كمال خلف: هل قرّر الكرملين شن حملة إعلامية على الرئيس بشار الأسد؟
كمال خلف
قد تبدو ما يشبه الحملة على القيادة السورية وعلى الرئيس بشار الأسد والمقربين منه في بعض وسائل الإعلام الروسية مؤخرا رسائل سياسية غير مباشرة من الكرملين لبعض مراكز القوى في سورية حسب بعض التحليلات، ولكن لا بد من ملاحظة ان ما نشر في وسائل إعلام روسية فيدرالية كانت محدودة وان التعليقات والجدل حول ما كتب وردود الأفعال والنقل وإبداء الرأي والملاحظات من قبل كتاب روس وآخرين حول ما نشر جعل الصورة تبدو وكأن هناك حملة على القيادة السورية وهذا عمليا غير صحيح برأينا، فالكرملين ليس مضطرا لاستخدام منصة الإعلام لشن حملات أو نقل انتقادات إلى القيادة السورية، ويمكن أن يناقش الروس ذلك بكل شفافية في الاجتماعات المغلقة مع القيادة في سورية.
ولا بد من التأكيد على أن العلاقة الروسية السورية لن تشهد اية أزمة في القريب العاجل، وإنما سيكون بتقديرنا هناك إشارات إيجابية لاحقا من قبل القيادة الروسية تجاه دمشق، وسيكون هناك تأكيدات من الطرفين على متانة العلاقة، دون أن يظهر ذلك وكأنه رد أو تبرير على ما يبدو أنه حملة، مع ملاحظة أن روسيا قد تكون حققت غرضا من توجيه رسالة غير مباشرة لمراكز قوى في سورية يبدو أن روسية لديها تحفظات على أدائها وهذا ممكن، لكن ليس في أطار حملة إعلامية تمهيدا لتحولات كبيرة قد تطرأ على العلاقة الثنائية.
وبعيدا عن الحديث في الاعلام تسعى روسية فيما يبدو إلى أحداث تغييرات عميقة في بنية النظام السياسي والاقتصادي في سورية، وهو ما يبدو أنه تفاهمات أو أقرب إلى النقاش السري منه إلى الاتفاق عقد بين الجانب الروسي والأمريكي بمعرفة الجانب التركي وكذلك بين روسيا وبعض الدول الأوروبية الراغبة في إعادة العلاقة مع دمشق وأرسلت عدة رسائل مباشرة وغير مباشرة في هذا الشأن.
وقد تكون روسيا من خلال ذلك تسعى إلى نوع من الإصلاحات والتغييرات تمكنها من إعادة تأهيل النظام السياسي على المستوى الدولي، وإعادة سورية إلى وضعها الطبيعي في الإقليم وفي النظام الدولي وهذا على الأرجح طرحته روسيا للنقاش مع القيادة السورية، وهذا الحديث لا يبدو وليد المرحلة الحالية أنما بدأت التسريبات حوله قبل اكثر من عام، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية السورية العام المقبل فإن الحديث حول تغييرات في سورية ينشط وتجد قوى كثيرة ذلك الاستحقاق فرصة يجب التقاطها والاستعداد لها.
وكان النقاش قبل عام حسب تلك التسريبات هو تبادل أفكار عميق بين واشطن وموسكو حول ما هو المخرج في سورية؟ وكان اهتمام الجانب الأمريكي والأولوية في هذا النقاش هو إخراج إيران من سورية وفي هذه النقطة تعكس واشنطن رغبة إسرائيل في أن لا تكون سورية منصة للإيرانيين وحزب الله، وهذا الطلب الأمريكي لن يمرره الرئيس بشار الأسد حتى ولو أبدى الجانب الروسي مرونة فيه تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل، وتستخدم الولايات المتحدة أوراق ضغط بالغة الخطوة لتحقيق مطالبها في سورية، ويأتي على رأسها تحريك ملف الكيماوي في سورية ووضع أسماء مسؤولين سوريين عن الهجمات الكيماوية في تقارير منظمة حظر الانتشار النووي، وكذلك التلويح بقانون “سيزر” لشل الحياة الاقتصادية في البلاد بما يشابه حصار العراق في مطلع تسعينات القرن الماضي، وتراهن واشنطن على هذه الأوراق لأحداث تحولات في سورية دون الاضطرار إلى استخدام القوة العسكرية وهو خيار غير متاح حاليا للرئيس ترامب.
بالمقابل فإن موسكو تدرك أن الإنجازات التي تحققت في سورية كانت ثمرة تعاون وتنسيق بينها وبين دمشق وطهران ، ولن يكون من السهل على موسكو تفتيت هذا التحالف لصالح تحقيق مطالب أمريكية أو تركية أو إسرائيلية.
ويسرب بعض أقطاب وشخصيات المعارضة السورية معلومات عن صفقة حصلت بالفعل وان الأشهر المقبلة ستكون ميدانا لتغييرات كبيرة في سورية بناء على اتفاق روسي أمريكي، لكن معضلة المعارضة السورية منذ سنوات هي أنها تعتبر ما تسمعه من مسؤوليين غربيين حقائق واقعة ونافذة، ولعلها لم تفهم الدرس بعد، بأن ما ينقل لها هو وجهة نظر تلك الجهات وان ما يقال لا يعدو أفكارا تطرح في القنوات الدبلوماسية، وقد تأخذ طريقها إلى الاتفاق أو عكس ذلك . ولذلك تصاب هذه المعارضة في كل مرة لخيبة أمل، منذ تعويلها على تدخل عسكري أمريكي في سورية لإزاحة النظام وحتى اليوم.
بالمقابل من الممكن أن يكون وزير الخارجية محمد جواد ظريف قد ناقش سناريوهات كهذه في دمشق خلال الزيارة الأخيرة، ومن المحتمل انه نقل رسالة دعم من إيران للرئيس بشار الأسد، وأن إيران معه في وجه أي ضغوط يتعرض لها أو طلبات غير مقتنع بها.
في المحصلة فإن ثمة مشهد معقد في سورية ميدانيا وسياسيا، وأن شكل الحل النهائي للأزمة والحرب لم تتضح معالمه بعد، ومن الطبيعي أن تشهد سورية تغييرات تماشيا من الحل السياسي الذي يمضي وفق أكثر من مسار، ولكن من المستبعد أن تكون تلك التحولات دراماتيكية على شكل قفزات في الهواء، وإنما من المرجح أن تكون هادئه وراسخة وهذا يحتاج إلى وقت.
إقرأ أيضاً: واشنطن تخسر آخر رهاناتها الاستراتيجيّة