عبد الباري عطوان: انتهت المُهلة “الأردوغانيّة”.. هل ستندلع الحرب؟
عبد الباري عطوان
الحرب في إدلب تسيرُ من سيّءٍ إلى أسوأ، ومن مرحلةٍ خطيرةٍ إلى أُخرى أكثر خطورةً، فالمُهلة التي أعلنها الرئيس رجب طيّب أردوغان للانسِحاب إلى ما بعد نُقاط المُراقبة التركيّة في ريف إدلب انتهت فجر اليوم، ودون أن يُعيرها الجيش العربي السوري أيّ اهتمام، وينسحب بالتّالي مترًا واحدًا من المناطق التي سيطر عليها وتبلغ مساحتها 600 كيلو متر مربّع وتَضُم أربع مُدن وعشَرات القُرى والبلدات، فكيف يُطالب الرئيس التركيّ الجيش العربي السوري من الانسِحاب من أراضٍ سوريّة، وبأيّ حقّ، ووفق أيّ قانون؟
التطوّر الأبرز في المشهد السوريّ حاليًّا إسقاط الجيش التركي طائرتين سوريتين من طِراز “إس 24″، كردٍّ على إسقاط الدفاعات الجويّة السوريّة ثلاث طائرات تركيّة مُسيّرة، ومقتل عشرات الجُنود الأتراك، ودُخول قوّات “حزب الله” إلى ميادين المعارك في إدلب، يُعيد التّذكير بدورها الحاسم في ترجيح الكفّة لصالح الجيش السوري في مِنطقة القصير، وإخراج الجماعات الإسلاميّة المتشدّدة المُتمترسة في أنفاقها، وعلى رأسِها جبهة “النصرة” المُصنّفة إرهابيًّا.
الرئيس أردوغان أعلن اليوم الأحد عن إطلاق عمليّة “درع الربيع” وحشد أكثر من 15 ألف جندي، وحواليّ 3500 عربة مدرّعة، وزوّد حُلفاءه في المُعارضة السوريّة المسلّحة وفصائلها، وخاصّةً جبهة “النصرة” بصواريخ مُضادّة للطّائرات تمثّل النّسخة التركيّة من صواريخ “ستنجر” الأمريكيّة المحمولةِ على الكتف، وهذه الصّواريخ لا تُهدِّد الطائرات السوريّة فقط، وإنّما الروسيّة أيضًا، ولهذا تعتبرها موسكو خرقًا لكُل الخُطوط الحُمر.
الرئيس أردوغان لا يُريد الدّخول في مُواجهةٍ مع الروس على الأرض السوريّة، لأنّه يُدرك جدّيًّا أنّه لن يفوز فيها حتى لو اضطرّ الأمر روسيا لاستِخدام قنابل نوويّة تكتيكيّة، مِثلما حذّر أحد الخُبراء الروس أمس، لأنّ روسيا بعيدة عن مسرح العمليّات ولا تستطيع حشد الآلاف من الجُنود والعربات المدرّعة، ولكنّها قادرةٌ على إرسال مِئات الطّائرات الحديثة إلى قاعدة حميميم الجويّة قُرب اللاذقيّة وسُفن حربيّة، لتَعويض نُقطة الضّعف العسكريّة هذه.
الرئيس أردوغان قال إنّه طالب الرئيس بوتين بالوقوف بعيدًا ويترك القوّات التركيّة تتقدّم، أيّ أن لا يقف في خندق السوريين في هذه المُواجهة، وأن يكون مُحايدًا، ولكنّه لم يقل مُطلقًا ماذا كان ردّ الرئيس الروسيّ على هذا الطّلب، والمُؤكّد أنّه “الرّفض المُطلَق” لأنّه لو فعل ذلك فإنّه سيخسر خمس سنوات من الجُهد والقِتال والخسائر في صُفوف جِنرالاته ومَعدّاته وما حقّقه من تغييرِ المُعادلات على الأرض السوريّة لصالحه، بل وخسارة هيبة روسيا في مِنطقة الشرق الأوسط ومكاسبها السياسيّة والاستراتيجيّة فيها، التي استعادها بصُعوبةٍ وثمنٍ باهظ عبر البوّابة السوريّة، خاصّةً بات من الصّعب الفصل بين القوّات التركيّة وعناصر فصائل المُعارضة السوريّة المسلّحة، معتدلةً كانت أو مُصنّفةً إرهابيًّا في إدلب.
فقد بات الطّرفان في خندقٍ واحدٍ في مُواجهة الرّوس والسّوريين، ولعلّ مقتل 34 جُنديًّا تُركيًّا في غارةٍ استهدفت أحد المواقع في ريف إدلب كانت رسالةَ تحذيرٍ روسيّة أوّليّة إلى أردوغان احتِجاجًا على الخرق الواضح لتفاهُمات سوتشي وأستانة، وإعلان الحرب على إدلب.
اللّافت أنّ الرئيس أردوغان لم يُوجِّه أيّ لوم أو اتّهام لمقتل العشرات من قوّاته إلى الروس، وإنّما إلى الجانب السوري، رغم اعتراف القيادة الروسيّة أنّها كانت خلف الغارة القاتلة، لعلّه لا يُريد استفزازهم، ويأمَل بالتوصّل إلى تفاهمٍ معَهم للخُروج من هذه المِصيَدة، ولن يكون الخُروج إذا تمّ بشُروطه، وإنّما بشُروط الرّوس الذين تظل يدهم الأعلى في سورية سِياسيًّا وعَسكريًّا.
أن يطلب الرئيس أردوغان صواريخ “باتريوت” من أمريكا لحِماية قوّاته في إدلب فهذا يعني أنّه لا يستطيع استخدام صواريخ “إس 400” ضِد الطّائرات الروسيّة في حال توسّع دائرة المعارك، وإذا كانت حركة “أنصار الله” الحوثيّة وحُلفاؤها دمّرت أسطورة الباتريوت بشكلٍ مُهين، فهل يكون الأمر صعبًا على حُلفائها السوريين و”حزب الله”، ناهِيك عن الرّوس؟
الرئيس أردوغان في غزوه لسورية من بوّابة إدلب، وشنّه عمليّة “درع الربيع” الشّاملة يُحاول مُحاكاة الغزو الأمريكيّ للعِراق، وخاصّةً بعد أن عاد (أردوغان) إلى تهديداته بإطاحة الرئيس الأسد ونظامه، ولكنّه ينسى أن الجيش العربي السوري أقوى بكثير من نظيره العِراقي، ويحظى بالوقت نفسه بدعمِ قوّةٍ عُظمى اسمها روسيا، واستطاع استعادة 80 بالمِئة من الأراضي السوريّة وصمَد تسع سنوات، وفوق هذا وذاك لم يصمد الجيش الأمريكيّ في العِراق إلا بِضعَة سنوات، تكبّد خِلالها 3500 قتيل و30 ألف جريح، وستّة تريليونات دولار من الخسائر الماديّة.
إرسال روسيا لفرقاطتين تَحمِلان صواريخ كروز رسالة ثانية إلى الرئيس أردوغان، ورفض حلف النّاتو التّجاوب مع نِداءاته بالمُساعدة رسالة ثالثة، وحرق ورقة تدفّق المُهاجرين بعد اتّخاذ الإجراءات الاحتياطيّة الأوروبيّة اللّازمة لإغلاق الحُدود، رسالة رابعة، ويعلم الله ماذا ستكون الرّسائل الخامِسة والسّادِسة والسّابِعة إذا ما امتدّ أجلُ هذهِ الحرب.
وصول قوّات “حزب الله” إلى سراقب، وربّما كتائب “الحشد الشعبي” العِراقي، و”خُبراء” من إيران لاحقًا، سينقل هذه الحرب من حربٍ محدودةٍ إلى حربٍ “إقليميّةٍ” و”حزب الله”، حسب جميع التّجارب السّابقة لم يدخل حربًا إلا وانتصر فيها، سواءً كانت ضِد المُعارضة المسلّحة المدعومة تُركيًّا وأمريكيًّا في سورية، أو ضِد القوّات الإسرائيليّة، ومن المُستَبعد أن تكون معركة إدلب استثناءً.
الرئيس الإيراني حسن روحاني طرح مُبادرةً بنّاءةً للخُروج من أزمة إدلب هذه عندما دعا إلى عقد قمّة ثلاثيّة إيرانيّة سوريّة تركيّة في طِهران أو موسكو، لبحث جميع القضايا الخلافيّة والوصول إلى حُلولٍ دائمةٍ تُنهي المُواجهات العسكريّة، ولكنّ الرئيس أردوغان لم يرد عليها حتّى الآن، وربّما ينتظر ما يُمكن أن يُسفِر عنه لقاؤه مع الرئيس الروسيّ أواخِر هذا الأسبوع.
يُخطِئ الرئيس أردوغان إذا اعتقد أنّه يستطيع أن يُحقِّق في إدلب ما فَشِل في تحقيقه طِوال السّنوات التّسع الماضية، عندما كانت قوّات المُعارضة المسلّحة على أبواب دِمشق، وكان مدعومًا من 65 دولة ومِئات المَليارات من الدولارات الأمريكيّة والخليجيّة والاسلحة الأوروبيّة.
بوتين لن يتخلّى عن مكاسِبه الاستراتيجيّة في سورية، والدولة السوريّة لن تسقط، ولا نُبالغ إذا قُلنا أن وضع الرئيس الأسد الدّاخلي والإقليمي حاليًّا ربّما يكون أقوى من وضع نظيره التركيّ المعزول والمُحاط بالأعداء من كُل الجهات، ويُواجِه وضعًا داخليًّا مُتفجِّرًا، وربّما يزداد تفجيرًا إذا تواصل وصول جثامين الجُنود الأتراك من سورية وليبيا معًا، مِثلما يتوقّع كثيرون في المرحلة المُقبلة فالفَرق شاسعٌ بين مَن يُدافع عن أرضِه وكرامته ووحدته الترابيّة، وبين من يغزو بِلاد الآخَرين.. والتّاريخ حافِلٌ بالأمثلة.. واللُه أعلم.
إقرأ أيضا: جمعهما العداء لتركيا.. سوريا وليبيا توقعان مذكرة تفاهم لإعادة افتتاح السفارتين