بعد سيطرة البرمجيات على العالم لسنوات طويلة لقد بدأ العصر الذهبي للتصميم
يتسارع التطور التقني الذي يشهده العالم حتى أن المخاوف بدأت تنتشر لدى العديد من الناس فالتغيّر السريع والمستمر يترافق بصعوبة التأقلم ومواكبة هذه التطوّرات، والحقيقة أنّ عجلة التطوّر لا يقف في طريقها شيء وهي مستمرّة في دورانها المتسارع، مستقبل تحكمه البرمجيات وتسيطر عليه وقد وصلنا بالفعل لهذه المرحلة منذ عدّة سنوات، فالأكواد والبرمجة والمنتجات البرمجية تسيطر على كلّ شيء فهواتفنا المحمولة لا يمكننا الاستغناء عنها بأي شكل من الأشكال وتطبيقات التواصل الاجتماعي خلقت عالماً افتراضياً موازياً للواقع الحقيقي ولا يمكن الهروب من هذه الحقيقة.
وهذا ليس كل شيء بكل تأكيد فأينما نظرت حولك -أو ربما على نفسك في المرآة- ستجد منتجاً برمجياً واحداً على الأقل بالقرب منك، وهذا بالضبط ما توقعه السيد مارك أندريسن Marc Andreessen منذ عام 2011 وهو مهندس برمجيات ورائد أعمال أمريكي ساهم بتأسيس الكثير من المشاريع في وادي السيليكون إذ قال ذات مرة أن البرمجيات ستأكل العالم، وبالفعل وصلنا إلى هذه المرحلة وبسرعة مذهلة ربما أسرع بكثير مما كان يتوقع.
البرمجيات تأكل العالم والشركات البرمجية تحكم العالم، لكن على ما يبدو ووفقاً للأحداث والتطوّرات المتسارعة فإن هذا الحكم لن يدوم وسيكون حكم البرمجيات قصيراً إذ سينتقل في المستقبل القريب إلى التصميم، ربما يعتبر ذلك أمراً مثيراً للاستغراب وحتى الاستهجان، وبالفعل فإنّ الرابط العجيب الذي سيؤدي إلى انتقال الحكم من البرمجيات إلى التصميم يحتاج للتفكير بضع ثوانٍ فخُذ وقتك ونفساً عميقاً وتابع معنا لنكشف معاً هذا الرابط.
الإنترنت بين الحقيقة والخيال… ما علاقة التصميم بذلك؟
انتشار البرمجيات في عالم اليوم هائل ولا يمكن حصره ووفقاً للإحصائيات فإنّ الانترنت يصل إلى 5 مليارات شخص حول العالم ومجتمعين أسّسوا مايتجاوز 130 تريليون صفحة ويب وهذا رقم هائل جداً بالفعل، لكن ما الذي تعنيه هذه الإحصائيات؟ ببساطة هذا الرقم الهائل يعني ميداناً هائلاً للتنافس والسباق للوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من المستخدمين وكل موقع أو مشروع جديد يسعى للتميّز والنجاح عليه أن يضع في حسبانه أنّ أمامه 130 تريليون منافس في كل مجالات الحياة التي قد تخطر في البال والوصول المباشر لأيّ من هذه الصفحات متاح بكل لحظة لأيّ كان بالإضافة إلى ملايين التطبيقات والخدمات والصور والفيديوهات والمقالات وغير ذلك وجمعيها تسعى للصدارة.
فما هو السبيل للصدارة وماهي الشروط اللازم توفرها في المنتجات الجديدة لتستحق المشاركة في هذا النزال؟ الجواب قد يبدو بسيطاً وبديهياً وهو بالفعل أوّل الأمور التي تبادرت إلى ذهنك عندما قرأت السؤال السابق كبساطة التصميم وسهولة فهمه من قبل مختلف المستخدمين بالإضافة لجمال التصميم وقوّة الخدمة التي يقدّمها والحكم الأوّل والأخير هو المستخدم، لكن على الضفة الأخرى فإنّ تحقيق هذه الشروط مجتمعة ليس بالأمر السهل والبديهي بل يحتاج إلى إبداع وعبقرية وفي حين كون الإنترنت أقوى وسيلة للتوزيع والنشر، فإنّ التصميم هو أقوى وسيلة للتميّز والاختلاف.
أهمية التصميم في الاستثمار
الاقتصاد هو المحرّك الرئيسي لعجلة التطوّر ومن يسيطر على الاقتصاد يأكل العالم لكن مفتاح الاقتصاد الاستثمار، وهنا يجب أن نتحدّث قليلاً عن مصطلح ROI وهو اختصار Return On Investment أي العائد من الاستثمار وهو مقياس للأداء يستخدم لقياس فعالية وكفاءة استثمار ما أو المقارنة بين مجموعة استثمارات مختلفة.
ووفقاً لما ذكرناه منذ قليل فالاستثمار في الآونة الأخيرة توجّه بقوّه نحو مجال التصميم وهذا ليس بالأمر المستغرب أبداً وإليكم مثال بسيط عن أهمية التصميم في عصرنا الحالي، فمنذ عدّة سنوات مع بداية انتشار التكنولوجيا كان المستخدم عند عجزه عن التعامل مع آلة ما يلقي باللّوم على نفسه لجهله في هذه الأمور بينما اليوم فإنّ أي مشكلة تواجهنا في التعامل مع أي برنامج مهما كان بسيطاً كطفل لا يعرف كيف يقلب بين حلقات مسلسل ما على HBO مثلاً فإننا نلقي باللوم مباشرة على المنتج وربما نحكم عليه بأنه سيء مباشرةً، ويعتبر ذلك أمراً مريحاً بالنسبة لنا فالمشكلة ليست منا تمامًا إنا في القائمين على التطبيق أو المنتج.
وبالنظر إلى مسيرة أكثر الشركات نجاحاً فإنّها قد عدّلت سياستها في الاستثمار ووفقاً لشركة ماكينزي McKinsey للاستشارات الإدارية بين عامي 2012 و 2017، فإنّ الشركات التي أعطت أولوية أعلى للتصميم وركزت عليه زادت إيراداتها وعائداتها بما يقارب الضعف نسبةً إلى الشركات التي أهملت هذا الجانب، ومن الأمثلة حول الإجراءات التي تتخذها الشركات الكبرى والتي تدلّ فعلياً على أهمية التصميم فإنّ شركة آبل Apple الشركة التقنية الأكثر ربحاً في العالم تحتفظ بأكثر المؤسسات شهرة في مجال التصميم.
بالنسبة للصناعات الأخرى احتلّ التصميم المرتبة الأولى في التقييم ففي الشركات الموجهة مباشرة إلى المستخدمين مثل شركة Glossier وهي شركة منتجات تجميلية ركزت على التصميم بشكل ملفت للانتباه إذ قامت باستثمارات كبيرة ومهمّة في العلامات التجارية الجذابة وتجارب الشراء البسيط والمباشر والمنتجات ذات التصاميم البارعة والغريبة وهذه الإجراءات أدّت إلى إزاحة شركات أخرى كبيرة استمرت سيطرتها عقوداً في هذا المجال.
الأمثلة السابقة وغيرها الكثير ماثلة أمامنا تثبت ظاهرة مهمّة لا يمكن إنكارها ولا تصنيفها ضمن إطار التفاؤل والتشجيع فقط بل حقيقة مثبتة وهي أنّ الشركات الناشئة على الرغم من ضراوة المعركة، إلّا أن فرصها للنهوض والنجاح ومنافسة الشركات الكبرى الحالية ليست ضئيلة أبداً وعليها تصميم طريقها التنافسي بذكاء وإبداع واستثمار قوّة التصميم في السيطرة على الأسواق.
ومن أهمّ ما يميّز استثمار التصميم ويجعله في متناول الجميع دون استثناء أنه ليس بالاستثمار المكلف مادياً أو بنيوياً ففي كثير من الأحيان لا يتطلب سوى الموهبة فقط وعليها يقع الرهان.
كيف تستثمر التصميم في نجاح أعمالك؟
التصميم يتطلّب الإبداع والإبداع لا يمكن أن يأتي بسهولة وأهمّ ما يتصف به المصمّم المبدع هو النقد الذاتي إذا صحّ التعبير فكلما شعر أنّ تصميمه غير مناسب وشعر بقليل من الإحباط سيسعى جاهداً لتحسينه وتطويره وهذا يفتح أفاقاً وأبواباً للإبداع والتطوّر، وفي النهاية نحصل على تصميم رائع لا يصدّق، ومن ناحبة أخرى فأي مصمم أو شركة عليها أخذ عينات كثيرة ومختلفة من الآراء خصوصاً ذوي النظرة الفنية الجمالية ممن يميّزون التفاصيل والفروق الدقيقة وفقاً للمقاييس والمعايير الجمالية المناسبة.
الجانب الحسّي المتعلّق بالتصميم الذي وصفناه غالباً ما بغيب عن أذهان كثير من الشركات الناشئة فهم يركّزون على التصميم الجمالي من النواحي العملية والعلمية ويتجاهلون المعايير الحسّية وفي بعض الأحيان تسبب نفور العملاء وربما خسارات كبيرة لذا لا تنسى تبادل الآراء أبداً.
من ناحية أخرى هذه المقاييس الحسّية يجب أن تضبط بعملية مستمرّة ودائمة من فهم عميق ودقيق لتجربة المستخدم وأحد الأمثلة عن أهمية تجربة المستخدم أن شركة MasterClass وهي شركة مهمتة بتعليم الفنون على اختلافها، وجدت أنّ المتابعين يعتقدون أن دوراتها باهظة الثمن ومكلفة فقامت بتعديل صفحات تسويق الدورات التدريبية بالكامل وخفّضت من نسبة المحتوى المكتوب وركزت على التصوير الفوتوغرافي والصور، والنتيجة كانت أنّ الطلاب ذاتهم تغيّرت مواقفهم بشكل مفاجئ إذ أصبحوا يعتقدون أن هذه الدورات بهذا الثمن فرصة لا تعوّض كأنها صفقة مع أن السعر لم يتغير!
الرابح الأخير والأكيد هو المستخدم
في النهاية من الواضح أنّ المستقبل للتصميم ومن الخطر على الشركات عدم قدرتها على مواكبة التطوّر في هذا المجال، ولكن في جميع الأحوال فإنّ المستخدم لن يخسر أبداً بل سيكسب المزيد من المنتجات بتصاميم ممتازة وسهلة وجميلة في نفس الوقت وعلى الشركات أن تسعى لكسب القبول الجماهيري لمنتجاتها لتحافظ على بقائها.