إنزال أميركي على معبر باب الهوى .. ما الرسالة لـ “جبهة النصرة”؟
عبد الله سليمان علي
حطّ وفدٌ أميركي رفيع المستوى في معبر باب الهوى الحدوديّ بين سوريا وتركيا في خطوة لم تتكرر منذ عام 2011. توقيت الزيارة لم يخلُ من دلالات ورسائل موجهة بمعظمها إلى اللاعبين الرئيسيين – موسكو وطهران ودمشق وأنقرة، غير أن بعض هذه الدلالات والرسائل قد يتسرّب إلى أقنية “جبهة النصرة” المصنّفة على قائمة الارهاب العالميّة والتي يُعتبر معبر باب الهوى بمثابة العمق الاقتصادي وشريان الحياة لإمارتها الاسلامية.
في خطوةٍ نادرة تعكس توجهات أميركية جديدة على أكثر من صعيد، زار وفد أميركي رفيع المستوى يضمّ كلاً من المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري والمندوبة الأميركية في الأمم المتحدة كيلي كرافت والسفير الأميركي في أنقرة ديفيد ساترفيلد، معبر باب الهوى الحدودي بين محافظة إدلب السورية وولاية هاتاي التركية يوم الثلاثاء 3 آذار/مارس.
جاء توقيت الزيارة في ظل التصعيد الكبير الذي تشهده ساحة إدلب بين الجيش السوري وحلفائه من جهة والفصائل المدعومة من قبل أنقرة من جهة ثانية حيث ارتفعت سخونة المواجهات بين الطرفين متركزة بشكل أساسي في محيط مدينة سراقب، عقدة الطرق المطلوبة من جميع الأطراف لأهميتها الاستراتيجية.
وجاء كذلك قبل ساعاتٍ فقط من موعد القمة المرتقبة بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم غدٍ الخميس حيث من المتوقع أن يكون لأوراق الميدان أهمية كبيرة في تحديد ما يمكن أن يتفق عليه الرئيسان بخصوص ملف إدلب.
ومما لاشك فيه أن المسؤولين الأميركيين لم تكن أقدامهم لتطأ أرض إدلب الساخنة في ظل هذه الظروف العصيبة سياسياً وعسكرياً، إلا وفي جعبتهم رسائل لا تقل سخونة يريدون إيصالها لكل من يعنيه الأمر، وهم كثر فيما يخص الصراع المفتوح على خرائط النفود والسيطرة في آخر مناطق خفض التصعيد. وأهم هذه الأطراف المعنية بتلقّي الرسائل الأميركية هما أنقرة وموسكو اللتين لم تخف الولايات المتحدة في الأيام الماضية توقعاتها بأن يصل الصراع بينهما إلى حدّ المواجهة العسكرية المباشرة.
وشكّل التصعيد في إدلب وبروز الخلافات الروسية – التركية على السطح، فرصة جديدة للسياسة الأميركية من أجل استئناف جهودها على خطّ إعادة استقطاب أنقرة لصفّها وإخراجها من دائرة التوافق مع موسكو.
ورغم الخلافات داخل الإدارة الأميركية بين البنتاغون من جهة وجيمس جيفري من جهة ثانية حول طريقة التعاطي مع تركيا في هذه المرحلة، يبدو أن الأخير قد نجح في تأمين الحد الأدنى من الدعم المعنوي والسياسي وحتى العسكري ولو جزئياً من أجل إقناع الإدارة التركية بجدوى جهوده ومدى قدرته على إدارة الملف بما يناسب الطموحات التركية، وقد يكون أهم أصناف هذا الدعم هو ما تحدث عنه جيفري أثناء زيارته لمعبر باب الهوى حول التبادل الاستخباري والتأكد من جاهزية العتاد، وذلك برغم أن البنتاغون كان قد رفض المشاركة في تقديم أي دعم جوي للعملية العسكرية التي أطلقتها تركيا تحت اسم “درع الربيع”.
شكّل التصعيد في إدلب وبروز الخلافات الروسية – التركية على السطح، فرصة جديدة للسياسة الأميركية من أجل استئناف جهودها على خطّ إعادة استقطاب أنقرة
ومع أن الحد الأدنى الذي عرضه جيفري لا يلبي الرغبات التركية التي انصبّت منذ التصعيد الأخير على ضرورة تفعيل البند الخامس من معاهدة حلف الناتو، إلا أنه يشير بشكل أو بآخر إلى مدى التغييرات التي فرضتها تطورات ملف إدلب على صعيد السياسة الأميركية التي كانت محصورة في شرق الفرات منذ بدء التحالف الدولي حربه ضد “الدولة الاسلامية” – “داعش” عام 2014.
لذلك فإن الانزال السياسي الأميركي على معبر باب الهوى يمكن اعتباره بمثابة الانعطافة في السياسة الأميركية التي ربما تشي برغبة واشنطن في كسر أحد الخطوط الحمراء مع موسكو ومزاحمتها على إدارة الصراع حول إدلب بما ينطوي عليه من تعقيدات إقليمية ودولية.
ولعل في اللقاء الذي جمع الوفد الأميركي مع عناصر “الخوذ البيضاء” رسالة مبطنة إلى موسكو مفادها أن واشنطن لديها سردية حول أحداث إدلب وتطوراتها مختلفة اختلافاً جذرياً عن السردية الروسية التي طالما اعتبرت “الخوذ البيضاء” بمثابة “ذراع إنسانية” لتغطية العمليات الارهابية والتحضير لفبركة الهجمات الكيميائية.
ورغم رمزية هذه الرسالة، فهي تحمل في طياتها دلالات كثيرة بخصوص إصرار واشنطن على استخدام ذات الأذرع والأدوات من أجل عرقلة الجهود الروسية لإنهاء ملفات الصراع بجوانبها العسكرية والتفرغ للجوانب السياسي.
لكن اختيار الوفد الأميركي لنقطة معبر باب الهوى من أجل توجيه الرسائل الأميركية، لا يخلو من دلالات مشبوهة وإشارات قد تلتقط بعضها رادارات التنظيمات الارهابية وعلى رأسها “جبهة النصرة” التي دأبت خلال الشهرين الماضيين على إعادة تلميع نفسها ومحاولة تقديم أوراق اعتمادها لجهات خارجية على أمل أن يسعفها ذلك في وضع بعض الوقت في ساعة إمارتها الاسلامية التي تعاني من هزائم قاسية على يد الجيش السوري.
اختيار الوفد الأميركي لنقطة معبر باب الهوى لا يخلو من دلالات مشبوهة
وكان من اللافت أن المندوبة الأميركية كيلي كرافت أطلّت برأسها من بوابة المساعدات الانسانية حيث كتبت في تغريدة على حسابها الرسمي على تويتر أن أن “إدارة ترمب خصصت 108 ملايين دولار أمريكي من المساعدات الإنسانية الأميركية لتقديمها إلى السوريين”.
وكان أبو محمد الجولاني زعيم “جبهة النصرة” قد أكد في لقائه الأخير مع مجموعة الأزمات الدولية أن تنظيمه يراجع سياسته إزاء المساعدات الانسانية وأنه على أتم الاستعداد للتعاون مع أي جهة تقدم المساعدات الانسانية لإدلب.
ومن شأن هذا “التخاطر” بين مراجعات الجولاني والكرم الأميركي في مساعدة السوريين، أن يطرح تساؤلات كثيرة بخصوص زيارة الوفد الأميركي إلى معبر باب الهوى الذي لا يعتبر بمثابة المعقل الاقتصادي والعسكري لـ “جبهة النصرة” بل أنه يحمل رمزية كبيرة جداً بخصوص “أسلمة” التنظيمات المسلحة السورية وانتقالها من ضفة “الاعتدال الأميركي المدروس والمخطط له” إلى ضفة التطرف والارهاب.
وكانت “جبهة النصرة” قد سيطرت على معبر باب الهوى منذ منتصف عام 2019 بعد طرد “فيلق الشام” و”أحرار الشام” منه. ومنذ ذلك الحين تولى مقاتلو “جبهة النصرة” حماية وإدارة المعبر. فهل دخل المسؤولون الأميركيون بالتنسيق مع هؤلاء المقاتلين الذي تعتبرهم الولايات المتحدة إرهابيون أم أنهم دخلوا وهم مطمئنون على سلامتهم وأمنهم رغم أن من يسيطر على المعبر هي جماعة إرهابية؟
وأكثر من ذلك، فقد شهد معبر باب الهوى في أواخر عام 2013 ما يمكن وصفه بأنه انعطافة جذرية في انتقال العمل العسكري المسلح في سوريا إلى التطرف والارهاب وذلك عندما هاجمت “الجبهة الاسلامية” بالتحالف مع “جبهة النصرة” مكاتب ومستودعات ما كان يسمى “الجيش الحر” وأنهت وجوده عملياً بعد فرار قائده اللواء المنشق سليم إدريس، علماً أن معظم مستودعات الأسلحة في ذلك الحين كانت مكدسة بأسلحة مقدمة من غرفة عمليات “الموك” التي كانت تديرها الاستخبارات الأميركية، ومن بينها صواريخ “التاو” التي انتقلت جميعها إلى ملكية التنظيمات الاسلامية في ظل صمت أميركي مريب في ذلك الوقت.
ومن الذكريات الأميركية السيئة مع معبر باب الهوى– حسب الفرض- عندما حاولت الولايات المتحدة عام 2014 إدخال مجموعة مسلحة مدعومة من قبلها عبر المعبر إلى داخل الأراضي السورية فقامت “جبهة النصرة” بإبادة معظم عناصر هذه المجموعة واعتقال من بقي منهم على قيد الحياة منهم.
فكيف يمكن فهم الرسائل التي أرادت واشنطن توجيهها من وراء إنزالها السياسي على هذا المعبر المفعم بإشارات ورموز سلبية؟ هل هو صكّ غفران أميركي لتاريخ من الخطايا التي ارتكبتها “جبهة النصرة” وبالتالي محاولة تلاقي مع مراجعات الجولاني التي أعلن عنها مؤخراً، أم أنه “غلطة الشاطر” الذي صبّ اهتمامه على مضمون الرسالة من دون أن يهتمّ ولو قليلاً في تحديد صندوق البريد الذي يمكن أن تصل إليه؟
عن موقع : 180post