أزمة النفط.. نهاية التحالف بين موسكو والرياض
نشرت صحيفة “الكافي جيوبوليتيكو” الإيطالية تقريرا، سلطت من خلاله الضوء على حرب أسعار النفط بين الرياض وموسكو، وتداعياتها على اقتصاد هذين البلدين، وعلى العلاقات الثنائية بينهما.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته “عربي21″، إن الأزمة الحالية فسحت المجال أمام كل من روسيا والمملكة العربية السعودية للهيمنة على أسواق النفط العالمية، ما أثر سلبا على أسعار النفط، وجعلهما يتخذان مواقف متباينة تجاه حالة الطوارئ.
وذكرت الصحيفة أن الصراع بين موسكو والرياض تسبب في انخفاض قيمة الروبل الروسي، الأمر الذي أثار القلق والمخاوف بشأن مصير الاقتصاد الروسي. وقد وضعت الأزمة الحالية حدا للتحالف النفطي الروسي السعودي القصير، ومن المرجح أن تبرز الاختلافات السياسية بين البلدين في الشرق الأوسط.
وفي الوقت الحالي، بدأت المنافسة بين كل من روسيا والمملكة العربية السعودية بشأن معدل إنتاج النفط، الذي بات تراجع أسعاره يقلق العديد من الدول المنتجة. ويبدو أن منظمة الأوبك+ ستغلق باب المفاوضات في وقت مبكر.
هل كان هناك الكثير من المؤيّدين؟
ذكرت الصحيفة أن أسعار النفط والغاز في أوائل سنة 2020 شهدت انخفاضا، ثمّ دخلت في مرحلة ركود في وقت وجيز، ليبدأ دق نواقيس الخطر في الدول التي يعتمد اقتصادها على قطاع النفط وصادراته.
وأشارت الصحيفة إلى أن السعودية وروسيا تتصدران سوق الذهب الأسود العالمي. وخلال الاجتماعات السابقة مع السعوديين، أكد بوتين على أهمية التعاون الثنائي بين البلدين في مسائل الطاقة، معربا عن تأييده للحاجة إلى تمديد اتفاقية خفض إنتاج النفط ضمن صيغة أوبك+. وقد تحقق هذا الهدف في نهاية سنة 2019، وذلك باتخاذ المنتجين قرار إجراء تخفيض إضافي في الإنتاج بمعدل 500 ألف برميل في اليوم. ولكنّ هذا الإجراء لم ينعش صادرات النفط، ولم يرفّع في الأسعار.
وأوضحت الصحيفة أن فشل هذه الاستراتيجية كشف عن تعارض مصالح روسيا والسعودية. فمن جهتها، لا تزال موسكو صامدة أمام انخفاض أسعار النفط بينما تواصل التغلغل داخل اقتصاد دول أمريكا الجنوبية وأفريقيا، حيث وقّعت كل من شركة روسنفت ولوك أويل اتفاقيات تعاون مربحة. أما الرياض، فترفض تقبل انخفاض الأسعار أو استقرارها؛ لأن ذلك من شأنه أن يعرض رؤية 2030 للأمير محمد بن سلمان وحكمه للخطر.
موسكو تنتظر لكنّ الرياض لا تستطيع ذلك
أفادت الصحيفة بأنه في أعقاب حالة الطوارئ الصحية، وما تلاها من انخفاض الطلب الصيني على النفط، وتراجع تقديرات الأداء الاقتصادي في بكين، استقر سعر النفط الخام الآن دون عتبة 50 دولارا للبرميل الواحد. وعلى ضوء ذلك، استدعت المملكة العربية السعودية أعضاء منظمة أوبك + في أوائل شهر شباط/ فبراير؛ في محاولة منها لمزيد خفض الإنتاج لنحو 600 ألف برميل، على أمل ارتفاع الأسعار. لكن ردّ روسيا جاء متأخرا.
وأوضحت الصحيفة أن جوهر هذه المسألة يتمحور حول الهيكل الاقتصادي والمالي للبلدان المنتجة للنفط، أي مدى اعتمادها على نفوذها لتوجيه سوق الطاقة. ونظرا لأن جميع شركات النفط الرئيسية تابعة للدولة، فإن إيرادات النفط يكون مآلها مباشرة الخزينة الوطنية، ما يمنح الدولة جميع الامتيازات والتسهيلات. لهذا السبب، لن يسمح انخفاض أسعار النفط للرياض بالحفاظ على الاستقرار الاقتصادي وتوازن الميزانية.
أما موسكو، فأصبحت أكثر مرونة في مواجهة هذه القرارات، خاصة بعد تغيير استراتيجيتها في أعقاب أزمة الأسعار لسنة 2014. لذلك، بدأت روسيا في توقّع ميزانياتها السنوية، مع الأخذ بعين الاعتبار أسعار النفط المنخفضة بشكل عام، التي لا تتجاوز 43 دولارا للبرميل الواحد. كما بدأت الحكومة الروسية في تنفيذ استراتيجية لإنقاذ الوضع، من خلال استثمار فائض الميزانية لتجميع احتياطيات العملة، وتخفيف الصدمات الخارجية، مع رفض التخفيضات التي يفرضها المنتجون الآخرون.
وأشارت الصحيفة إلى أن بعض التحليلات تعزو مرونة النظام الروسي إلى سياسة التقشف، التي تم تتّبعها الدولة للتعامل مع ضغط العقوبات الغربية، التي أصبحت تدريجيا جزءا لا يتجزأ من نظام الإنتاج الروسي.
ردود الفعل
أشارت الصحيفة إلى أن ردود الفعل كانت متباينة؛ نظرا لاختلاف المصالح. واعتبارا من 1 نيسان/ أبريل، ستُرفع القيود المفروضة على إنتاج النفط بالنسبة لدول منظمة أوبك. وقد ساهم هذا العامل، إلى جانب تفشّي وباء فيروس كورونا، في انخفاض أسعار النفط بنسبة 31 بالمئة، وتراجع قيمة الروبل الروسي مقابل الدولار الأمريكي واليورو (1 دولار يعاجل 75.67 روبل) و(1 يورو يعادل 86.09 روبل).
وفي هذا الإطار، بدأت خدمة مكافحة الاحتكار الفيدرالية على رصد أسعار مجموعة من السلع ذات الأهمية الاجتماعية. ومع ذلك، يبدو أن الضغط المسلط على الكرملين كانت له آثار إيجابية، أبرزها ضرب مصالح منتجي الصخر الزيتي الأمريكي المثقلين بالديون.
ونقلت الصحيفة عن الرئيس التنفيذي لشركة غازبروم نفط الروسية، ألكسندر ديوكوف، أن الأسعار المنخفضة ستساعد على تحسين السوق، رغم تأثيرها السلبي، مضيفا أن مقاومة انخفاض الأسعار وتكاليف الإنتاج ومستويات الديون تضمن لروسيا تجاوز هذه العقبات بأمان.
في المقابل، بدت الرياض أكثر صرامة على خلفية رفض روسيا خفض الإنتاج، إذ أمر ولي العهد السعودي على الفور بزيادة مطردة في الإنتاج داخل أوبك. ويبدو أن انهيار الأسعار غير المُطلق يعني الضغط على الروس، وإجبارهم على الاتفاق، والبيع بأسعار منخفضة لعملائهم، وبالتالي انتزاع حصص السوق منهم.
ظلال وأضواء الذهب الأسود
ذكرت الصحيفة أن البورصة السعودية تأثّرت بدورها بانخفاض الأسعار. فقد انحدرت قيمة أسهم أرامكو السعودية إلى ما دون سعر الاكتتاب العام الأوّلي، ما جعل هذا المشروع يبدو فاشلا، علما بأن الهدف الأولي من طرح أسهم الشركة للبيع كان تمويل “رؤية 2030″، وهو قرار أثار استياء السعوديين، خاصة في ظل تواضع النتائج.
وأوردت الصحيفة أن عملاق الطاقة نشر نتائجه السنوية لأول مرة، مسجلا انهيارا كبيرا بنسبة -20 بالمئة من صافي الأرباح في سنة 2019، لتنخفض العائدات من 111 إلى 88 مليار دولار. وفي ظل هذه التوترات، أمر محمد بن سلمان رسميا بإطلاق عمليات تطهير جديدة لإحباط “محاولة الانقلاب” المزعومة ضده، ولتعزيز ثقله السياسي في مواجهة الصعوبات الاقتصادية الوشيكة.
ومن ناحية أخرى، إذا ظلت أسعار سوق الطاقة منخفضة للغاية، فإن موسكو تخاطر بتسجيل “نمو صفري”. ونتيجة لذلك، لن تتجاوز عائدات الدولة من النفط ثلاثة تريليونات روبل. وحتى إذا تحسنت أسعار الصرف تدريجيا، فإن خزائن الاتحاد الروسي ستفقد 500 مليار روبل، مسجلة عجزا تجاريا بنسبة 2 بالمئة ونموا اقتصاديا قريب من الصفر.
وفي الختام، أقرّت الصحيفة بأنّ التوازي بين الرياض وموسكو مثير للاهتمام، حيث ينجر عن الضغط الاقتصادي ضغط سياسي أيضا، خاصّة مع إمكانية التمديد في عهدة فلاديمير بوتين الرئاسية. وأخيرا، يبدو أن العلاقات بين البلدين ستعود إلى التذبذب. وبما أنها قائمة على أساس هش من إعلانات النوايا والبروتوكولات، فإن العلاقات الروسية السعودية بعيدة عن التسوية. ويمكن للصراعات الحالية أن تعيد إحياء الخلافات السياسية العالقة حول إيران وسوريا وليبيا، ما قد يؤدي إلى مزيد التباعد بين البلدين.
عربي21- أميمة المرعوي