كمال خلف: احفظوا هذا المقال في أرشيفكم
كمال خلف
وصلت إلى إيران قبل أيام بعد أربع سنوات عن آخر زيارة لها وكانت وقتها لحضور مؤتمر لدعم فلسطين في العاصمة طهران ، والحقيقة أنني تفاجأت بحجم المتغيرات التي طرأت على العاصمة من الناحية العمرانية و تطور البنية التحتية ، وبدت طهران لي دون أدنى مبالغة واحدة من أكثر العواصم في العالم جمالا وتطورا . ولا يقتصر التغيير على الحجر بل ينسحب على البشر كذلك . حجم الانفتاح في المجتمع الإيراني أكاد اقول انه غير مسبوق عن كل السنوات السابقة . وقد استمتعت بالسهر في مقاهي طهران المزدحمة حتى ساعات الفجر الأولى ، بينما في السنوات الماضية كانت تقفر المدينة باكرا .
حجم الخدمات ونوعيتها المقدم من الدولة للمواطنيين تضاعف . حتى يصعد بشكل مكرر إلى ذهنك سؤال ” آين هو الحصار ” . بالمقابل تفاجأت بحجم تدني قيمة العملة الوطنية ” التومان” أمام الدولار . وارتفاع أسعار السلع الكمالية ، بينما هناك مازال فرق شاسع بين أسعار المواد الأساسية في إيران قياسا بمثيلاتها بالدول العربية . وعلى سبيل المثال يعتبر الدواء من أرخص المواد الأساسية في إيران وتكاد تكون أسعاره رمزية ، بالإضافة إلى الماء والكهرباء .
أما عن الملفات الساخنة والتي تقع إيران في صلبها على امتداد المنطقة ، فإن المستوى السياسي والعسكري في إيران ، يؤكد على أمر واحد وهو أن إيران قوية ومستعدة وجاهزة لمواجهة التحديات التي تواجهها . وإذا أردنا أن نفصل أكثر وحسب ما سمعناه وفهمناه ونحن على الأرض الايرانية . فإن قادة إيران يعتبرون أن الخطط التي يعلن عنها قادة تل أبيب لمواجهتهم ،ليست إلا في إطار حرب نفسية وكلامية ، وأن إسرائيل لم تعد بالمقياس العسكري والاستراتيجي ندا لهم . بل هي في وضع حرج وستكون بوضع أصعب في المرحلة المقبلة .
زادت إيران من دعمها لفصائل المقاومة العراقية ، وفي حديث مع أحد قادة تلك الفصائل أكد أن الخطط العسكرية والإمكانات باتت مؤمنة ، وان معركة إخراج القوات الأمريكية من العراق تنتظر ساعة الصفر خلال الأشهر القليلة المقبلة . وحسب قول هذا القيادي فإننا سوف نشهد نوعا جديدا متطورا جدا لاشكال وأساليب المقاومة .
أما في سورية ، فايران تعلل سبب عدم الرد على الغارات الإسرائيلية التي تستهدف قواعدها هناك في عمق الكيان الاسرائيلي بالتأكيد على عدة أمور هامة . أولها أن الجيش السوري يدافع مباشرة ويسقط هذه الصواريخ قبل وصولها إلى أهدافها . وإن مسار الاستراتيجية العسكرية المشتركة بين دمشق وطهران لا يتأثر بهذه الضربات العمياء كما يصفونها . بل إن عملية بناء قدرات عسكرية سورية رادعة لإسرائيل مستقبلا بل كاسرة لقواعد الاشتباك السابقة حتى قبل الحرب على سورية ، تجري بشكل حثيث ودقيق ، وتدرك إسرائيل حجم هذا المشروع لذلك لا تملك لتعطيله سوى بضع غارات ، وهي حتى الآن لم تنجح في ذلك . وعلى المدى البعيد ستدرك إسرائيل حجم خسارتها .
أما عن إيران ذاتها فإن الحديث يدور عن تطور كمي ونوعي في قدرات إيران العسكرية والصاروخية على وجه التحديد . وعن اطمئنان عال المستوى من أن أحدا لن يجرؤ على مهاجمة إيران في المستقبل القريب جدا .
تراقب إيران التحالف الذي يتشكل بين بعض الأنظمة العربية وإسرائيل ، ويرى فيه الإيرانيون خسارة كبيرة للطرف العربي ، هم لا يعتبرون أن ثمة عداء بين العالم العربي وإيران ، لأن الدول التي تقع في قلب العالم العربي مثل ” سورية والعراق و الجزائر ” تربطها بها علاقات ممتازة ، بالإضافة إلى علاقات جيدة مع سلطنة عمان وقطر ولبنان . وحالة لا عداء ولا صداقة مع مصر . لذلك يؤكدون أن حجم الدعاية حول العلاقات العربية الإيرانية كبير وغير واقعي . وتفند بعض النخبة الايرانية مقولات رائجة وشائعة في البلدان العربية بسبب الدعاية الموجه ضدهم من وسائل إعلام خليجية حسب قولهم . مثل تهمة التشييع في المجتمعات العربية ، يعتبرون المسألة تشابه ما تم استخدامه بعد الثورة الايرانية من وجود صراع “عربي فارسي” على وقع الحرب الايرانية العراقية بعد انتصار الثورة الايرانية . يصرون على أن هذه التهم تستخدم في الصراع السياسي بين الجمهورية الاسلامية والولايات المتحدة الأمريكية وليس لها جذر تاريخي أو مذهبي . ولا ترى النخبة الايرانية أن هذه المقولات أو الاتهامات هي حواجز تاريخية تقف حائلا أمام حوار وتعاون عربي ايراني لابد منه ، وإذا كانت ظروف وقوع دول عربية تحت السيطرة الأمريكية تجعل من هذه الأنظمة تحدد خياراتها بمواجهة إيران ومد يد التعاون لإسرائيل ، فإن هذا حسب وجهة النظر الايرانية خطأ استراتيجي ، ستجد هذه الأنظمة في نهاية المطاف أنها أمام حقائق التاريخ والجغرافيا ، وأنها لابد أن تدرك أن الفضاء الإيراني الإسلامي هو الوجهة الصحيحة للحوار والتفاهم .
وعندما اثرنا مع بعض النخبة الايرانية التصريحات الصادرة من إيران حول سيطرتها على أربع عواصم عربية ، قال الإيرانيون أن هذا ليس موقف الدولة . وإن ثمة فهم خاطيء حتى لفحوى هذا التصريح الغير رسمي ومن شخصية لا تشغل أي موقع في إيران . ويوضح أن المقصود هو أن محور المقاومة أصبح متواجدا في أربع عواصم عربية وليس إيران . ويستغرب الإيرانيون كيف يتم التركيز على هكذا تصريح هامشي ، بينما هناك عشرات المواقف لمرشد الجمهورية الاسلامية تدعو إلى الإخوة والحوار مع العرب ، وهناك عدد من المبادرات قدمها رئيس الجمهورية حسن روحاني لفتح حوار مع السعودية قوبلت بالرفض .
وبعيدا عن وجهة النظر الايرانية التي نقلناها هنا ، فإن ثمة عدم فهم واضح من قبل كثير من النخبة السياسية العربية لحقيقة الموقف الإيراني ، وماذا تريد إيران من الفضاء العربي وكيف تنظر له ولقضاياه ، ولماذا تدخلت هنا أو دعمت هناك . ندرك تماما أن هناك ” فيتو” أمريكي كبير على أي نوايا عربية لحوار مع إيران ، لأن الإدارة الأمريكية تدفع هذه الأنظمة لفتح علاقات مع إسرائيل وتحويل العداء نحو إيران . وهو عين الكارثة . كيف نعادي الأمة الايرانية المسلمة العظيمة ? ، والمسألة هنا لا تتعلق بنظام الجمهورية الاسلامية . إنما بأمة كبيرة وجاره تتشارك معنا التاريخ والحضارة والجغرافية ، بالمقابل نرتمي بإحضان عدو اغتصب الأرض والمقدسات ويحتل أرضا عربية وارتكب المجازر بحق الشعوب العربية ، وليت الأمور تنتهي عند هذا الحد بل الأخطر هو أن إسرائيل التي تطالب بيهودية الدولة سوف لن تقف عند حدود فلسطين والجولان وأجزاء من جنوب لبنان ، إنما خطرها سوف يمتد إلى باقي الأرض والدول العربية وسندخل جميعا إلى العصر الصهيوني . وقت ذاك سوف تدرك الأقلام العربية المبشرة بعلاقة مع إسرائيل أي منقلب سوف ينقلبون. احفظوا هذا المقال في أرشيفكم للسنوات المقبلة .
رأي اليوم