام المخصص للحرس الثوري؛ فالعلاقات بين الحراس الثوريين والجماعات الشيعية المسلحة في العراق ولبنان قوية ومتينة.
تقول الكاتبة إنّ أثناء فترة إقامتها في لبنان وإيران، قابلت عساكر أجانب قضوا فترة طويلة في إيران من أجل العمل والاستجمام. وكانوا يتحدثون الفارسية بطلاقة ويفهمون الحرس الثوري وتعقيداته، وشبكة علاقاته مع مجموعاته. والتي هي مشكَّلة من علاقات النسب، والتجارة، والتاريخ، والثقافة. على الرغم من أهمية الجنرال سليماني، فإنه ليس حالة فريدة.
امتداد إيران متجذر في تاريخ المنطقة وحاضرها
تضيف الكاتبة أن إيران وشعوبها عاشوا آلاف السنين في المنطقة، وذكراهم دائمًا حاضرة في تاريخها، وليس من الممكن انتزاع هذا الإرث من خلال عمليات اغتيال أو ضربات صاروخية جوية. هذه الروابط التي تجمع كوادر الحرس الثوري وحلفائهم في الخارج متينة للغاية، ولا تعتمد على شخصية واحدة. وكما رأينا فإنّ إيران فورًا أعلنت عن خليفة الجنرال سليماني، نائبه إسماعيل قاآني.
كما قالت الكاتبة إنّ اغتيال سليماني يعد فرصة ذهبية للنظام؛ لتعزيز شعور الوحدة داخل إيران، الذي جاء في حالة تعيش فيها إيران داخليًّا انقسامًا سياسيًّا كبير، ومظاهرات في الشوارع في نوفمبر (تشرين الثاني). تعرف الجمهورية الإسلامية تمامًا، استغلال هذا الحدث لصناعة الإجماع الشعبي وحشده حول عدوها الخارجي، وهذا ما فعلته في أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وفي أثناء قتالها الدولة الإسلامية، والعقوبات الأمريكية.
تختم الكاتبة بأنّه إذا ما فهمنا الأمر كذلك، فسنرى أنّ نفوذ الجنرال سليماني وإرثه باق ويمتد مع الزمن. اغتالت الولايات المتحدة شخصية مهمة جدًّا محاطة بجماعات مسلحة ممتدة عبر المنطقة، ولكن سليماني لم يكن القائد الوحيد الذي يملك التفكير الاستراتيجي والخبرة الميدانية؛ التي تتمنى أنّ ترى الولايات المتحدة وهي تخرج من المنطقة. كان هذا اغتيالًا رمزيًّا، والمشكلة أنّ رمزيّة اغتياله لديها قوة دافعة لتحريك الناس لاتخاذ مواقف
اقرأ المزيد في قسم الاخبار
ساسة بوست