“نضوب” 50 % من ثروة وطنية سورية..والأسعار نار
بالرغم من أهمية قطاع الثروة الحيوانية بدعم الناتج المحلي وما يؤمنه من توفير متطلبات واحتياج السوق المحلية من اللحوم الحمراء والبيضاء والألبان والأجبان وغيرها من المنتجات كمستلزمات بعض الصناعات من الجلود والصوف إلا أن هذا القطاع شهد تراجعاً كبيراً خلال السنوات الفائتة, حيث تقلصت أعداد رؤوس الثروة الحيوانية وانخفضت نسبة إنتاجها بما انعكس سلباً على واقع الأسواق وسبب ارتفاع الأسعار الجنوني في منتجاتها, كما أثر ذلك على الدخل المادي للأسر في الأرياف التي كانت تعدها مصدر رزقها الوحيد من خلال اضطرار العديد منها للعزوف عن تربيتها لعدة أسباب منها ارتفاع أسعار المقنن العلفي بسبب الحصار الاقتصادي الجائر على سورية ودخول التجار على خط المتاجرة بها وكذلك صعوبة تأمين مستلزمات التربية وتهريب رؤوس قطعان تلك الثروة إلى الخارج من قبل بعض التجار أيضاً لبيعها بأسعار مضاعفة, إضافة إلى ارتفاع أسعارها الذي عجز أمامه الكثيرون عن اقتنائها نظراً لمحدودية وضعهم المالي, كما تضاف إلى تلك المشكلات صعوبة تنقل بعض أصحابها إلى مناطق وجود المراعي لأن أجور نقلها مكلفة وترتب عليهم أعباء مالية كبيرة. كل هذه الأسباب دفعت المربين للبحث عن مصادر دخل أخرى قد تكون بمستلزمات أقل تكلفة وتؤمن لهم مصدر دخل يفي بالحاجات الضرورية لمعيشة أسرهم.
أمام هذا الواقع فإن الثروة الحيوانية تحتاج الدعم الكافي من جميع الجهات المعنية بما يشجع المربين على الاهتمام بها ومنح قروض ميسرة لهم ما يخفف عنهم جزءاً من التكاليف المالية الكبيرة الناتجة عن تربيتها وكذلك إيلاؤها الاهتمام الكافي بما يساهم في توفير حاجة السوق المحلية من منتجاتها وتوفير مصدر دخل لتلك الأسر ويوفر فرصاً لتشغيل الأيدي العاملة, وينعكس بالتالي على أسعار منتجاتها في السوق المحلية.
وتعد محافظة حماة من المحافظات الزراعية التي تعتمد في مصادر دخلها على الزراعة وتربية الماشية ولكن لمربي هذه الثروة همومهم ومعاناتهم بسبب الحرب وفي هذا الملف تم تسليط الضوء على واقع الثروة الحيوانية في المحافظة وأوجاع المربين.
عاش مربو الثروة الحيوانية ظروفاً صعبة في السنوات الماضية فالكثيرون منهم نزحوا من قراهم أثناء الحرب وسرقت المجموعات الإرهابية جزءاً كبيراً من قطعانهم ولم يعد في إمكان أغلب المربين توفير مستلزمات العمل في هذا المجال نتيجة الظروف المعيشية وارتفاع أسعار الأدوية والأعلاف فباع الكثيرون منهم مواشيهم وقد استغل التجار ظروف المربين الصعبة وشحنوا ما استطاعوا شحنه من الأغنام والأبقار وهربوها إلى الدول المجاورة مستفيدين من فروق الأسعار وتالياً انخفض تعداد الثروة الحيوانية إلى نصف ما كانت عليه قبل الحرب وهذا أدى إلى ارتفاع أسعار الحليب واللحوم بشكل جنوني ووصل سعر كيلو لحم العجل إلى 6 آلاف ليرة والخروف إلى 9 آلاف ليرة.
آخر إحصائية منذ عشر سنوات
لم تعد الأرقام الإحصائية المعتمدة تنفع لإعطاء تصور واقعي عن تعداد الثروة الحيوانية لأن آخر إحصائية للثروة الحيوانية نفذتها مديرية زراعة حماة منذ عشر سنوات وهي المعتمدة في الوقت الحالي، ووفق رئيس دائرة الصحة الحيوانية في مديرية زراعة حماة- الدكتور عبد الغني حسيان فإن تعداد الثروة الحيوانية انخفض إلى نصف ما كان عليه قبل الحرب بسبب نزوح الكثير من المربين من قراهم وسرقة المجموعات الإرهابية لجزء كبير من قطعانهم وبسبب غلاء الدواء والأعلاف، إذ لم يعد في إمكان أغلب المربين توفير مستلزمات العمل في هذا المجال نتيجة الظروف المعيشية الصعبة وتهريب مجموعة من التجار والسماسرة لقسم لا يستهان به من الأغنام والأبقار إلى الدول المجاورة ولاسيما إلى لبنان ولا يمكن لدوائر الزراعة تقدير تأثير ذلك في التعداد الإجمالي للثروة الحيوانية في محافظة حماة.
وحسب الإحصائية المعتمدة بلغ تعداد الأغنام / 2619614 / رأساً و/ 291275 / رأس ماعز و/ 89494 / أبقاراً و/ 1770 / رأس جاموس و/ 1400 / رأس جمال و/ 685 / رأس خيول.
ولفت مدير الثروة الحيوانية في الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب- الدكتور حسن عثمان إلى تزايد تعداد الثروة الحيوانية في بعض المناطق الآمنة ضمن مجال إشراف الهيئة ولاسيما الأبقار وذلك في السقيلبية وبعض القرى ولكن أعدادها في أقسام أفاميا وجزء من بلدة الجيد والزيارة التي تشكل 20% من أعداد الثروة الحيوانية تراجعت بسبب الحرب وتواجد المجموعات الإرهابية في تلك البلدات،مشيراً إلى أنه وفق التصويب الإحصائي للثروة الحيوانية في مجال إشراف الهيئة الذي تم في العام 2018 بلغ عدد الأبقار /28994/ رأساً وتناقص عن العام الذي سبقه بمقدار /2218/ رأساً وتناقص تعداد الأغنام من 325 ألف رأس إلى 218 ألف رأس. في حين بلغ تعداد الماعز 59 ألف رأس و1266 رأس جاموس مع محطة جاموس شطحة وبلغ عدد الأسر العاملة في مجال تربية الثروة الحيوانية 23236 أسرة في منطقة الغاب.
مربو الغاب.. هموم بالجملة
هموم مربي الثروة الحيوانية تكاد لا تنتهي فهي كثيرة وأهمها غلاء الأعلاف والأدوية وصعوبة تسويق المنتج وتحكم التجار (الجبّانة) بأسعار الحليب وبيعه للمستهلك بأسعار مرتفعة، وقال محمود عديرة- مربي أبقار من شطحة: نشتري المادة العلفية بأسعار مضاعفة من السوق لأن المقنن العلفي لا يكفي لمدة أسبوع ويبلغ سعر كيس العلف وزن 50 كيلو غراماً بين 12 – 13 ألف ليرة وتحتاج البقرة 10 – 15 كيلو غراماً في اليوم، وفي أشهر الشتاء تكون خسارتنا كبيرة نظراً للاعتماد على الأعلاف في التغذية لكن نعوض جزءاً من هذه الخسارة في موسم الرعي في الربيع، مشيراً إلى أن الكثير من المربين باعوا مواشيهم لأنه الحل الأمثل لمواجهة خساراتهم وقال: إذا بقيت هذه المشكلات قائمة فلن نجد في سهل الغاب ثروة حيوانية في السنوات القادمة.
ويروي محمد حميدان- مربي ماعز أنه يعتمد في معيشته على تربية الأبقار والماعز وأن ربحه ينحصر بالمولود، فمن سعره يوفر سيولة لمعيشة أسرته وفي العام الماضي أصيبت قطعان الماعز بمرض التهاب الرئة، ما أدى إلى نفوق العشرات من الماعز والأمّات وكان أملنا أن يتم تعويضنا بجزء من خسارتنا من صندوق التعويض عن آثار الكوارث والجفاف لكن الصندوق لم يشملنا بتعويضه وقال: التجار يدفعون أسعاراً خيالية لشراء أي نوع من المواشي (أغنام – ماعز – أبقار) والسوق نشيط في هذه الأيام، فسعر أنثى الغنم وصل إلى 250 ألف ليرة والماعز إلى 180 ألفاً.
فقدان 70 % من أغنام ريف السلمية
مرَّ مربو الثروة الحيوانية في ريف السلمية الشرقي الذي يعد الموطن الأساس لمربي الأغنام في حماة في ظروف صعبة خلال سنوات الحرب، فالكثير منهم نزحوا من قراهم بسبب الممارسات الإجرامية للمجموعات الإرهابية التي سرقت جزءاً كبيراً من القطيع.
ويروي سالم عز الدين- رئيس الجمعية الغنمية في بستان صبيح أن الثروة الحيوانية وصلت مرحلة انهارت فيها أسعار الأغنام وبات الكثيرون من المربين يبيعون ما لديهم من أغنام ليوفروا لأسرهم مصروفاً يومياً للمعيشة فبعض الجمعيات الغنمية كان فيها قطيع من الأغنام تعداده بالآلاف ولم يعد فيها إلا 50 – 100 رأس غنم وبعض المربين لم يعد لديهم أكثر 15 – 20 رأساً يوفر من خلالها تكاليف المعيشة ويجزم عز الدين بأن المربين في ريف السلمية فقدوا زهاء 70% من أغنامهم.
لافتاً إلى أن الدولة كانت قبل الحرب توفر للثروة الحيوانية في المنطقة الرعاية الصحية والأدوية المجانية والآن الكثير من المربين الذين نزحوا من قراهم لديهم رغبة في العودة إليها لكنهم يواجهون صعوبة بسبب تكاليف الطريق إذ يكلف الرأس الواحد من الأغنام ما يقارب 10 آلاف ليرة هذا الأمر يحتاج معالجة من الجهات المعنية.
تجار على أبواب المطاحن
المقنن العلفي الذي توزعه مؤسسة الأعلاف للثروة الحيوانية يعد السند الداعم للمربين لتجاوز المحنة التي مروا فيها في سنوات الحرب ويروي رئيس اتحاد الفلاحين في حماة- الدكتور هيثم جنيد أن دور مؤسسة الأعلاف تراجع كثيراً في السنوات الأخيرة بسبب دخول التجار على خط شراء النخالة من المطاحن بسعر 65 – 68 ليرة للكيلو غرام وبيعه للمربين بسعر 75 ليرة،بينما تبيعه مؤسسة الأعلاف للمربين في إطار المقنن العلفي بسعر 42 ليرة لا يحصل الكثيرون من المربين على المقنن المخصص لأغنامهم في الدورة العلفية بسبب عدم كفاية الكميات التي تستجرها (الأعلاف) من المطاحن، مؤكداً أن الحل الأمثل لهذه المشكلة يكمن في حصر استجرار مادة النخالة من المطاحن بمؤسسة الأعلاف وبذلك يتم توحيد سعر المادة وتوفير مقنن علفي كاف للثروة الحيوانية.
من جهته، أكد مدير فرع مؤسسة الأعلاف- عثمان دعيمس أن الدورات العلفية مستمرة بتوزيع المقنن العلفي للثروة الحيوانية كل شهرين دورة على مدى العام وذلك حسب المواد العلفية المتوافرة وبمعدل يصل إلى 10 – 15 كيلو غراماً للرأس من الأغنام وهذه المواد توزع بأسعار مدعومة، بينما تباع في السوق بأسعار مضاعفة لأنها مستوردة ومرتبطة بسعر الصرف، مشيراً إلى أن الطلب على المادة العلفية يبلغ ذروته من الشهر العاشر حتى بداية شهر آذار فصل الربيع وموسم الرعي، حيث يقوم الفرع في هذه الفترة بتخزين المادة العلفية المتبقية لحين الطلب في حال لا يرغب المربي باستلامها لعدم توافر المال لديه، كما تم فتح دورة علفية للمداجن المرخصة ودورة للثروة السمكية خاصة بالمسامك العامة. ولفت عثمان إلى أن عمليات تحديث معمل تصنيع المقنن العلفي في كفربهم بدأت ليعاود إنتاجه من مادة الكبسول والجريش التي كانت متوقفة منذ أكثر من سنة ويقدر إنتاجه ب20 طناً في الساعة وهذا سيغطي حاجة المحافظة بالكامل وبعض المحافظات الأخرى وسيكون منافساً للقطاع الخاص من حيث الجودة والسعر وسيبدأ المعمل بالإنتاج في النصف الثاني من العام الحالي.
دور غير مؤثر للآفات المرضية
أكد رئيس دائرة الصحة الحيوانية في مديرية زراعة حماة- الدكتور عبد الغني حسيان أن الأمراض التي أصابت الثروة الحيوانية لم يكن لها دور مؤثر في هذا التدهور الكبير بتعداد الثروة الحيوانية لأن الأمراض اقتصرت على مرض التكتل العقدي الذي أصاب قطيع الأبقار العام الماضي وتسبب بحالات نفوق قليلة لافتاً إلى أن مديرية زراعة حماة تشرف على 91% من الأغنام و79% من الماعز و67% من الأبقار وذلك من إجمالي الثروة الحيوانية في المحافظة.
وعن الحالة الصحية للثروة الحيوانية في الغاب قال الدكتور حسن عثمان: تعرضت قطعان الماشية في العام الماضي إلى بعض الأمراض كمرض الجلد العقدي الكتيل عند الأبقار، وتركز في قسم شطحة ثم انتقل إلى بقية الأقسام في عين الكروم – سلحب – السقيلبية وكان عدد الإصابات قليلاً وأغلبها تماثل للشفاء ولم تتجاوز الأعداد النافقة أكثر من 20 بقرة كما أصيب الماعز بآفات رئوية نتيجة الظروف التي سادت كالبرد الشديد والأمطار المتواصلة حيث منع القطيع من الخروج إلى المراعي،ما تسبب بظهور أعراض مرضية تسببت بنفوق أعداد منها وأكد أن كل المواشي يتم تحصينها بلقاحات دورية في الأوقات المحددة.
وللحفاظ على الثروة الحيوانية قال د.عثمان: لابدّ من زيادة المقنن العلفي وإعادة تصنيع الأعلاف على شكل كبسول بدلاً من الجريش لافتاً إلى أن بعض معامل الأعلاف الخاصة تنتج علفاً غير مطابق للمواصفات القياسية،ما يؤدي إلى ظهور حالات مرضية، في ظل غياب أهم بقايا المحاصيل الزراعية المعتمدة في الرعي وهي زراعة القطن والشوندر ومن الضروري منح قروض عينية ونقدية للمربين وإنشاء غرفة تبريد للحفاظ على اللقاحات البيطرية أسوة ببقية المحافظات.
المستهلك يدفع الثمن
يروي القصاب أبو تميم أنه يشتري كيلو العجل الحي القائم من المربي أو من التجار بسعر يتراوح بين 2400 – 2500 ليرة وبحسبة بسيطة لنسبة المردودية من اللحم التي لا تتجاوز ال 38 % من الوزن القائم تصل تكلفة كيلو لحم العجل على اللحام إلى 6500 ليرة وتكلفة كيلو لحم الخروف إلى 8500 ليرة وفق سعر كيلو الخروف الحي القائم البالغة 3750 ليرة ومردوديتها من اللحم البالغة 26 %، وفي المقابل فإن تسعيرة التموين لكيلو لحم العجل 4500 ليرة وتسعيرة كيلو لحم الخروف 5500 ليرة فكيف في إمكان القصاب أن يبيعه بسعر أقل من التكلفة،كاشفاً أن أمامه خيارين: إما أن يتوقف عن العمل في مجال القصابة ريثما تتغير الأسعار وإما يتماشى مع تسعيرة السوق لمادة اللحم القائم مع هامش ربح يتناسب مع الخدمات التي يقدمها للمستهلك.
بدوره قال مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حماة- زياد كوسا: من المستبعد أن يبيع القصابون اللحمة بتسعيرة التموين لأن ذلك يتسبب لهم بخسائر لا يمكنهم تحملها وإذا تمت مخالفتهم وتنظيم ضبوط بحقهم ستتوقف كل محلات القصابة عن العمل وتفقد مادة اللحمة من السوق، مؤكداً أن لجنة تسعير المواد اجتمعت قبل فترة لتحديد تسعيرة جديدة لمادة اللحمة إلا أن اللجنة ارتأت ضرورة التريث بعض الوقت لأن قرار كهذا قد تفوق سلبياته إيجابياته.
البعث
اقرأ أيضا: الخطر الصّامت يتقدم نحونا بلا ضجيج..إنذار صاخب بهيئة دراسة