الأحد , نوفمبر 24 2024

كارثتان في أزمة عالمية واحدة: وباء صحي وكساد اقتصادي

كارثتان في أزمة عالمية واحدة: وباء صحي وكساد اقتصادي

سركيس ابوزيد

نستشعر الآن تأثيرات وتداعيات فيروس كورونا على حياة الانسان والمجتمع والدول. يواجه العالم أزمة مزدوجة: وباء قاتل واقتصاد منهار. كورونا ليست مجرد مرض يهدد الصحة العامة بل هي تحد يهدد البشرية بتغيير العلاقات الدولية والانسانية وسلوك الافراد والقيم السائدة.

دخل العالم في مواجهة أوبئة متعددة ومتنوعة سنكتفي بحصرها بكارثتين. لسنا أمام جائحة واحدة بل جائحتين. فأولا هناك جائحة مرض فيروس كورونا التي تصيبنا في الصميم، وثانيًا، هناك جائحة الكساد الاقتصادي الناتج سابقًا عن بنية النظام بالاضافة الى العقبات المترتبة من الجائحة الأولى حاليا . كارثتان مترابطتان في وباء واحد، وكل منهما تغذي الأخرى. انتشار الانهيار الاقتصادي مواكب لانتشار المرض. عدوى الازمة المالية تتفاعل مع العدوى المَرَضية وتخلق شعورا قويا بالندم والخوف وحالة مترابطة لا يمكن تجاهلها. مع الوباء الصحي، انتشر خوف مالي كالفيروس لأننا لا نعرف على وجه اليقين ما هي الإجراءات التي يتعين علينا أن نتخذها في الاسواق الاقتصادية.

الصدمة التي لحقت بالاقتصاد العالمي من جَراء مرض فيروس كورونا كانت أسرع وأكثر حِدَّة من الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في عام 2008، ومن أزمة الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن العشرين. في هاتين الواقعتين السابقتين، انهارت أسواق البورصة بنحو 50% أو أكثر، وتجمدت أسواق الائتمان، وأعقب ذلك حالات إفلاس هائلة، وارتفعت معدلات البطالة فوق 10%، وانكمش الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي قدره 10% أو أكثر. لكن كل ذلك استغرق حوالي ثلاث سنوات لكي تكتمل فصوله. انما، في الأزمة الحالية، تجسدت تداعيات وخيمة على مستوى الاقتصاد الكلي وعلى الصعيد المالي في غضون ثلاثة أسابيع.

والآن، انخفضت أسواق الأسهم بنسبة 35% حتى اليوم، وتوقفت أسواق الائتمان عن العمل. وحتى الشركات المالية السائدة مثل جولدمان ساكس وجيه بي مورجان ومورجان ستانلي تتوقع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بمعدل سنوي يبلغ 6% في الربع الأول، ونحو 24% إلى 30% في الربع الثاني. كما حَذَّر وزير الخزانة الأميركي ستيف منوشين من أن معدل البطالة ربما يسجل ارتفاعا شديدا فوق 20%.
بعبارة أخرى، أصبحت كل عناصر الاقتصاد الرأسمالي في حالة سقوط حر غير مسبوقة.

لم يحدث حتى خلال فترة الكساد العظيم والحرب العالمية الثانية أن أُغلِق النشاط الاقتصادي بشكل شامل، كما حدث في الصين، والولايات المتحدة، وأوروبا اليوم.

هذه الحالة الاستثنائية تفترض خطة طوارئ من اولوياتها:

أولا، تتبع وعلاج مرض فيروس كورونا على نطاق واسع، قد يستغرق 18 شهرا، حيث يتوجب نشر الأدوية المضادة للفيروسات وغير ذلك من العلاجات على نطاق هائل.

ثانيا، يتعين على صناع السياسات النقدية أن يستمروا في بذل كل جهد ممكن في مكافحة الأزمة بالاستعانة بتدابير غير تقليدية، منها معالجة النقص الهائل في السيولة الدولارية في الأسواق العالمية، وتشجيع البنوك على إقراض المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تفتقر إلى السيولة لكنها لا تزال قادرة على الوفاء بديونها.

ثالثا، يتعين على الحكومات أن تعمل على نشر حوافز مالية ضخمة، لانها وحدها التي تتمتع بميزانيات ضخمة وقوية بالقدر الكافي لمنع انهيار القطاع الخاص.

لقد أظهرت الأنظمة الرأسمالية عجزها الفاضح في توفير متطلبات الصحة العامة في بلدانها، كما أن الاقتصادات الغربية كانت قاصرة كثيرا عن المطلوب لاحتواء الجائحة. ومن الواضح ايضا، أن المعالجات المالية والاقتصادبة لم تكن سريعة بالقدر الكافي. وعلى هذا فإن خطر حدوث كساد عظيم جديد، أسوأ من الأصلي ــ أو كساد أعظم ــ يتفاقم يوما بعد يوم.

اذا لم تتوقف الجائحة، فسوف تواصل الاقتصادات والأسواق في مختلف أنحاء العالم سقوطها الحر. ولكن حتى في حال احتواء الجائحة على نحو أو آخر، فقد لا يعود النمو في الإجمال بحلول نهاية 2020. فمن المحتمل للغاية بحلول ذلك الوقت أن يبدأ موسم آخر للفيروس بطفرات جديدة؛ وقد يتبين أن التدخلات العلاجية التي يعول عليها كثيرون أقل فعالية من المأمول. وعلى هذا فسوف تعود الاقتصادات إلى الانكماش وتنهار الأسواق مرة أخرى.

عندها من ينقذ الحكومات، والشركات، والبنوك، والأسواق الناشئة؟

في كل الأحوال، حتى في حال السيطرة على الجائحة وتداعياتها الاقتصادية، قد يظل الاقتصاد العالمي عُرضة لعدد من المخاطر. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، سوف تفسح أزمة فيروس كورونا المجال لتجدد الصراعات بين الغرب وأربع قوى صاعدة على الأقل: الصين، وروسيا، وإيران، وكوريا الشمالية، مما يؤثر على النتائج النهائية المتنازع عليها، مع وجود احتمالات اندلاع أعمال عنف صريحة واضطرابات في المدن الاميركية.

أحوال الأسواق سوف تقلل إلى حد كبير من خطر نشوب حرب بين الولايات المتحدة وإيران هذا العام؛ كما يتسارع تدهور العلاقات الصينية الأميركية. ومن المرجح أن تتسبب الأزمة الحالية في التعجيل بعملية تفكك الاقتصاد العالمي في الأشهر والسنوات المقبلة.

يبدو أن هذه السلسلة من المخاطر – الأوبئة التي لا يمكن السيطرة عليها، الازمات الاقتصادية المتروكة من دون حل، النزاعات الجيوسياسية المعتادة – ستكون كافية لدفع الاقتصاد العالمي إلى كساد مستمر وانهيار الأسواق المالية. بعد انهيار عام 2008، نجحت النيوليبرالية، ولو متأخرة في انتشال الاقتصاد العالمي من الهاوية، ولكن هذه المرة قد لا تكون الراسمالية قادرة على انقاذ نفسها.

العهد