الاستثمار في الإرهاب
وضاح عبد ربه
نظرياً وإعلامياً وفِي المجالس الدولية، تبدو كل دول العالم مجتمعة في محور مكافحة الإرهاب، ويومياً نستمع لتصريحات المسؤولين الغربيين والعرب عن ضرورة اجتثاث الإرهاب ومكافحته ومنعه من التمدد، وسط توصيف غامض متعمد للإرهاب وللإرهابيين، والكل على مزاجه ووفقاً لمصلحته أو مصلحة شركائه.
فبمفهوم الغرب اليوم للإرهاب، وعلى سبيل المثال لا الحصر، بات بإمكاننا وببساطة اعتبار الجنرال شارل ديغول من أكبر إرهابيي العصر، لكونه تجرأ وحمل السلاح وقاوم الاحتلال الألماني لبلده! وبمفهومهم أيضاً يمكن توصيف بني سعود مجتمعين بحمائم سلام وبالمدافعين الشُّرْسين عن حرية واستقلال وسيادة الدول، ولعل عدوانهم على اليمن خير مثال على نبل هؤلاء في الدفاع عن القانون الدولي و«اجتثاث» الإرهاب من أساساته، أي منذ السنوات الأولى بعد ولادة الإرهابي المفترض، تم تدمير البنى التحتية والمباني الأثرية، لكيلا ينعم «الإرهابيون» بأي مقومات للحياة أو أي هوية أو تاريخ تدل على أنهم أبناء حضارة عربية أو غير عربية!
لا مجال هنا للاسترسال بازدواجية المعايير الغربية للتعامل مع الإرهاب، فالأمثلة كثيرة، وبات التعامل مع الإرهابيين اليوم بلا خجل وبلا قناع وبالعلن، ولعل المثل الأكثر سطوعاً أمامنا هو كيف ينظر الغرب إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي لو كانت هناك عدالة دولية وقانون دولي فاعل، لكان المطلوب رقم واحد في العالم لما ارتكبه من جرائم في سورية وداخل تركيا وفِي العالم، وربما من سخرية القدر والقاع الذي وصلنا إليه في العلاقات الدولية، أن أردوغان يقدم نفسه اليوم على أنه أيضاً شريك في محاربة الإرهاب من خلال التوغل في الأراضي السورية وقتل السوريين، واحتلال أراضيهم، في واحدة من أكبر أكاذيب العصر التي اخترعها أردوغان ذاته وروجها، وصمت العالم تجاهها، وأطلق عليها اسم «غصن الزيتون»، في محاولة للالتفاف على جرائمه من خلال «التسمية» على أقل تقدير.
أردوغان المعروف دولياً بأنه أكبر داعم للإرهاب ومن كبار مستثمريه والمستفيدين منه، هو من فتح حدود بلاده ليجتازها الآلاف من الإرهابيين من مختلف أنحاء العالم، ليقتلوا عشرات الآلاف من السوريين، ثم فتح لهم الأبواب من جديد ليعودوا إلى دولهم وينفذوا عمليات إرهابية في قلب أوروبا ليبتز حكوماتها في ملف شراكة بلاده معهم وانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي! وكان ولا يزال الراعي الأول لتنظيم داعش ولجبهة النصرة والتنظيمات الإرهابية التي ولدت من رحمها.
هذا هو أردوغان، الإرهابي الأول الذي يطمح اليوم إلى احتلال جزء من الأراضي السورية لتنفيذ خطته القديمة التي رفضت عالمياً بإحداث «مناطق آمنة» على حدوده، مستخدماً مرة جديدة «الإرهاب» كمسوّغ لما يرتكبه من جرائم في محيط عفرين، وسط صمت عالمي وأممي يتطابق مع حالة ازدواجية المعايير التي باتت سائدة في العالم ومفضوحة.
وسط كل هذا التلاعب الإعلامي ولعبة المصطلحات التي برع الغرب فيها، بات لزاماً علينا أن نوثق كل الجرائم التي ارتكبت ولا تزال ترتكب باسم «مكافحة الإرهاب»، وبات من واجبنا فضح ممارسات الغرب في تعامله مع الإرهابيين وقادتهم الحقيقيين من رؤساء دول وملوك وأمراء وممولين، فالمعروف دولياً وإنسانياً، أن أي شخص يحمل السلاح في مواجهة دولته ويقتل الأبرياء هو إرهابي، وهذا التوصيف لا لبس فيه ولا غموض، لكن بعد انطلاق الحرب على سورية انقلبت المفاهيم والمعايير، وبات العالم كله يؤيد مكافحة الإرهاب لكن وفق رؤيته الخاصة لهذا الإرهاب التي تحقق مصالحه حصراً! فبتنا نشاهد إرهابيين يتجولون في شوارع جنيف، وآخرين مدعوين إلى أروقة الأمم المتحدة، وزعماء وقادة الإرهاب تمد لهم السجادة الحمراء في كبرى عواصم العالم، وجميعهم يستخدمون مكافحة الإرهاب مطية لجرائمهم، على حين يحاصر ويعاقب كل من جد وعزم على محاربة الإرهاب وانتصر عليه.
الإرهاب بات «لعبة بعض الأمم»، وسيستغرق الأمر سنوات طويلة قبل أن يحاسب ويحاكم كل من دعم واستثمر في الإرهاب، ولهؤلاء الأمم قواعد بينها أهمها: الاستمرار في المضي قدماً في إنجاز مشروع تقسيم المنطقة العربية وتحويلها إلى كانتونات وطوائف تتنازع حتى لو تعثر وفشل، وحماية قادته وأدواته لكيلا ينفضح دور السيد الأميركي الأكبر والمؤسسات التي تخطط وتنفذ، وكل ذلك طبعاً تحت مسمى «مكافحة الإرهاب» الذي أوجدوه وأسسوا له هم ذاتهم.
الوطن