أنقرة تفشل في تبديل المعادلات
تلقي العملية العسكرية التي يشنّها الجيش السوري، بدعم روسي واضح، في إدلب وحلب، بظلالها على كلّ متعلّقات الملف السوري، ولا سيما تلك التي لتركيا وروسيا أدوار فاعلة فيها. وبينما تتكبّد تركيا مزيداً من الخسائر من قواتها وقوات حلفائها ومناطق نفوذها في إدلب، تسعى كلّ من روسيا والولايات المتحدة إلى الاستثمار في غضب أنقرة وتهوّرها لجني مزيد من المكاسب في شرق الفرات، وخصوصاً في ظلّ تهديدات تركية باستئناف عملية «نبع السلام» وتوسيعها. في هذا الوقت، يُنتظر إعلان خطوات» تركية جديدة بخصوص إدلب اليوم، وسط دعم وتشجيع أميركيَّين لأنقرة، وتأكيد لـ«حقها في الردّ على الهجمات السورية».
بإصرار واضح، ومع تعدّد محاور القتال وتداخلها، يتابع الجيش السوري عملياته في ريفَي إدلب وحلب. وبعد أن أمّن الطريق الدولي حلب – حماة (M5)، ابتداءً من ريف إدلب الجنوبي الشرقي، مروراً بريف حلب الجنوبي الغربي، تابع عملياته أمس في ريف حلب الغربي، ليسيطر على كامل الطريق الدولي، لأوّل مرة منذ عام 2012.
كما سيطر على ضاحية الراشدين 4، وغابة الأسد، وجمعية الصحافيين غرب مدينة حلب، بعد معارك مع الفصائل المسلحة. وهو يسعى إلى توسيع قوس الأمان حول الطريق الدولي عند مدخل حلب الغربي، عبر السيطرة على بلدة خان العسل الاستراتيجية، حيث اشتبكت قواته ليل أمس مع المسلحين على أطراف البلدة، لتتمكّن في وقت قصير من السيطرة عليها كاملة.
وفي ظلّ الانهيار المطّرد لدفاعات المسلّحين في ريفَي حلب وإدلب، وتمكّن الجيش يومياً من التمدّد نحو بلدات ومدن جديدة، تحاول أنقرة استعادة المبادرة الميدانية، عبر دعم هجمات جديدة للمسلحين، في محاولات لاستعادة بعض ما خسروه من مناطق في الهجوم الأخير. وشهد يوم أمس هجوماً جديداً للفصائل على محور بلدة النيرب الواقعة غربي مدينة سراقب شمالي الطريق الدولي حلب – اللاذقية، والتي تُعدّ أقرب البلدات التي حرّرها الجيش إلى مدينة إدلب.
الهجوم، الذي شنته الفصائل صباحاً، بدأ بقصف مدفعي تركي مكثّف على مواقع القوات الحكومية وتجمّعاتها، تَبِعه تقدم برّي لمسلحي الفصائل المختلفة، من عدة محاور، نحو البلدة. وانطلق الهجوم «من محيط النقاط التركية في سرمين، وقميناس، والمسطومة، وشارك النظام التركي في تقديم المدرّعات والتخطيط للهجمات»، بحسب التلفزيون السوري الرسمي. ما حدث عقب ذلك خَدَع قيادة عمليات المسلحين، إذ انسحبت قوات الجيش من البلدة، وتراجعت إلى خارجها، ليدخل المسلحون إليها معتقدين أنهم سيطروا عليها، وهو ما ذهبت إليه أيضاً وزارة الدفاع التركية التي قالت إنه «وفقاً لأحدث المعلومات الواردة، فإن عناصر النظام خرجت من بلدة النيرب في ريف إدلب الجنوبي الشرقي».
لكن مصدراً عسكرياً سورياً أكد، لـ«الأخبار»، أن الجيش السوري «قد انسحب في خطة معدّة مسبقاً، هدفها استيعاب الهجوم، ثمّ الانقضاض على المسلحين داخل البلدة واستعادتها». وأضاف المصدر أن «الجيش، بعد انسحابه ودخول المسلحين إلى النيرب بوقت قصير، عاد وهاجم البلدة عبر الالتفاف عليها من الجنوب والشمال، والتقدّم داخلها من الجهة الشرقية، وقد كبّد المسلحين خسائر كبيرة، ودمّر عدداً من الآليات التركية»، وبذلك استعاد السيطرة عليها، وعاد إلى مواقعه السابقة
وللمرة الرابعة على التوالي، هاجم الجيش السوري القوات التركية التي دخلت المنطقة أخيراً. وعقب الهجوم الذي شنّه المسلحون على النيرب، قصفت الطائرات السورية موقعاً تتمركز فيه القوات التركية في قرية قميناس في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، الواقعة إلى الشمال الغربي من قرية النيرب، بحسب تنسيقيات المسلحين. وعلى إثر ذلك، دخلت طائرات مروحية تركية الأجواء السورية، وتوجّهت إلى نقطة المراقبة في قرية قميناس لإجلاء الجنود الذين أُصيبوا بقصف الجيش.
وقال مسؤول تركي لوكالة «رويترز» إن «القوات الحكومية السورية أطلقت النار قرب مواقع مراقبة تركية في محافظة إدلب شمال غرب سوريا اليوم (أمس)، ما دفع القوات التركية إلى الردّ»، فيما أعلنت وزارة الدفاع التركية «مقتل 51 من أفراد الجيش السوري في إدلب، وتدمير دبابتين وموقع مضاد للطيران»، لكن مصادر عسكرية سورية أكدت لـ«الأخبار» أن البيانات التركية «تتضمّن مبالغات كبرى، تعوّدنا عليها».
وعلّق الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، من جهته، على التطورات الميدانية، بالقول «إننا رددنا بقوة على هجمات قوات الحكومة السورية، وكبّدناهم خسائر، ولكن هذا لا يكفي… وما ارتكبته قوات الجيش السوري بحقّ جنودنا يجب أن يدفعوا ثمنه غالياً جداً». وأضاف إردوغان «أننا سنعلن غداً (اليوم) عن الخطوات التي سنتخذها في شأن إدلب».
في خضمّ ذلك، بدا لافتاً أن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، عزّى «عائلات الجنود الذين قتلوا في هجوم الأمس في إدلب»، معتبراً أنه «يجب أن تتوقف الاعتداءات المستمرة من قِبَل الحكومة السورية وروسيا».
وأعلن بومبيو، في موقف متقدّم، أنه أرسل جيمس جيفري إلى أنقرة «لتنسيق الخطوات للردّ على هذا الهجوم المزعزع للاستقرار، ونحن نقف إلى جانب حلفائنا في الناتو». في المقابل، أعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديميتري بيسكوف، أن الرئيسين الروسي والتركي لا يعتزمان عقد لقاء في شأن الوضع في إدلب، مستدركاً بأنه إذا استدعت الضرورة فسيتمّ عقد هذا اللقاء. وجدّد بيسكوف التشديد على ضرورة «تنفيذ اتفاقيات سوتشي، وبالطبع أيضاً التصدّي لأيّ نشاط إرهابي يستهدف القوات المسلحة السورية والمنشآت العسكرية الروسية»، لافتاً إلى أنه «لوقت طويل، شعر الإرهابيون في إدلب ليس فقط أنهم في وضعية مريحة، بل ويشنّون الهجمات، ويقومون بنشاط عدواني ضد الجيش السوري ومنشآتنا (العسكرية)».
اقرأ المزيد في قسم الاخبار
جريدة الأخبار