مسلحو الشمال السوري: استثمار تركي للسقوط المدوي
علاء حلبي
تمكن الجيش السوري من السيطرة على أكثر من 28 قرية ومدينة خلال أربعة أيام فقط من بدء التقدم البري.
على محاور ريف إدلب الجنوبي، تمكن الجيش السوري من السيطرة على معرة النعمان، المدينة الأكبر التي تطل على طريق حلب – دمشق، الأمر الذي يجعل السيطرة على سراقب مسألة وقت، خصوصاً أنه بات يبعد عنها أقل من خمسة كيلومترات بعد السيطرة على جوباس ومرديخ ومعردبسة، بالتزامن مع استمرار تقدم القوات البرية في ريف حلب الجنوبي والجنوبي الغربي، تحت غطاء جوي روسي، وكثافة نارية تنفذها المدفعية السورية.
الانهيار الكبير في صفوف المسلحين لا يعتبر سابقة في الحرب السورية، حيث تكررت حالاته خلال الأعوام الأربعة الماضية، وسط اتهامات للفصائل في ما بينها بالخيانة، أو عدم المؤازرة، أو اتهام تركيا، الداعم الأكبر لهذه الفصائل، بالتخلي على المسلحين.
تصعيد سياسي تركي
اللافت في المناطق التي سيطر عليها الجيش السوري أنها كانت تعتبر واحدة من أبرز معاقل الفصائل “الجهادية”، وبينها “أجناد القوقاز” و”الحزب الإسلامي التركستاني”، بالإضافة إلى فصائل أخرى تتلقى دعماً كبيراً من تركيا، التي ارتفعت نبرتها تصريحاتها السياسية بشكل كبير خلال الساعات الماضية، حيث أعلن الرئيس التركي رجب طيب اروغان خلال حديثه إلى الصحافيين أثناء عودته من السنغال “موت مسار استانا” للسلام في سوريا بين الحكومة السورية والمعارضة برعاية روسية تركية.
الرئيس التركي وخلال حديثه اتهم روسيا بـ “عدم الالتزام بالاتفاقات”، مشيراً في الوقت ذاته إلى اتفاق “سوتشي” حول المناطق منزوعة السلاح الذي اتهم روسيا بخرقه، وقال وفق وسائل إعلام تركية إن أنقرة ستتخذ “إجراءات في إدلب من الآن فصاعداً، بسبب التصعيد الروسي في المنطقة”، دون أن يحدد طبيعة هذه الإجراءات.
إعلان اردوغان عن “موت مسار استانا” قوبل بتشكيك سوري
وعلى الرغم من حدة التصريحات التركية التي تلقفتها وسائل الإعلام السورية المعارضة، وتداولتها على نطاق واسع، شككت مصادر سورية معارضة بجدية تركيا، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن عملية الجيش السوري جاءت بعد سلسلة من اللقاءات التركية – الروسية، ولقاءات تركية سورية في موسكو. ولفتت المصادر إلى أن تركيا قدمت الدعم للفصائل المسلحة وتركتها تلاقي مصيرها، رغم الوعود السابقة بالدفاع عنها.
في السياق ذاته، اتهمت الفصائل المسلحة تنظيم “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة) بالانطواء في مدينة إدلب، وعدم تقديم يد العون للفصائل “الجهادية”، بالتزامن مع الأزمة “الاقتصادية” التي تعاني منها “حكومة الإنقاذ” التي تديرها “جبهة النصرة” في إدلب، حيث شهدت المدينة في الأسبوعين الماضيين أزمة في الوقود، والخبز، قبل أن يتم رفع أسعار الخبز وتسعيره بـ “الدولار”، ما ضاعف من الأزمة المعيشية في المدينة.
استثمار جديد
خلال الشهرين الماضيين، ضاعفت تركيا عدد جنودها على الحدود السورية قرب محافظة إدلب، في خطوة لمنع الفصائل “الجهادية” من التسرب إلى داخل الأراضي التركية.
ومع استمرار تقدم قوات الجيش السوري، وتضييق الخناق على الفصائل المسلحة، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ضمن مناطق سيطرة “الجهاديين”، يبدو أن ثمة فرصة كبيرة لتركيا لاستثمار الموقف، وجذب المزيد من الفصائل “الجهادية” إلى المشروع التركي في ليبيا.
ومع استمرار تركيا ارسال مقاتلين سوريين إلى ليبيا لمؤازرة “حكومة الوفاق” المقربة من أنقرة ضد قوات “حفتر” المدعومة من السعودية وروسيا، تبدو الفرصة سانحة لبدء نقل الفصائل “الجهادية” تباعاً إلى أرض قتال جديدة بعيدة عن الحدود مع تركيا، الأمر الذي من شأنه أن يحصن أنقرة داخلياً، ويوسّع دائرة نفوذها ضمن مناطق غنية بالنفط.
التصعيد السياسي التركي ضد روسيا في سوريا، يرتبط بشكل كبير بتضارب المصالح بين أنقرة وموسكو في ليبيا، الأمر الذي ربط بين الساحتين السورية والليبية بشكل كبير، وجعل من كل ساحة عنصر ضغط لتحقيق مكاسب على الساحة الأخرى.
التصعيد السياسي التركي يتصل بتضارب المصالح بين أنقرة وموسكو في ليبيا
ومنذ اندلاع الحرب في سوريا قبل نحو عشرة أعوام، برعت تركيا في استثمار الأزمة السورية بشتى أنواعها، فاستغلت اللاجئين السوريين للضغط على أوروبا، كما استغلتهم لخلق بيئة حاضنة للمشروع التركي في الداخل السوري، إضافة إلى استثمار المقاتلين كمرتزقة في أعمال قتالية بعيدة عن الحدود في ليبيا، وهو ذات الاستثمار الذي يبدو أن أنقرة تعمل على توسيعه مستغلة الظروف الحالية في سوريا ليشمل “الجهاديين”، الذين يمكن لهم أن يقاتلوا روسيا في بقعة جغرافية أخرى.
المصدر: موقع 180post