إيران وأميركا الى المواجهة الحتمية مجددا
هدّد وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، قبل ساعات قليلة اليوم، بأن ” كل الخيارات مطروحة على الطاولة بعد الهجوم الصاروخي في العراق”. الذي أسفر عن مقتل جندي بريطاني وجنديين أميركيين مُتّهما ” جماعات شيعية مدعومة من ايران ” بالوقوف خلف الهجوم بصواريخ متعددة غير مباشرة انطلقت من منصة ثابتة واستهدف بوضوح قوات التحالف والقوات الشريكة في معسكر التاجي العراقي “.
لا يُمكن الحديث عن حرب، وانما عن ضربات عسكرية أميركية مُباشرة ضد القوات الايرانية في أماكن انتشارها، من إيران ٫مرورا بالعراق وصولا الى سوريا. أما استبعاد الحرب فذلك لأن الكونغرس الأميركي كان قد أقرّ مساء الأربعاء قرارا يحد من صلاحيات الرئيس دونالد ترامب في شن حرب على إيران، مع الإبقاء على حق الولايات المتحدة في الدفاع عن نفسها أمام هجوم وشيك. مجلس النواب صادق على هذا القرار بغالبية 227 صوتا مقابل 186، داعما بذلك مجلس الشيوخ، ما يعني أن شن أي حرب سيكون غير شرعي حتى في الداخل الأميركي.
إذا كان الرد الأميركي المحدود حتميّا في ظل حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، فانه يعكس أيضا احراجا أميركيا، ذلك أن أي خطأ في الرد او في استجلاب رد إيراني آخر يعني تضييق الخناق الخارجي على ترامب، لذلك سوف يلجأ الرئيس الى ما يُمكن تعزيز حملته لا اضعافها. لذلك فلا أحد يستطيع توقّع ما سيفعله، خصوصا ان هذه الضربة في معسكر التاجي تأتي بعد تلك التي استهدفت قاعدة أميركية في العراق في اعقاب اغتيال الجنرال قاسم سليمان قائد فيلق القدس، وابي مهدي المهندس الرجل الثاني في الحشد الشعبي. (وهما ضربتان لم يحدث مثلهما أبدا لقواعد أميركية في المنطقة سابقا رغم أنهما لم ترقيا الى اغتيال أبرز القادة العسكريين الايرانيين والعراقيين لإيران على ارض العراق).
هذا التصعيد بين الجانبين يأتي في لحظة إقليمية ودولية حساسة جدا. لماذا:
· أولا لأن لا ترامب يستطيع قبول الاهانة في عزّ حملته الانتخابية، ولا ايران التي خسرت أبرز قائد عسكري عندها، وغرقت في كارثة كورونا وخناق اقتصادي تستطيع السكوت.
· ثانيا لأن التصعيد يأتي فيما بدأت ايران تتهم واشنطن بالمسؤولية عن استخدام فيروس كورونا لثني الناخبين عن المشاركة بالتصويت للانتخابات الايرانية، وفق ما قال المرشد السيد علي خامنئي صراحة الذي ذهب اليوم الى حد القول:” إن تأسيس مقر لمكافحة تفشي كورونا يأتي نظرا لوجود شواهد تشير الى احتمالية وجود هجوم بيولوجي” ( وذلك بعد اصابة مسؤولين كبار بينهم مقرّبون من خامنئي نفسه). الانتخابات الايرانية مهمة للفريق المحافظ بقيادة خامنئي( حتى ولو انها بعد نحو عام) وذلك لتثبيت الفوز الساحق لهذا الفريق في الانتخابات التشريعية.
· ثانيا لأن التصعيد يأتي ايضا في لحظة حساسة لحليفتي إيران أي الصين وروسيا، فالأولى عاتبة جدا على ” التهويل” الاميركي بشأن فيروس كورونا وتحميل بكين المسؤولية عنه، والثانية، ترى أن الدور الاميركي في سوريا يعود الى التفاعل ويشجع الرئيس التركي على قبول الغزل الأميركي بعد قمته مع الرئيس فلاديمير بوتين خصوصا ان رجب طيب أردوغان لم يخف الجانب النفطي في طموحاته على الأرض السورية. كما ان موسكو تعتقد أن ما حصل من تدهور لأسعار النفط بعد الخلاف السعودي- الروسي في اوبك مشبوه. هذا يعني أن أي جنوح صوب مواجهة محدودة إيرانية- أميركية سيكون مفيدا لبكين وموسكو في الوقت الراهن.
لا شك أن اميركا وايران لا تريدان الحرب، فهما تطمحان في نهاية المطاف الى الجلوس على طاولة واحدة والتفاوض، لكن غموض الحملة الانتخابية الأميركية وعدم حتمية فوز ترامب فيها، خلافا لما كان متوقّعا في الأشهر الماضية، يترك هامشا للمناورة الايرانية بين المُتنافسين الأميركيين، بينما تعتقد واشنطن ان رفع الضغوط الى أقصاها على ايران الان بعد ان ضربها كورونا في أعقاب حصار اقتصادي خانق، مفيد جدا، خصوصا ان وزير الخارجية مايك بومبيو لا يتردد في القول أن النظام الايراني ” فقد شرعيته” ويدلل على ذلك بما يحصل في خلال حملة الانتخابات الحالية في ايران .
الطرفان لا يريدان الحرب، لكنهما على الأرجح محتاجان لمواجهة محدودة. وهذا ما سيحصل، مباشرة على الأراضي الايرانية أو في البحر أو في العراق الذي تحوّل مع لبنان، بعد سوريا الى أبرز ساحات الصراع الأميركي الايراني.
لكن ماذا عن اسرائيل ؟؟هل تخطط لشن هجوم على إيران تحت غطاء أزمة الكورونا؟
هذا السؤال طرحه الخبير الإسرائيلي عامي روحكس دومبا في مجلة ( israel defense )، وكان جوابه أن من يفحص سلوك الحكومة الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة، “يمكن أن يلاحظ ما يبدو إعداداً لحرب مع إيران تحت غطاء الإعداد لمواجهة الوباء. تكثيف الجهاز الطبي، تحضير الجبهة الداخلية لحالة طوارىء، حجر عشرات الآلاف من المواطنين في منازل قريبة من أماكن آمنة، مغادرة مواطنين أجانب الدولة، إغلاق المجال الجوي الإسرائيلي في وجه الرحلات التجارية، والتحضير لإعلان حالة طوارىء مدنية أو عسكرية قريباً. كل هذه العمليات التي جرت تحت غطاء الاستعداد لمواجهة فيروس الكورونا، يمكن أن تستخدمها حكومة إسرائيل للتغطية على هجوم على إيران”.
يختم عامي روحكس دومبا مقالته بالقول إن الافتراض الذي كان ولا يزال اليوم لدى جزء من الخبراء، “هو أن هجوماً إسرائيلياً من الجو من دون دعم من الولايات المتحدة لن يؤدي إلى إبطاء المشروع النووي العسكري الإيراني أو وقفه. مثل هذا الهجوم، في حال جرى الآن، من المتوقع، مع أرجحية كبيرة، أن يُدخل إسرائيل في مواجهة متعددة الجبهات (إيران، لبنان وغزة)، بموازاة معالجة فيروس كورونا في الجبهة الداخلية. فهل إسرائيل مستعدة لذلك”؟
الكاتب
اقرأ المزيد في قسم الاخبار
الكاتب:سامي كليب