70% من المنشــآت الاقتصــاديــة يعمل في الظل
ثمة تركيز عالٍ، ليس في سورية وحدها بل حول العالم أيضاً، على تنمية وتطوير المشاريع المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر، وذلك بالنظر إلى الدور الاقتصادي والتنموي، الذي تؤدّيه هذه المشاريع على المستويات كافة، ولكن صعوبات جمّة تحول دون صناعة قرارات مهمة ومؤثرة تساعدها على النمو والاستمرار، ومنها صعوبة حصرها، وانتشارها الجغرافي، وطبيعة الأنشطة والأعمال التي تؤديها، ورساميلها، وعدد عمالتها، وحجم الإنتاج، وما إلى ذلك..
ولعل (تعداد المنشآت الاقتصادية والاجتماعية 2019)، الذي نفذه المكتب المركزي للإحصاء مؤخراً في محافظات دمشق وريفها والسويداء واللاذقية وطرطوس، يصبّ في هذا الاتجاه، ولاسيما أنه أتى لمعرفة واقع هذه المنشآت في ظل الأزمة (الواقع القائم)، حيث الأضرار الكبيرة التي لحقت بهذه المنشآت، وأخرجتها من الخدمة كلياً أو جزئياً، علماً أن هذا التعداد نُفذ بطلب من هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وبإشراف وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، فمتى ستنشر نتائجه..؟.
التعداد.. قريباً
يعكف المكتب على تحليل البيانات، بعد أن أنهى الجزء الميداني من التعداد، ويتوقع المدير العام للمركز الدكتور إحسان عامر أن تنشر نتائجه في غضون شهر، حيث روعي في جمع المعلومات التركيز على محاور مهمة من شأنها أن تسهم في تقديم صورة واضحة ودقيقة عن المنشآت الصغيرة والمتوسطة، من حيث مستوى الانتشار الجغرافي، ونوعية النشاط، وعدد العمالة، والشكل القانوني للمنشأة، إضافة إلى بيانات أخرى، علماً أنه يجري حالياً التحضير لتعداد مماثل في محافظات حلب وحمص وحماة.
النتائج المتوخاة
تأتي أهمية هذا التعداد، وفقاً لعامر، من كونه يوفر بيانات شاملة ومفصلة تغطي القطاعات كافة، ويستخدم هذه البيانات واضعو السياسات والمحللون والمخططون لأغراض التخطيط، كما يشكّل مصدراً غنياً لتنفيذ المسوح الإحصائية الأخرى، بينما يحقق جملة من الأهداف أبرزها حصر القطاع غير المنظم (الاقتصاد غير الرسمي)، وإجراء المقارنات المطلوبة مع السلاسل الاقتصادية السابقة بهدف قياس معدلات النمو الاقتصادي، وتوفير البيانات المطلوبة لحساب مؤشرات أهداف التنمية المستدامة ذات الصلة، وتطبيق الأدلة والتصانيف الدولية للأنشطة الاقتصادية، وغيره من الأهداف.
تواصل العمل الإحصائي
لم تثنِ تداعيات الأزمة المكتب عن متابعة الأعمال والأنشطة الإحصائية، كما يقول عامر، حيث نفذ خلال سنيّ الأزمة 60 مسحاً مختلفاً، وأنهى إنجاز المجموعة الإحصائية لعام 2019 (بيانات 2018)، وهي وشيكة الصدور، مشيراً إلى أهمية تنفيذ تعداد عام للسكان، سيكون على الأرجح إلكترونياً، وقد تتولى جهة ما تقديم الخدمات والدعم الإلكتروني اللازمين لهذا التعداد.
مؤشرات مهمة
تفيد مؤشرات بأن هناك حوالى 70% من المشاريع الصغيرة والمتوسطة تعمل في الظل، وتعاني هذه المشاريع عدداً من المشكلات، وفي مقدمتها.. نقص التمويل، حيث إن 88% منها يعتمد على المدخرات الشخصية والقروض العائلية، لأن المصارف في العموم لا تستهويها هذه المشاريع لأسباب تتعلق بضعف إمكاناتها المالية وأصولها المادية، فضلاً عن مشكلات التسويق والإنتاج والترويج والحصول على المواد الأولية، سواء نتيجة عوامل تتعلق بالمنشأة نفسها أم بظروف الأزمة، كذلك عدم تأمين قطع الغيار، وتسرّب الكوادر البشرية. وتشكّل المشاريع الصغيرة والمتوسطة نسبة مهمة من الناتج المحلي الإجمالي، وتعدّ أكبر مشغّل للعمالة.
عند الأزمات
تكتسب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، عند الأزمات وتراجع المؤشرات الاقتصادية، أهمية خاصة بوصفها حلاً ناجعاً لتطوير القاعدة الاقتصادية وتعزيز الإنتاج، نتيجة ما تتميز به من عدم حاجتها إلى بنى تحتية كبيرة، وقدرتها على رفد المشاريع الكبيرة، فاليابان تمكنت من إنشاء صناعتها الحديثة اعتماداً على أنشطة الحرفيين المهرة، كما أن عشرات الآلاف من المنشآت الصغيرة في الولايات المتحدة الأميركية تقوم بالإنتاج لحساب الشركات الكبرى في كل من صناعة السيارات والمعدات الكهربائية والالكترونية وصناعة الألمنيوم والمطاط والمعلبات الغذائية وغيرها..
وفي الحالة السورية، يمكن للمشاريع الصغيرة والمتوسطة أن تلعب دوراً مهماً ومؤثراً في محاربة الفقر والبطالة، وسوء التوزيع، وتحقيق التنمية، وتشجيع روح المبادرة الفردية، واحتواء الانعكاسات السلبية للأزمة الجارية، وامتصاص فائض العمالة، التي خسرت وظائفها في المنشآت الكبيرة نتيجة تعرضها للخراب والتدمير، ما يخفف الضغط على القطاع العام في توفير فرص العمل، كما أن هذه المشاريع تعتبر حقلاً مهماً لتطوير المهارات الإدارية والفنية والإنتاجية والتسويقية.
داعمة للصناعات الكبيرة
ويكاد يعتمد أغلب الصناعات الكبيرة في الدول المتقدمة على ما تنتجه المشاريع الصغيرة، فنحو 70 بالمئة من تكاليف المنتجات النهائية في صناعة بناء السفن ومعدات السكك الحديدية، يتم التعاقد عليه من منشآت صغيرة، و65 بالمئة من تكاليف صناعة السيارات، و35 بالمئة من تكاليف آلات الغزل والنسيج، و26 بالمئة من تكاليف إنتاج معدات الهاتف يتم توفيرها من المنشآت الصغيرة المتخصصة في إنتاج قطع التجميع، التي تقوم الشركات الكبيرة بتجميعها وتسويقها.
وفي اليابان، تنتج المشاريع الصغيرة ما يزيد على 80 بالمئة من قطع سيارات “تويوتا”، بينما تصنع بقية القطع في المصنع نفسه، وفي فرنسا تشتري شركة “رابشيون” للصناعات الإلكترونية 56.6 بالمئة من مستلزمات إنتاجها من شركات صغيرة، كما أن 64 بالمئة من الشركات المورّدة لشركة “جنرال موتورز” البالغ عددها 26 ألفاً هي منشآت صغيرة لا يزيد عدد عمالتها على المئة.
تجارب
ويعزو كثير من الباحثين نجاح استراتيجية الصين إلى الأهمية التي أعطاها هذا البلد للزراعة والقطاع الريفي، كما تشير الدراسات التي أجريت في إيطاليا وفرنسا وكندا إلى أن المشاريع الصغيرة، كان لها دور مهم في إدماج المناطق النائية في الحياة الاقتصادية. وحتى عندما يتعلق الأمر بدعم وتنمية الصادرات، فإن المشاريع الصغيرة والمتوسطة تبدو حاضرة بقوة، وتشير الدراسات إلى أن هذه المشاريع أسهمت بنحو 25 – 35 بالمئة من الصادرات العالمية للموارد المصنّعة، كما أسهمت بحوالى 60 بالمئة (الصين)، و56 بالمئة (تايون)، و53 بالمئة (إيطاليا)، و46 بالمئة (الدنمارك)، و40 بالمئة (سويسرا) من صادرات هذه الدول.
البعث