بيوت دمشق القديمة تتداعى.. و تعقيدات الترخيص تعطّل الترميم
حبيب شحادة
بفعل الشتاء وغيره لا يمر يوم إلا وتُنشر الأخبار عن انهيار و/أو احتراق أحد البيوت الدمشقية القديمة على مسمع ومرأى الجميع موضوع قديم. جديد لم يُقفل بَعد رغم حجم الضرر الناتج عنه. بيوت من خشب وطين تأوي ساكنيها رغم خطورة العيش فيها لعدم القدرة على هجرها أو تأمين البديل عنها.
يَذكر التاريخ السوري تعرض العديد من معالم دمشق القديمة للتدمير سواء بفعل الزلازل أو الحروب أو الحرائق ومن ضمنها البيوت القديمة التي تُعاني اليوم من الإهمال والانهيار والاحتراق، فيما تكتفي الجهات المعنيية بالحفاظ عليها بزيارتها بعد الحرق/ الانهيار وتقديم التصريحات الإعلامية التي لا تغني ولا تسمن من جوع.
بيوت متصدعة
تنتشر في أحياء دمشق القديمة مئات المنازل المتداعية والآيلة للسقوط في أي لحظة، كالمنازل الموجودة في أحياء الشاغور، القنوات، العمارة، القيمرية، باب سريجة وغيرها.
أبو أحمد أحد سكان حي القيميرية يقول ” إنّ بيوت دمشق القديمة أضحت اليوم تعاني من تصدعات عديدة كتسرب المياه في الشتاء من أسقفها، لكن دون قدرتنا على إصلاحها أو ترميمها”. ويعزو السبب في ذلك للوضع المادي، ولصعوبة الحصول على رخصة الترميم من المحافظة التي تحتاج لواسطة ورشاوي وفقاً لأبو أحمد.
تعتبر أغلب بيوت دمشق القديمة أثرية أو تدخل في نطاق الشريحة الأثرية، إضافة لتداخل ملكية هذه البيوت بين الأثار والمحافظة والأوقاف، ما سبب صعوبة كبيرة في تحصيل أوراق الترخيص والرخصة. ويقدر عدد بيوت دمشق القديمة وفقاً لمديرية آثار دمشق ب 6000 عقار منها 55% سكني، وحوالي ال 2000 منزل ملكيتها موزعة بين عامة وخاصة، و19% مُستملك مع وقف التنفيذ فلا هي تُرمم ولا يُلغى استملاكها.
حيال ذلك يقول مدير مديرية دمشق القديمة مازن قرزلي “نحن كمديرية دائماً نشجع الناس على ترميم منازلها”، مضيفاً أنّ المديرية قامت بافتتاح مركز خدمة المواطن الخاص بما يتعلق بمنازل دمشق القديمة منعاً للاحتكاك مع المواطن وتخفيفاً للفساد.
كما أوضح أنّ قصة الاستملاكات في طريقها للحل، حيث تم جرد الحالة الفيزيائية للاستملاكات من قبل المحافظة ونقابة المهندسين ومديرية الآثار ،وخرجوا بتوصيات قانونية لمعالجة قضية الاستملاك وتم رفعها لمجلس الوزراء.
رخص الترميم
تمر رحلة الحصول على الرخصة وفقاً لقرزلي بتقديم مالك / مستأجر المنزل طلب لمركز خدمة المواطن الذي بدوره يرفعه لدائرة التراخيص. ولتخفيف الروتين والعبء على المواطن وعدم إطالة العملية تم تجميع العديد من اللجان المعنية بشؤون العقارات القديمة بمكان واحد يضم مختصين من الأوقاف والآثار والمحافظة.
كما أنّ هناك ما يعرف برخصة الإصلاح الطارئ والتي تمنح خلال ثلاثة أيام في حال كان هناك ضرر على الأملاك العامة، لكنها تتطلب أن يكون صاحب العقار لديه إثبات حيازة. وتتنوع الرخص بين ترميم. بناء. إعادة بناء. إصلاح طارئ. ولكن عندما تعلم المحافظة بوجود أي خطر على المصلحة العامة تقوم بتوجيه إنذار للمالك لإزالة الخطورة، وإذا لم تُزال بعد الإنذار الثاني تزيلها المحافظة عبر هدمها فقط.
لكن يحيى من سكان دمشق القديمة يقول بأنّ منزله تعرض لسقوط قذائف هاون بالعام 2014 ولم يستطع الحصول على رخصة ترميم قانونية كون ملكية منزله تعود للأوقاف، ذلك على الرغم من أنه قام بتقديم كافة الأوراق المطلوبة للحصول على الرخصة لكن دون جدوى، ما اضطره لترميمه بتكلفة عالية (5 مليون سوري) عبر أحد متعهدي البناء.
يرى قرزلي بأنّ هناك من يحصل على رخصة ترميم، ولكنه لا يلتزم بشروط الترميم لناحية استخدام مواد بناء تقليدية (لبن – خشب – حجر) بل يقوم باستخدام البلوك والاسمنت وهذا مخالف لشروط الترميم.
يعترف قرزلي بأنّ المحافظة مُقصرة تجاه مدينة دمشق القديمة نتيجة الاحتياج الكبير، ولا بد لأصحاب المنازل من إدراك أهمية ما لديهم للحفاظ عليه، فلا يضطر أحد لتشويه منزله نتيجة الحالة الاجتماعية والقانونية.
وفيما يتعلق بالحرائق قال قرزلي بأنّ المشكلة متعلقة بمياه الشرب والكهرباء والتي لا نستفيد منها في حال حدوث أي حريق نتيجة سرعة انتشار الحريق بين المنازل كونها مصنوعة من الخشب واللبن.
لذلك تم رصد نقاط لأماكن تواجد الآبار للاستفادة منها، ووضع مخطط يتضمن فوهات الحريق وخزانات مياه في أماكن قريبة من البيوت مثل الحدائق وذلك بهدف الحد من الزمن الذي يستهلكه مدّ “برابيش” سيارات الإطفاء، والوصول للحريق بأسرع وقت ممكن.
تبقى مشكلة منازل دمشق القديمة كبيرة ولا يمكن حصر مسؤولية الحفاظ عليها. فبين المواطن والمسؤول تنهار المنازل دون إدراك الحد الأدنى من المسؤولية المجتمعية للحفاظ على المدينة القديمة المسجلة على لائحة التراث العالمي.
آسيا