الدمشقيون في “زمن الكورونا”.. قسوة 9 أعوام من الحرب جعلتهم زاهدين بالفيروس
لم يتفاجئ الدمشقيون بشكل عام، بأخبار فيروس كورونا، فمعاناتهم المستمرة منذ تسع سنوات، جعلتهم يعتقدون أنهم لن يمروا بأيام أصعب أو أخطر من تلك التي مروا بها خلال سنوات الحرب، وهذا ربما ما جعلهم أكثر جرأة أو “عدم اكتراث” من سكان الدول الأخرى، في مواجهة الفيروس التاجي المستجد.
بالتأكيد ليس ذلك بمبرر، لكن هذا ما نسمعه من العديد من الدمشقيين، وحركتهم في الشارع، وعدم اكتراثهم، تعكس ردة فعلهم إزاء الإجراءات والدعوات الحكومية ومحاولات التوعية والتحذير الداخلية والأممية.
يقول علماء النفس: “إن استحضار زمن الحرب يبعث برسائل سلبية للدماغ، وهو ما يفسر التصرف بتهور دون التفكير في العواقب”، وربطت دراسة نشرتها مجلة “سيكولوجي توداي” الأميركية بين القلق والسلوك الاندفاعي الذي يواجه به الإنسان، الضبابية وعدم اليقين.
أحمد، واحد من أصحاب محلات تجارة الجملة في حي “المناخلية” الشهير، يقول: “إن المواطن وصل إلى حالة الطوارئ الصحية وهو يتذكر 9 سنوات من الحرب، والتشابه هنا أن الظرفين يفرضان عليه البقاء في المنزل، لكن المفارقة أن الحرب لم تمنع “الشوام” من الخروج من منزلهم، بل كانوا يتحدونها بكل ظروفها من قصف وتفجير وتفخيخ وهاون يسقط بلا أذن أو سابق إنذار، أما هذا الفيرس الضئيل بالحجم والكبير بالمفعول، يريد أن يرغمنا على البقاء في بيوتنا ويهدد وجودنا وحياتنا وهذا ما لا يقنعنا ولا يقتنع به المواطن البسيط”.
الشاب خالد، وهو من سكان دمشق القديمة يقول: “كنت أعتقد أنه وبعد الحرب الشرسة والطويلة التي عشناها سنقضي وقتا آمنا وحياة مستقرة، ولكن جاءت هذه الجائحة لنعيش حربا من نوع آخر، حرب المرض والموت، وهذا لم نكن نتوقعه على الإطلاق”.
أبو محمد صاحب سوبرماركت في دمشق القديمة، وهو يتفق بالقول مع من سبقه ويتابع: “لا أستطيع أن أمنع ابني من الخروج من المنزل، هو كالعديد من الشبان قضى أفضل سنوات شبابه في الحرب، وبعد انتصارات الجيش وتحرير البلد من الإرهاب، لم يعد يخيفه شيء حتى لو كان هذا غير منطقي، ويقول لي: نريد أن نعيش، وأنا متكل على الله”.
على المقلب الآخر هناك من التزم ويحاول التأقلم مع الحظر، فيقضي محمود وقته في غرفته يشاهد الأفلام والمسلسلات التلفزيونية حتى لا يشعر بالملل، لكنه يعاني من والديه ويقول: “يتشاجران في معظم الأوقات لأنهم يبقيان وجهاً لوجه في المنزل ويستمعان إلى أخبار فيروس كورونا المزعجة ويعانون من القلق”.
الحاج أبو رسلان مسن ويؤكد أنه “لم يسبق أن تعرضت لحظر تجول طوال حياتي ولا أظن أبداً أنني سأفعل، أنا متكل على الله ولا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا”.
أما أم طارق فتقضي نهارها في تنظيف وتعقيم المنزل أثناء متابعة أخبار كورونا “المرعبة”، وتفرض حجرا صحيا على عائلتها وتقول: “أحاول قدر الإمكان أن أبقي أفراد أسرتي في المنزل، لكنهم لا يلتزم ويقولون: “لا تخافي نحن ملتزمون بالكمامات والكفوف والوقاية المطلوبة”.
إن العالم بأسره، وليس فقط الدمشقيون، يوشك أن يتكيفوا مع لون حياة مختلف تماماً، إنها الحياة في زمن الكورونا، وإن كان العزل الكامل أمر مستحيل بالنسبة للدمشقييين، لابد وأن نتعلم كيف نعيش بحذر أكبر، دون أن نصاب بالذعر، فعلى ما يبدو وفي ظل التصريحات الطبية العالمية، يجب أن نتعلم كيف نتعايش مع الفيروس في مرحلة ما، لكي تستمر الحياة.
الوطن – لمى طباخة