إردوغان يتوعّد.. هل اقتربت الحرب في إدلب؟
حسني محلي
بعد فترة انقطاع دامت أكثر من 40 يوماً، وقبل يومين من اللقاء الوزاري التركي الروسي الإيراني في إطار تفاهمات أستانة، عاد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى أسلوبه التقليدي في إدلب، مهدّداً ومتوعّداً دمشق من جديد.
وقد تحدَّث إردوغان، مساء أمس الإثنين، خلال افتتاحه مستشفى جديداً في إسطنبول، قائلاً: “إننا نراقب عن كثب الأعمال العدوانية التي يقوم بها النظام في إدلب، مستغلاً انشغال الجميع بوباء كورونا، ولن نسمح له بتمرير هذه المخطّطات. إذا استمر النظام بهذا الأسلوب، ولم يلتزم بوقف إطلاق النار، فسوف يدفع الثمن غالياً بالمزيد من الخسائر البشرية الفادحة. كما لن نسمح للبؤر المظلمة التي تقوم بأعمال استفزازيّة بنسف اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب”.
كلام إردوغان جاء بعد يوم من اتصال هاتفي أجراه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقيل “إنهما بحثا الوضع في إدلب وشرق الفرات، إلى جانب أزمة كورونا”.
تزامن ذلك مع الأنباء التي تحدثت عن تأجيل تفعيل صواريخ أس- 400 إلى أجل غير مسمى، بعد أن كان مقرراً له أن يكون اليوم، وهو ما سبق أن اعترض عليه الرئيس ترامب أكثر من مرة، مهدداً ومتوعداً الرئيس إردوغان “بتدميره وتدمير اقتصاد تركيا في حال استمراره في هذا المشروع”، أي نصب صواريخ أس- 400 الروسية وتفعيلها.
واعتبرت مصادر دبلوماسية قرار أنقرة بتأجيل تفعيل صواريخ أس– 400، شرطاً أساسياً لاحتمالات الضوء الأخضر الذي سيضيئه ترامب للمؤسسات المالية الدولية والأميركية، لتقديم المساعدات المالية العاجلة التي يحتاجها الرئيس إردوغان لمواجهة أزماته المالية الخطيرة، بسبب توقف الفعاليات الاقتصادية في البلاد تحت تأثير وباء كورونا.
ويقول زعيم حزب “الديموقراطية والتقدم”، ووزير الاقتصاد السابق، علي باباجان، “إن إردوغان فشل في مواجهة الوباء، كما سيفشل في مواجهة أزمات تركيا الاقتصادية والمالية”.
هذه الأزمات يتفق باباجان ورئيس الوزراء السابق وزعيم حزب “المستقبل” أحمد داوود أوغلو على أنها “خطيرة جداً، وأحد أسبابها هو انعدام ثقة العالم بالنظام السياسي والمالي والقضائي لتركيا، بسبب استبدادية الرئيس إردوغان الذي لم يعد يحترم الدستور والقوانين والأعراف”، وكلاهما وجّها انتقادات عنيفة جداً إلى إردوغان.
وقد يجد الرئيس التركي نفسه في وضع حرج جداً، في حال فشله في معالجة الأزمة المالية، التي لا حلّ لها إلا بالمساعدات الأميركية والدولية، ما قد يدفعه إلى إلهاء الرأي العام بقضايا خارجية “وطنية وقومية”، وفي مقدّمتها إدلب.
كما جاءت تهديدات إردوغان لصديقه السابق الرئيس بشار الأسد في الوقت الذي كان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يبحث في دمشق مع الأسد مجمل التطورات في سوريا، وفي مقدمتها إدلب، مع استمرار المعلومات التي تتحدث عن تعزيز الجيش السوري مواقعه في المنطقة، استعداداً لإتمام المهمة الموكلة إليه، وهي تحرير إدلب بالكامل، حتى يتسنّى للدولة السورية التفكير بهدوء في أساليب المعالجة النهائية للوضع شرق الفرات، وهو ما ستفعله روسيا بعد أن حشدت خلال الشهر الماضي قوات برية وبحرية وجوية في قواعدها في طرطوس وحميميم، التي وصل إليها العديد من قطع الأسطول الحربي وبعض الطائرات الاستراتيجية، وهو ما يفسر وجود طائرة التجسس الأميركية التي انطلقت قبل أيام من القواعد البريطانية في قبرص باتجاه إدلب لمراقبة الوضع فيها، فتصدّت لها طائرة روسية من طراز سو-35 قبل أن تقترب من قاعدة حميميم.
كما جاء حديث الرئيس إردوغان من جديد عن إدلب، وعن ليبيا بدرجة أقل، بالتساوق مع المعلومات التي تتحدث عن اتفاق تم التوصّل إليه بين أنقرة و”جبهة النصرة” ومعظم الفصائل الحليفة لها، بهدف انضمام مسلّحيها إلى ما يسمى الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا.
وتتحدَّث المعلومات عن اتفاق شامل بين أنقرة وبين هذه الفصائل من أجل التنسيق والتعاون العملي والفعال بين الطرفين، بمساهمة الجيش الوطني السوري، ليس في إدلب فقط، بل في شرق الفرات عموماً.
وقد قام الجيش التركي بتعزيز مواقعه في المنطقتين، لمنع الجيش السوري أولاً من دخول إدلب، وثانياً لاتخاذ كلّ التدابير الاستباقية لمواجهة أي تحرك محتمل لوحدات حماية الشعب الكردية، في حال اتفاقها مع الدولة السورية.
يترافق كل ذلك مع المعلومات الصحافية التي تبرزها وسائل الإعلام الموالية لإردوغان، وتتحدث عن حشود إيرانية كبيرة في محيط حلب، استعداداً لتطورات المرحلة القادمة قبل التخلص من فيروس كورونا أو بعده.
ويبدو أن الفيروس لم يمنع الرئيس إردوغان من التفكير في إدلب، واتخاذ كل التدابير العسكرية لمنع دخول الجيش السوري إليها، مهما كلَّفه ذلك من توتر جديد مع الرئيس فلاديمير بوتين، الذي يراهن الكثيرون من جديد على مساوماته المحتملة مع الرئيس التركي، كما فعل في اتفاق موسكو الأخير حول إدلب. فقد اضطرّ إردوغان إلى التراجع عن كل ما قاله في هذا الموضوع عندما هدَّد وتوعَّد الجيش السوري ما لم ينسحب من كل المناطق التي سيطر عليها في محافظة إدلب، وهو ما لم تلبّه دمشق، ولا يدري أحد كيف سيكون ردّها على أي موقف محتمل لإردوغان في إدلب وشرق الفرات، مع الدعم الروسي الذي يبدو أن أنقرة ستسعى هذه المرة، وبجدية تامة، لموازنته بدعم أميركي.
وإن تحقق ذلك، فسيكون لكل طرف حساباته التي ستختلف حينها عن حسابات السنوات التسعة الماضية التي أثبتت تمسك إردوغان بالملف السوري مهما كلَّفه ذلك من ثمن غالٍ ورخيص، ومن دون أن يهمل رد الفعل الروسي المحتمل الذي بحثه مساء الثلاثاء مع الرئيس بوتين هاتفياً.
الميادين