الروس حسموا أمرهم في ادلب.. هل يرضخ الاتراك؟
شارل ابي نادر
كان واضحًا من مسار المباحثات الروسية – التركية المزدوجة، بدايةً خلال اجتماعين حصلا في أنقرة في الأسبوع الماضي، ومؤخرًا في موسكو خلال بداية الأسبوع الحالي، أن الموقف الروسي واضح وثابت في دعم عملية الجيش العربي السوري الواسعة في الشمال السوري، وترجمة هذا الموقف عمليًا على الأرض أيضًا كانت واضحة، وبشكل لا يحتمل اللبس: لا انسحاب للجيش العربي السوري الى خطوط ما قبل تحرير معرة النعمان وسراقب، أو الى ما قبل تحرير أغلب ريفي حلب الغربي وادلب الجنوبي الشرقي، ولا تنازل عن بند سوتشي بتسليمه (للجيش العربي السوري) طريقي حلب دمشق (ام 5) وحلب اللاذقية (ام 4)، والنقطة الأهم والتي تحضن الكثير من النقاط هي: الوحدات الروسية ماضية حتى النهاية في دعم الجيش العربي السوري في معركته ضد الارهاب.
حتى ما قبل الأمس، كانت هذه النقاط المذكورة تمثل النقاط الرئيسة للموقف العملاني الروسي، لتأتي بالأمس المحاولة الفاشلة للارهابيين المدعومين من الأتراك، لاستعادة السيطرة على بلدة النيرب شمال غرب سراقب، لتضيف نقطة أخرى الى الموقف الروسي، تمثلت بدعم الجيش العربي السوري ضد الاتراك في أية محاولة لاستهدافه، وتم تأكيد هذه النقطة الرابعة الحساسة عبر استهداف واضح ومقصود ومُرَكَّز لآليات مدرعة تركية كانت تساند مباشرة الهجوم على النيرب، بواسطة قاذفات سوخوي 24 تابعة للوحدات الجوية الروسية، ولتسقط عدة اصابات في صفوف الجنود الاتراك بين قتيل وجريح.
هذا التطور الدراماتيكي في مسار العمليات البرية للجيش العربي السوري مؤخرا، والمغطى بعمليات دعم ومساندة جوية روسية فاعلة ومركزة، والذي نتج عنه تطور ميداني لافت في سيطرة هذا الجيش على القسم الأكثر استراتيجية من الشمال السوري وانتزاعه عنوة من الارهابيين ومن داعميهم الاتراك، قابله حتى الآن ضياع تركي وتوتر غير مسبوق، انعكس انكارًا للواقع الذي لم يستوعبه الرئيس التركي حتى الآن، فهو (اردوغان) ما زال يدور في دوامة التهديد العالي النبرة للجيش العربي السوري بوجوب انسحابه من المناطق التي حررها، ويحدد له مدة زمنية (ما زال يقول انها قاربت على الانتهاء).
بالمقابل، يكمل الجيش العربي السوري استعداداته لمتابعة العملية العسكرية “غير آبه بالفقاعات الآتية من الشمال” ( كما أشار الرئيس الاسد مؤخرًا)، وحيث يبدو من مسار الدعم الجوي المركز الروسي والسوري، أن هدفه اللاحق ينقسم الى قسمين، الاول اكمال تحرير ريف حلب الغربي حتى الأتارب ودارة عزة وصولًا الى الدانا وسرمدا، والثاني تحرير الطريق الدولي ام 4 (حلب اللاذقية) انطلاقا من النيرب فاريحا – جسر الشغور، أو من أرياف اللاذقية – جسر الشغور، من غير المستبعد الانطلاق من المحورين مع اضافة محور ثالث بنفس الوقت، انطلاقاً من ريف ادلب الجنوبي في كفرنبل باتجاه جسر الشغور عبر سهل الغاب.
إزاء هذا الضياع والانكار التركي غير الواقعي، لم يعد من امكانية لانقرة الا ان تستوعب ما جرى حتى الان، فبعد أن تموضعت شرق الفرات في اطار تفاهم قسري مع الروس، حيث اكتفت بشريط حدودي، بعيد جدًا عما كانت تحلم به، وبعد أن تفتحت عليها العيون الدولية وخاصة الروسية والاوروبية في الملف الليبي، وذلك بعد استهداف وإحراق باخرة تركية في مرفا طرابلس الليبي، كانت تنقل اسلحة للمسلحين الذين سحبتهم من الشمال السوري ونقلتهم جوا الى طرابلس، يبدو ان هناك آلية شبه دولية (طابعها اوروبي)، تهدف لحظر دخول الأسلحة والمقاتلين الى ليبيا، هي على الطريق لتكتمل وتبدأ عملها.
من جهة أخرى، ومع هذا التغيير الميداني في الشمال السوري، الذي تحقق حتى الآن، أو المرتقب في القادم من الأيام، والذي تؤكده القدرات العسكرية للجيش العربي السوري ولحلفائه، والموقف الروسي الحاسم في دعم هذا التغيير الميداني المرتقب، تكون أنقرة قد خسرت أو على الطريق لخسارة جميع أوراقها السورية ايضا .
من هنا، لم يعد أمام الاتراك الا العودة للتفاهم مع الروس والايرانيين، ويبدو أنهم قد فهموا ذلك من خلال، اولا: نفي المتحدثة باسم وزارة الدفاع التركية، شيبنم أكتوب، ما تناقلته تقارير إعلامية بشأن طلب تركيا منظومة باتريوت من الولايات المتحدة، من أجل التصدي لهجمات سورية في المستقبل حيث قالت المتحدثة لوكالة “سبوتنيك”: “هذا خبر غير صحيح” ، وذلك في رسالة تلطيف وتهدئة للروس. وثانيا: من خلال قول وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في مقابلة مع شبكة “تي آر تي” التركية، ” إن هناك تقاربا مع روسيا في المحادثات حول الوضع في سوريا، وصحيح انه ليس على المستوى المطلوب، ولكن سيتم تكثيف هذه المحادثات قريبا بشأن إدلب”، وايضا في رسالة تودد واستدراج للتفاهم من جديد.
العهد