السبت , نوفمبر 23 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

في أمل .. تعرف على التجربة الماليزية

في أمل .. تعرف على التجربة الماليزية

عندما زار مهاتير محمد الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس الأسبق “رونالد ريجان”، كان هذا الأخير ينظر لكل زائريه من العالم الثالث نظرة مليئة بالاستعلاء والغرور.

اقترب من الضيف الماليزي، وقال له “انظر أمامك! ما تراه، هما العمارتان الأطول في العالم، يقصد «برجي مركز التجارة العالمي .

فرد عليه “أبو ماليزيا الحديثة: “سيدي الرئيس! أطمئنك أنه سيكون في ماليزيا قريباً ما هو أطول منهما”، وفي عام 1998 كانت ماليزيا على موعد مع تدشين العمارتين الأطول في العالم المعروفتين ببرجي “بتروناس”.

تأسست دولة ماليزيا عام 1963م عندما انضمت كل من سنغافورة، وولايتي صباح وساراواك إلى اتحاد شبه الجزيرة الماليزية.

وأصبحت سنغافورة عام 1965م دولة منفصلة، ثم نهضت ماليزيا بقوة عندما مرّت بفترة من النمو الاقتصادي السريع في الثماينينات تحت إشراف رئيس الوزراء مهاتير محمد.

وتبع ذلك مباشرةً موجة من التوسع الحضري، بالإضافة إلى الانتقال إلى اقتصاد قائم على التصنيع، والصناعات الثقيلة، بعد أن كان يعتمد على تصدير المواد الخام كالقصدير والمطاط، وذلك منذ عام 1970م.

وما زالت ماليزيا تعتبر منتجاً رئيسياً لزيت النخيل، والمطاط، كما أنها تصدّر كميّات كبيرة من الغاز الطبيعي والنفط، وتعد أحد أكبر مصادر الأخشاب الصلبة في العالم، لكنها زادت من تركيزها على مجال التصنيع للتصدير، من أجل تطوير نموها الاقتصادي.

وذلك باستخدام قوى عاملة متعلّمة وغير مكلفة نسبياً، وبنية تحتية متطورة، واستقرار سياسي، وعملة مقومة بأقل من قيمتها، اجتذبت ماليزيا استثمارات أجنبية كبيرة خاصة من اليابان وتايوان.

وسعت الحكومة منذ أوائل السبعينات من القرن الماضي نحو استراتيجية إعادة هيكلة اجتماعية واقتصادية، والتي كانت تُعرف باسم السياسة الاقتصادية الجديدة (NEP).

وهدفت (NEP) والحزب الوطني إلى منح الماليزيين والمجموعات المحلية الأخرى فرصاً اقتصادية أكبر، وتطوير مهاراتهم الإدارية ومهاراتهم، بعدما كانت الأقليات من الصين، وجنوب آسيا تهيمن على الاقتصاد الماليزي.

وشجعت السياسة الاقتصادية الرسمية القطاع الخاص بالاشتراك بدور أكبر في عملية إعادة الهيكلة، وكان أحد العناصر الرئيسية لهذه السياسة هو خصخصة العديد من أنشطة القطاع العام، بما في ذلك السكك الحديدية الوطنية وشركات الخطوط الجوية ومصنع السيارات والاتصالات وشركات الكهرباء.

من أهم مميزات التجربة الماليزية التخطيط الجيد لمستقبل الدولة، حيث تم اعتماد رؤية (2020م) كخطة مستقبلية سعت الحكومة إلى تنفيذها، لتصبح ماليزيا في مصاف الدول الصناعية..

ورغم تعدد الأعراق داخل المجتمع الماليزي وكذلك تعدد الديانات (18 ديانة داخل ماليزيا)، قرر الجميع أن يضعوا خلافاتهم جانبًا، وأن يهتموا بنهضة البلاد.

واستطاع مهاتير إنهاء الصدام المستمر بين الأعراق، من خلال التعليم والإعلام ومؤسسات الدولة الكبرى، وفرض حالة حقوقية تربط حقوق الفرد وواجباته بانتمائه الوطني، وليس بانتمائه العرقي.

وقام باستثمار التعدّد العرقي في ملفّ النهضة، فقد استغل مهاتير محمّد “الملايو” في إقامة علاقات ثقافية واقتصادية مع العالم الإسلامي وتحديداً دول الخليج، في حين استغلّ الصينيون والهنود في الانفتاح الاقتصادي على الصين (في مجالات الصناعة).

وعلى شبه القارة الهندية (في مجالات الزراعة) فنقل المجتمعَ الماليزي من حالة «التعدّد» إلى حالة من «التعدّدية» والمشاركة في التنمية.

اعتمدت النهضة الماليزية على دعم التعليم، وتقديم تسهيلات تجارية وإعفاءات ضريبية، والسماح بالاستثمار الاجنبي بشرط ألا ينافس المنتج الوطني، وأن تصدر الشركات الأجنبية 50 % على الأقل من جملة ما تنتجه، والسماح لهذه الشركات باستقدام خمسة أجانب – فقط لشغل بعض الوظائف في الشركة، لزيادة الاعتماد على مواطني ماليزيا.

كما تم خصخصة العديد من الشركات والمؤسسات الحكومية مع احتفاظ الحكومة بسهم خاص في إدارة المؤسسات ذات الأهمية الاجتماعية والاستراتيجية؛ لتمارس الحكومة دورها في الرقابة والإشراف عليها.

ولتقليل الآثار السلبية للتحول إلى القطاع الخاص قامت الحكومة بمنح تأمين ضد البطالة للعاملين في الخدمات التي تم تحويلها إلى القطاع الخاص، وتوفير فرص بديلة لهم. مما أحدث نقلة نوعية في الاقتصاد الماليزي.

انتقلت ماليزيا إلى مرحلة الصناعات عالية التقنية منذ عام 1986 وأصبحت الآن واحدة من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للرقائق الإلكترونية والأجهزة الحديثة، كما دخلت مرحلة تصنيع الأسمنت والحديد والصلب، وكذا التوسع في صناعة النسيج وصناعة الإلكترونيات، ثم بدء العمل في مجال تصنيع السيارات، وتشكل السلع الصناعية 82٪ من صادراتها.

ويمكن القول: إن أهم ما ميز التجربة الماليزية كان قدرتها على الاستفادة من تجارب الآخرين، حيث بدأت في بحث أسباب نهضة اليابان، التي أصبحت من أكبر حلفاء ماليزيا في مشروعها نحو التنمية والتقدم، وكانت الاستفادة كبيرة فيما يتعلق بأخلاقيات العمل والتطور التقني والتميز في المجال الصناعي.

تلفزيون الخبر