الثلاثاء , نوفمبر 26 2024

تحضيراً لوجود طويل.. أميركا تعيد ترتيب “البيت الكردي” في سوريا

تحضيراً لوجود طويل.. أميركا تعيد ترتيب “البيت الكردي” في سوريا

علاء حلبي

خطوات عدة متلاحقة تجريها الولايات المتحدة لبسط نفوذها وتمتينه في المناطق النفطية في الشمال الشرقي من سوريا، عن طريق التمدد الأفقي وإعادة تفعيل الدوريات وتأمين طرق الإمداد، بالإضافة إلى محاولة “ترتيب البيت الداخلي” للأكراد، عن طريق إيجاد صيغة تضمن الاستقرار بين المكونات الكردية المنقسمة بين موال لكردستان العراق وتركيا، وبين أكراد “قسد” وجبل قنديل، في ظل التطورات الأخيرة في العراق والتي تخشى واشنطن أن تتطور وتصل إلى مناطق نفوذها ومصالحها في سوريا.

لقاءات ماراثونية تجريها الإدارة الأميركية خلال هذه الأيام بين مختلف الأحزاب والفصائل الكردية لإيجاد صيغة توافقية تضمن اقتناع جميع الأطراف بحصص في الإدارة السياسية والمحلية ضمن مناطق نفوذ الأكراد، آخرها اللقاءات التي أجراها المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا وليم روباك مع قيادات وممثلي مجموعة من الأحزاب الكردية في سوريا.

اللقاءات التي شملت ممثلين عن أكثر من 15 حزباً كردياً، بينها أحزاب فاعلة وتملك أذرعاً مسلحة، لم تصل حتى الآن إلى صيغة توافقية ترضي الجميع، في ظل بحث كل حزب عن حصة أكبر من “الكعكة” التي تقدمها الولايات المتحدة، إضافة إلى التداخلات الدولية في هذا الملف.

مصدر كردي سوري رأى في حديث إلى “180” أن الولايات المتحدة يهمها في المقام الأول قطع الطرق أمام أي تقارب بين الأكراد بمختلف مشاربهم والحكومة السورية، إضافة إلى تضييق الخناق على روسيا التي أصبحت تتمتع بثقل كبير جداً في الشرق السوري، خصوصاً أنها تمسك العصا من المنتصف عن طريق فتح خطوط تواصل بين جميع المكونات الكردية، سواء “المجلس الوطني الكردي” المرتبط بتركيا، أو حتى “قسد”.

ولا تعتبر هذه اللقاءات حدثاً طارئاً أو غير متوقع، حيث تأتي في سياق الجهود المتواصلة للتقريب بين المكونات الكردية، إلا أن توقيتها وضغوط واشنطن المتواصلة تكشف رغبة الولايات المتحدة في تأمين “البنية الداخلية” للمناطق التي توجد فيها قواتها، التي بدأت تتعرض لمضايقات بشكل متصاعد من قبل سكان القرى المحيطة بالمواقع النفطية، عن طريق رشق المركبات العسكرية الأميركية بالحجارة، أو حتى منع مرورها، وصولاً إلى المقاومة بالسلاح، رغم ندرة الأخيرة.

وخلال الشهور الماضية، أعادت الولايات المتحدة الأميركية انتشارها في الشرق السوري بعد فترة وجيزة على الانسحاب من قواعد عدة، إثر قرار البيت الأبيض الانسحاب من سوريا، قبل أن يتراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن قرار الانسحاب، ويعلن رغبته استثمار حقول النفط السورية، الأمر الذي شكل بمجمله مرحلة جديدة.

وخلال فترة “الفراغ” التي ولدها قرار الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا، والذي تزامن مع تقدم القوات التركية وقضم مناطق يسيطر عليها الأكراد، وعدم تقديم واشنطن أية مساعدات لـ “قسد”، تمكنت روسيا من توسيع انتشارها في المنطقة، وأقامت قواعد عديدة، مستفيدة من علاقاتها القوية مع تركيا من جهة، وقنوات التواصل التي بنتها مع مختلف المكونات الكردية في المنطقة، بالإضافة إلى علاقتها مع القوات الحكومية السورية، الأمر الذي أضاف ثقلاً كبيراً للوجود الروسي، ما أثار قلق واشنطن، لتعود على الفور وتحاول “استيعاب الموقف” بشكل يضمن لها تحصين وجود قواتها، وضمان “استثمار” النفط السوري وبيعه من دون أية معوقات أو تهديدات تكون كلفتها البشرية والسياسية أكبر من المكاسب الاقتصادية من هذه الآبار.

أزمة قنديل

تسود حالة من القلق والتوتر في الأوساط الكردية في العراق وسوريا، منذ نحو أسبوعين، بعدما ارتفعت حدة التصريحات السياسية المصحوبة بتطورات عسكرية وميدانية إثر تقدم قوات من “الحزب الديمقراطي الكردستاني” الذي يترأسه مسعود برزاني الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق، والذي تربطه بتركيا علاقات وثيقة، حيث قضمت القوات منطقة زينه ورتي التي يسيطر عليها “الاتحاد الوطني الكردستاني” الذي تربطه بإيران علاقات جيدة.

تعتبر المنطقة التي تقدمت إليها قوات “الحزب الديموقراطي” والتي يسيطر عليها “الاتحاد الوطني” منذ نحو 22 عاماً إثر اتفاق موقع بينه وبين “الديموقراطي”، عقدة “حساسة” خصوصاً أنها تعتبر بوابة جبل قنديل، معقل “حزب العمال الكردستاني”. هذا التقدم تزامن مع قصف تركي على مواقع تابعة لـ”الكردستاني”، الامر الذي فتح الباب على مصراعيه أمام احتمالية وقوع صدام كردي متعدد الأطراف ضمن منطقة حساسة جداً، خصوصاً بعد تلميحات رئيس اقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني إلى أن الهدف من هذه التطورات “مواجهة نفوذ حزب العمال”، ونزول مقاتلين من “الكردستاني” من مواقعهم إلى مواقع متقدمة في زينه ورتي، قبل أن تتراجع “البشمركة” عن حدة تصريحاتها وتضع هذا التقدم في خانة “ضبط التنقل لمكافحة انتشار وباء كورونا”.

هذه التطورات، والخوف من اشتعال فتيل الأزمة في العراق، انسحب إلى الساحة السورية التي شهدت توتراً ملحوظاً، في ظل العلاقات التي تربط الأحزاب الكردية في سوريا بأحزاب العراق، وأبرزها العلاقات التي تربط “الحزب الديموقراطي” (البشمركة) بـ “المجلس الوطني الكردي”، وعلاقات “حزب العمال” بـ “حزب الاتحاد الديموقراطي” الذي يقوده صالح مسلم، خصوصاً أن اقتتالاً كردياً كهذا من شأنه أنه يهدد “البيت الداخلي الكردي” الذي يعاني من تصدعات عديدة، إضافة إلى كونه قد يفتح الباب على مصراعيه أمام تركيا لقضم المزيد من المناطق الكردية.

من جهة أخرى، ترى قوى سياسية كردية أن ارتفاع منسوب التوتر والتهديد التركي لـ “حزب العمال” في معقله الرئيسي (جبل قنديل) قد يمثل فرصة لـ “تصفية الأجواء السورية” عن طريق انسحاب مقاتلي “حزب العمال” من سوريا إلى معقلهم التاريخي للدفاع عنه، الأمر الذي سيخفف من حدة الأوضاع السورية، وسيساهم في تحقيق توازن في الساحتين السياسية والعسكرية الكرديتين، وتقريب وجهات النظر بين القوى الكردية، وسط اتهامات لقيادات “حزب العمال” بالوقوف وراء السياسات الاقصائية التي تمارسها بعض الأحزاب والقوى، وأبرزها “حزب الاتحاد الديموقراطي”.

خطة واشنطن

على الرغم من استفادة الولايات المتحدة الأميركية من الانقسامات الكردية بشكل كبير، والتي بدت واضحة في سوريا من خلال التشكيلات العسكرية “قسد” التي مهدت الأرض للقوات الأميركية وضمنت مناطق نفوذها دون تكاليف بشرية، يبدو أن واشنطن ترى في هذه الانقسامات مشكلة في الوقت الحالي، حيث تبحث عن طوق آمن لقواتها ولمصالحها النفطية، الأمر الذي تعكره هذه الانقسامات.

ووفق ما تسرب من اللقاءات التي تجريها الولايات المتحدة مع الأحزاب الكردية، تركز واشنطن بشكل رئيسي على سحب البساط من تحت “قسد” وتفكيكها بشكل غير مباشر وإعادة تركيبها مرة أخرى، عن طريق إنشاء تشكيلات كردية – عربية مهمتها حماية المناطق النفطية، بالإضافة إلى إيجاد صيغة مُرضية لجميع القوى السياسية تضمن مشاركة الجميع في “الإدارة الذاتية” ضمن نظام محاصصة يقوم على مبدأ وجود تمثيل سياسي في الإدارة يوازي القوة العسكرية والحضور السياسي لكل حزب.

وتواجه الولايات المتحدة في مشروعها مجموعة من المعوقات أبرزها المنافسة الروسية الشديدة في المنطقة، ونفور قسم كبير من العشائر لأسباب بعضها يعود إلى أحداث حرب العراق حيث اتخذت العشائر العربية موقفاً رافضاً للغزو الأميركي، وأرسلت الكثير من أبنائها لمقاومته، بالإضافة إلى الخلافات التاريخية الكبيرة بين بعض العشائر والأكراد.

كذلك، تواجه واشنطن مشكلة تتعلق بإصرار تركيا على إقصاء “حزب الاتحاد الديموقراطي” من المشهد السياسي، وتصعيد “المجلس الوطني الكردي”، الأمر الذي لا تخفيه أنقرة، وهو ما تسبب بفشل المفاوضات الجارية بين الأحزاب الكردية حتى الآن.

أمام هذه المعطيات، يبدو أن الأكراد أمام تغييرات مستقبلية مفصلية ستساهم بقضم “نفوذهم” العسكري خصوصاً مع تخلي واشنطن بشكل متواتر عن “قسد” كقوة عسكرية، وإنشاء تشكيلات موازية لحماية المصالح الأميركية النفطية، بالإضافة إلى التصعيد التركي المتواصل ضد “حزب العمال الكردستاني” في العراق و “حزب الاتحاد الديموقراطي” في سوريا، ورغبة واشنطن إبعاد أنقرة عن الحضن الروسي، ما يعني “حرق” الورقة الكردية تدريجياً، وضياعها في خضم صراعات ومصالح الدول الكبرى.

180post