كورونا بدأ بتغيير الحرب على سوريا.. كيف؟
تواجه سوريا منذ تسعة أعوام حربا عالمية عليها ذات أبعاد متعددة: أولًا، حرب احتلال اسرائيلية أميركية تركية. ثانيًا، حرب تدمير تكفيرية رجعية اطلسية. ثالثًا، حرب عزل بالعقوبات والحصار، ومؤخرًا تواجه خطر انتشار جائحة “كورونا”.
شكّل الوباء مدخلًا جدیدًا لضغوطات وتفاھمات بین اللاعبین الإقلیمیین والدولیین الذین یبحثون عن فرص الإفادة منه للوصول إلى اختراقات سیاسیة وتبدلات وتغيرات في أسلوب ووجهة الحروب على سوريا بعد التحولات الأخيرة في الميدان والخيارات الدولية.
انتشار الفیروس في سوریا یثیر مخاوف صحية في ظل دمار المستشفیات ومنظومة الرعایة الصحیة والتداعیات الاجتماعیة والاقتصادیة المروعة. اضافة الى الظروف المتردیة للعدید من المدن السوریة التي تعرضت للدمار وفقدت الخدمات الصحیة الأساسیة والبنیة التحتیة فضلًا عن الصعوبات التي تواجهها الموازنة والعقوبات الدولية التي تحرم الحكومة من إشراك المؤسسات الدولیة في توفير الدعم والخبرات المطلوبة.
یشكل النازحون قنبلة موقوتة، غالبیتھم نساء وأطفال یقیمون في خیم مكتظة أو في مخیمات مؤقتة، وتعتبر بیئة خصبة لتفشي وباء “كورونا”. والنازحون هناك یعیشون ظروفًا معیشیة قاسیة، ما ینذر بكارثة صحیة في حال دخلت الجائحة ھذه المناطق. وتُضاف الى ذلك الأزمة الاقتصادیة التي تصاعدت في الأشھر الأخیرة وزادت حجم الفقر والفقراء، جراء استمرار الحرب والعقوبات الخارجیة، وتدھور سعر صرف العملة السوریة.
تغيرات في الخيارات أو في الأسلوب الى جانب خطر تفشي الوباء بدأ المسرح السياسي يشهدها:
– بدأت واشنطن شن حملة دبلوماسیة مضادة لمنع الحكومتین الروسیة والسوریة من الإفادة من وباء “كورونا” في فك العزلة السیاسیة المفروضة على دمشق وتخفیف العقوبات الاقتصادیة الأوروبیة والأمیركیة عنھا، في وقت برزت فيه أصوات أوروبیة تقترح مقاربة مرنة ودعم مسار خطوة – خطوة بین دمشق والغرب.
– يعتبر مسؤولون غربیون، أن النظام السوري یشن حملة ممنھجة بدعم روسي لاستغلال وباء “كورونا” كوسیلة لتخفیف العقوبات المفروضة علیھا.
– تتبلور ملامح استراتیجیة أمیركیة تجاه سوریا تتضمن سلسلة من الإجراءات العسكریة والسیاسیة والدبلوماسیة والاقتصادیة والتشریعیة لوضع النظام في صندوق العزلة لسنوات، على أن یكون منتصف حزیران المقبل موعدًا فاصلًا في ذلك، جراء بدء تنفیذ “قانون قیصر” الذي یفرض عقوبات صارمة على أي جھة سوریة أو غیر سوریة تساھم في عملیة الإعمار قبل التوصل الى حل سياسي متوازن.
– في السلة الأمیركیة رزمة اجراءات اقتصادیة وسیاسیة ودبلوماسیة وعسكریة للضغط على سوريا، منها استغلال تفاقم الأزمة الاقتصادیة في لبنان من أجل خفض قیمة اللیرة السوریة، وتراجع الجانب المعیشي.
– سیاسیًا، ستواصل واشنطن علاقاتھا مع المعارضة السیاسیة، والاتصال مع النازحین واللاجئین السوریین لتوحيد صفوفهم، إضافة إلى التنسیق مع الدول الداعمة لـ”المعارضة”، ضمن المجموعة التي تضم أمیركا وبریطانیا وفرنسا وألمانیا والسعودیة والأردن ومصر. وفي السیاق الدبلوماسي، تواصل واشنطن اتصالاتھا العلنیة والدبلوماسیة مع دول عربیة وأوروبیة لمنع التطبیع السیاسي والدبلوماسي مع النظام.
-عسكریًا تجمع أميركا سلة من الضغوطات، تشمل البنود التالية:
الأول: استمرار الوجود العسكري شرق الفرات برا، والحظر الجوي لدعم حلفاء واشنطن في “قوات سوریا الدیمقراطیة”، ومنع قوات الحكومة من السیطرة على ھذه المناطق، وحرمانھا من الموارد الطبیعیة، من نفط وغاز ومحاصیل زراعیة وسدود للمیاه والطاقة.
الثاني: استمرار بقاء قاعدة التنف لقطع طریق الإمداد بین طھران ودمشق، وتقدیم دعم لوجیستي للعملیات الخاصة الإسرائیلية .
الثالث: تقدیم دعم استخباراتي ودبلوماسي لتركیا في مناطق نفوذھا، ومواجھة قوات الحكومة وروسیا في إدلب، والبحث في إمكانیة الاستثمار في الفجوة بین موسكو وأنقرة جراء إدلب.
الرابع: مباركة الغارات الإسرائیلیة على دمشق وجوارھا، لتقویض “النفوذ الإیراني” في سوریا.
الاتجاه الغربي
يمسك الجانبان الأمیركي والأوروبي بوجود خمس أوراق ضغط:
1- المساھمة في إعادة إعمار سوریا.
2- التطبیع مع دمشق وشرعنة النظام.
3- العقوبات الاقتصادیة.
4- الوجود العسكري للتحالف بقیادة أمیركا في شرق الفرات.
5- السیطرة على الموارد الاستراتیجیة من نفط وغاز وثروات.
الاتجاه الغربي حالیا ھو الإمساك بھذه الأوراق حتى تغیّر دمشق سلوكھا بضغوطات من موسكو. الجدید ھنا، أن الوجود العسكري الأمیركي بات متجذرا في عقل الرئیس دونالد ترامب أكثر من أي وقت مضى لأجل امتلاك النفط وحمایته والدفاع عنه.
التوقعات الغربیة، أن المسار المقبل نحو دمشق ھو تصعید الضغوط ولیس تخفیفھا. عملیًا، یعني ذلك بطء مسار التطبیع العربي الدبلوماسي والسیاسي والاقتصادي، الثنائي والجماعي. تردد رجال الأعمال العرب في المساھمة في مشاریع الإعمار وتریث فتح خطوط الحركة البریة والجویة إلى دمشق تخوفا من العقوبات، وحذر دول أوروبیة من تسخین الطریق إلى دمشق (كانت ھنغاریا وقبرص أعلنتا نیة استئناف النشاط الدبلوماسي وألمحت روما إلى حوار مع دمشق).
الاتجاه الروسي
تعمل روسیا على مسارات عسكریة ودبلوماسیة واقتصادیة لتعزيز حضورها في سوريا، وهي تراهن على الوقت والإمساك العسكري بالأرض لتغییر الوقائع.. وتستغل مواعید أمیركا مع الانتخابات الرئاسیة نھایة العام وتحدیات أوروبا الداخلیة بفعل الھجرة والإرھاب والانقسامات.
ھناك حملة دبلوماسیة روسیة للتطبیع مع أوروبا، وإعادة دمشق إلى “العائلة العربیة”، والإفادة من قرب موعد الانتخابات الرئاسیة السورية في عام 2021.
أما التعاون الروسي ـ الأمیركي، فإنه لم یؤت ثماره سوریًا في الإطار السیاسي، باستثناء منع الصدام العسكري مع أمیركا، وغض الطرف عن القصف الإسرائیلي.
من الواضح أن مؤیدي الحل السياسي في سوریا یرون أن الفرصة مؤاتیة لانتزاع تنازلات جیوسیاسیة من دمشق تخص المسائل الشائكة منها تقلیص “النفوذ الإیراني” أو التوغل التركي أو التركیبة السیاسیة الداخلیة تحت وطأة انتشار “كورونا”.
لقد باتت سوریا تسبح بین ضفتین: الأولى، ھبوب ریاح تقارب سیاسي من البوابة الإنسانیة، الأخرى، استمرار الضغوط الدبلوماسیة والاقتصادیة والعسكریة. قد تختلف أھداف الطرفین من الضغوط أو الإغراءات، لكنھا تتفق إلى حد كبیر في أولویة مطالبة دمشق بالابتعاد عن طھران وتقدیم تنازلات سیاسیة داخلیة.
تحديات سورية روسية
راجت في الآونة الأخيرة تساؤلات حول موقف سوريا وروسيا من مسائل خلافية ملتبسة ومستجدة يجري حوار صعب حولها قبل حسم الخيارات المشتركة، منها:
– مواصلة دمشق الرھان على الحل العسكري ومواصلة القتال، حتى استعادة السیطرة على كامل الأراضي السوریة بما لا یتناسب دوما مع توجّھات موسكو .
– “عناد” الرئيس الأسد وعدم موافقته على تقدیم تنازلات سیاسیة، لكسب تأیید الأمم المتحدة لإعادة انتخابه في العام المقبل 2021. كما يستمر الخلاف بين الحليفين حول إعادة صیاغة الدستور السوري الجديد.
– محاولة دمشق عرقلة الاتفاق الروسي التركي حول إدلب، بينما تؤكد موسكو التزامھا بالاتفاق مع تركیا وتعرب عن ارتیاحھا لقیام تركیا بخطوات عملیة في طریق تنفیذ الاتفاقات.
اكتفت موسكو حتى الآن بإرسال إشارات للقیادة السوریة، ولكن لا یمكنھا التخلي عن الرئیس السوري، لأنه لا یوجد حلیف آخر مناسب لها في سوریا. وهكذا حافظت روسيا على الستاتیكو القائم، أي دعم الأسد رئیسًا، والدولة السورية في مناطق سيطرتها، ومن جهة اخرى تعزز التوافق مع تركيا. ھذا التسلیم الروسي بالدور التركي لا یختلف في الحقیقة عن التسلیم الروسي بالدور الإیراني في دمشق، والدور الأمیركي في المناطق الشرقیة.
وعلینا ألا نغفل أیضًا شبه التفاھم مع الكيان الاسرائيلي. ولیس خافیًا أن موسكو مرتاحة في إدارتھا للعبة وتوازناتھا، خاصة مع تعذر التوصل إلى حل حاسم جدي للانطلاق بحملة دولیة لإعمار سوریا، وإعادة المھجرین التي باتت متعثرة وأكثر صعوبة في ظل الظروف الاقتصادیة العالمية لا سیما المستجد منھا بسبب جائحة “كورونا”. وأقصى ما تھدف إلیه موسكو هو التزام كافة الأطراف بالخطوط المرسومة لھا، بانتظار التسوية عندما یحین أوان “صفقة رابحة”.
اقرأ المزيد:سيناريو كورونا الأسوأ.. خبراء أوبئة يتوقعون استمراره لعامين آخرين، ويصيب 70 % من سكان العالم
هل سيكون الوباء مدخلًا انسانيًا لحلول عجزت عنها المعارك العسكرية، أم سيكون حربًا جديدة تضاف الى الحروب العالمية التي تشن على سوريا؟
العهد-سركيس ابو زيد