صفقة القرن وعلاقتها بشرق الفرات
عبير بسّام
رغم الإعلانات النارية المتعددة للرئيس الأميركي دونالد ترامب بالخروج من سوريا، عاد الجيش الأميركي للتمركز في شرق الفرات وفي قاعدة التنف عند التقاء الحدود الأردنية – السورية – العراقية. وأما اختيار هاتين النقطتين فليس اعتباطياً وهو يعبر تماماً عما يدور في خلد الإدارة الأميركية لناحية الأهمية الاستراتيجية لهاتين النقطتين في تنفيذ المشاريع القديمة – الحديثة في المنطقة: ابتداءً بالشرق الأوسط الجديد ونشر الفوضى الخلاقة، وانتهاءً بصفقة القرن وإعلان الدولة اليهودية الآمنة في فلسطين.
تقع قاعدة التنف بالقرب من حدود الأردن، الذي تربطه علاقات هامة بالأميركي، ويوجد فيها، بحسب ما نشره موقع المدينة، قاعدتان أميركيتان، إحداهما بالقرب من الحدود الجنوبية لسوريا، وفي مدينة الزرقاء بالتحديد، وهي تتضمن قاعدة الملك فيصل بن عبد العزيز الجوية، والثانية في شمال شرق الأردن. وقد كشف موقع “روسيا اليوم” عن وجود مدرجات للطائرات على بعد كيلومترات قليلة عند مثلث الحدود الأردنية – السورية – العراقية، أي على مقربة من القاعدة. وسبب اختيار موقع التنف يتعلق أولاً بضمان وصول الإمدادات اللوجستية والعسكرية من الأردن، وثانياً، بأنها نقطة متقدمة لرصد أية أسلحة أو معدات يمكن أن تعبر الصحراء العراقية – السورية. وبقاء القاعدة، مرتبط “افتراضياً” بدورها الهام في حماية وتكريس أمن الكيان العبري، لناحية منع تمرير السلاح إلى المقاومة والفصائل الفلسطينية المقاومة في الداخل الفلسطيني.
وأما النقطة الأميركية الثانية في شرق الفرات، والتي زعزعت الموازين، وأعاقت عملية تحرير شرق الفرات الكامل في العام 2018، فهي تتلازم مع تنفيذ خطة الشرق الأوسط الجديد، والتي تتضمن بحسب المعطيات والخرائط بناء دولة كردية تمتد من العراق عبر سوريا وقد تصل إلى البحر المتوسط. وفي الحقيقة أن هناك شيئا هامًا تحدث عنه الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه بعد انتصار حلب، عندما قال إن تحرير حلب: “لا يعني نهاية الحرب ولا سقوط المخططات ولا زوال الإرهاب ولا يعني استسلام الأعداء”. اذ يجب التنبه إلى أن مخطط الهيمنة الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية لم يتغير، ومن أساسياته تنفيذ مخطط برنارد لويس في الشرق الأوسط الجديد، الذي أقره الكونجرس في العام 1983.
بعد الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003، تمكن أكراد العراق من إنشاء فيدرالية شبه مستقلة فيه. شهدت هذه الفيدرالية مشاريع واستثمارات لكبرى الشركات العالمية. وبدا وكأنّ العالم يتحضر لقيام دولة كردية في شمال العراق والتي يؤمل امتدادها لتصل إلى شمال سوريا. واستمر السعي لتحقيق هذا الهدف خلال الأعوام التسعة الماضية من الحرب على سوريا وعلى الشرق العربي. والهدف الثاني، الذي عمل الأميركيون على تحقيقه خلال احتلال العراق هو تكريس “الفوضى الخلاقة”، من خلال حل الجيش والأمن العراقيين، وإدخال المجموعات الإرهابية من تنظيم القاعدة وما تفرع عنها إليه. كما ظهرت نتائج هذه الخطط لاحقاً في سوريا من خلال دخول داعش ومهاجمة الأكراد، وتنامي الشعور الديني والطائفي والإثني تحضيراً لتقسيم المنطقة ونشوء المجموعات الكردية المسلحة من قوات قسد والأسايش الكردية للدفاع عن أمنهم.
ومن ثم تتالت الدعوات إلى انفصال كردي في شمال سوريا في مقابل تلك في العراق، والتي يؤمل أن تغدو امتداداً للدولة الكردية في المرحلة القادمة.
اذاً محاولة مسعود برزاني الانفصال عن الحكومة المركزية في العراق في العام 2017، لم تكن عبثية، والتأييد الإسرائيلي لها لم يأت من فراغ، فالعلاقة ما بين “اسرائيل” ومصطفى برازاني قديمة جداً ومستمرة مع الإبن. تؤكد ما سبق مواقع الكترونية مختلفة منها المسلة والقبس، واللذان نشرا صوراً لكل من مصطفى البرزاني مع موشي ديان، وعدد من كبار مسؤولي الموساد. كما جاء في القبس أن برازاني الأب نحر الخراف بحضور استشاريي الموساد احتفالاً باحتلال القدس في العام 1967، وأن دافيد كمحي أحد كبار ضباط الموساد زار مصطفى برزاني في محافظة الدهوك، والتي أقيم فيها في العام 2008 قاعدة للموساد كان يفترض بقاؤها سرّية. كما أرسلت حينها عناصر من البشمركة والأسايش للتدرّب في فلسطين المحتلة على تهريب وبيع البترول المستخرج من حقول شمال العراق. وبحسب الفيننشال تايمز فإن 75% من واردات النفط إلى الكيان تصل عبر إقليم كردستان العراق. كما كشفت النيوزويك نقلاً عن الإعلام التركي أن هناك اتفاقًا كرديًا – اسرائيليًا مع مسعود البرازاني، رئيس إقليم كردستان في العراق حتى العام 2017، لجلب مئتي ألف يهودي كردي لتوطينهم في كردستان العراق. وبحسب موقع الجزيرة فإن عوزي ديان، رئيس مجلس الأمن القومي وقائد شعبة الاستخبارات العسكرية السابق في الكيان العبري، تحدث عن أهمية دور الدولة الكردية المستقبلي في محاصرة أنقرة وطهران.
يحذر مقال في مدونة sleepercellsblog تحت عنوان “الأكراد الصهاينة محتلون وليسوا عراقيين”، من الأكراد وخاصة ممن لهم علاقة بمصطفى البرزاني، وينشر أيضاً صوراً لقادة التنظيم مع مسؤولين في الموساد، ويصفهم بأنهم محتلون لبيوت وأراضي الآشوريين والسريان. وبحسب الموقع فإن الأكراد الذين يطالبون بمدينة كركوك، الغنية بالنفط، جاؤوا إليها في العام 1937 كعمال في شركة النفط العراق لمدّ الأنابيب.
في العام 2007، كان هناك تحرك كردي في سوريا، أثار وقتها القلاقل، وتدخل الجيش السوري من أجل المحافظة على الأمن ليس في القامشلي فقط، بل في دمشق أيضاً، بحسب أحد الأشخاص الذين كانوا في أرض المعركة آنذاك. ويومها تمت مطالبة الدولة السورية ليس فقط بتجنيس أكراد لم يشملهم الإحصاء السكاني في العام 1926، بل كان المطلوب تجنيس لاجئين أكراد من العراق وتركيا.
ما حدث حينذاك، إذا كنا نؤمن أن التاريخ لا ينفصل، لا يختلف عما حدث بالأمس القريب لجهة المطالبة بإدارة كردية ذاتية في الشمال السوري، في وقت ضعفت فيه الإدارة المركزية السورية في المنطقة بعد دخول داعش والأميركيين في العام 2014. والفوضى الخلاقة التي سادت المنطقة لا يمكن وضعها إلا في خانة إعادة تشكيل الشرق الأوسط، ومنها ما تتضمنه خارطة طريق الطموح الأميركي والإسرائيلي نحو إنشاء دولة كردية حليفة لإسرائيل، ليس في مناطق الكرد المعروفة تاريخياً وإنما في العراق وسوريا، حيث منابع النفط والغاز. وبالتالي لا يمكننا أن نفصل يوماً بين ما يحدث في فلسطين وما يحدث في شمال شرق سوريا من خطط أعدت للمنطقة من العام 1983 وحتى اليوم، ومن يريد إيقاف صفقة القرن ووقف التقسيم، عليه أن يخرج الأميركي من سوريا والعراق إلى الأبد.
العهد