الأحد , نوفمبر 24 2024

كورونا: “عرفت إصابتي بالمرض من رئيس الدولة عبر شاشة التلفزيون”

كورونا: “عرفت إصابتي بالمرض من رئيس الدولة عبر شاشة التلفزيون”

عانت سيتا تياسوتامي من حمى شديدة وغثيان وسعال جاف، وظهرت عليها جميع الأعراض الواضحة التي تشير إلى إصابتها بفيروس كورونا، وعلى الرغم من ذلك، وأثناء وجودها بمستشفى بالعاصمة الإندونيسية جاكرتا، لم تُشخّص حالتها المرضية، ولا والدتها، ماريا دارماننغسي، التي دخلت للعلاج في نفس المستشفى.

كانت تياسوتامي ووالدتها في غرفتين منفصلتين داخل المستشفى، تنتظران بفارغ الصبر نتائج اختبارات اكتشاف فيروس كورونا، وإذا بالرئيس الإندونيسي يدلي بتصريح صادم للكل.

قال الرئيس جوكو ويدودو، خلال مؤتمر صحفي بثه التلفزيون للأمة، إن مواطنتين إندونيسيتين ثبتت إصابتهما بفيروس كورونا، وهما أول حالتي إصابة مؤكدة في البلاد.

وأضاف الرئيس أن المريضتين، سيدة تبلغ من العمر 64 عاما وابنتها البالغة من العمر 31 عاما، وتتلقيان العلاج في مستشفى للأمراض المعدية في جاكرتا.

وأكد المؤتمر الصحفي، الذي عقد خارج القصر الرئاسي، أن فيروس كورونا وصل إلى إندونيسيا، ولا مفر من ذلك.

دفع تصريح الرئيس الإندونيسي، الذي بُث على شاشات التلفزيون في المستشفى، تياسوتامي ووالدتها إلى عدم التصديق، إذ تحدث ويدودو عن مريضتين في نفس المستشفى الذي تتلقيان العلاج فيه، مشيرا إلى أعمارهما، وأعراضهما المرضية، وتاريخ الاتصال بينهما.

ولم يذكر الرئيس اسم المريضتين، لكنه لم يكن مضطرا لذلك.

شعرت تياسوتامي بطنين يعصف برأسها، وسألت ممرضة إن كان المستشفى يعالج حاليا أي مرضى آخرين مصابين بفيروس كورونا، وعندما أجابت الممرضة بـ “لا”، كانت الحقيقة مؤلمة.

وقالت تياسوتامي لبي بي سي: “كنت في حيرة من أمري، كنت غاضبة وحزينة، لم أعرف ماذا أفعل، فالأمر تداولته جميع وسائل الإعلام.”

“البداية”

كانت تياسوتامي، قبل تشخيص حالتها، تعمل راقصة محترفة ومديرة للفنون المسرحية، وبعد تشخيص حالتها، أصبح تحديد هويتها ينحصر في كلمتين تصفان وضعا مخزيا: “الحالة الأولى”.

سرّب أحد الأشخاص سجلاتها الطبية، فأصبحت في غضون ساعات، وجها لوصول فيروس كورونا إلى إندونيسيا.

بدأت الحالة المرضية عندما شعرت تياسوتامي في البداية بألم في حلقها، واعتقدت أنه ليس هناك ما يدعو للقلق. وفي صباح يوم 17 فبراير /شباط، استيقظت على أعراض كانت أكثر من مجرد علامات على الإصابة بمرض عادي.

ومرضت والدتها دارماننغسي، أستاذة الرقص في معهد جاكرتا للفنون، في وقت لاحق خلال نفس الأسبوع، وساءت حالتها الصحية بعد عرض راقص في 23 فبراير/شباط، وشعورها بـ “إعياء شديد”.

ذهبت الأم وابنتها لإجراء فحوص طبية في مستشفى محلي في ديبوك، على مشارف جاكرتا.

وشخّص الطبيب في البداية حالة الأم على أنها إصابة بمرض التيفوس، وهو مرض بكتيري ينتشر عن طريق القمل أو البراغيث، بينما شخّص حالة الابنة على أنها التهاب رئوي قصبي.

وقالت تياسوتامي: “طلبنا الخضوع لاختبار اكتشاف فيروس كورونا، ورفضوا طلبنا لأن المستشفى لم يكن فيه الإمكانات المناسبة في ذلك الوقت”.

أُحتُجزت الأم وابنتها في المستشفى في 27 فبراير/شباط، ولم تعلمان أن مسببات المرض تغزو خلاياهما، وبعد نحو 24 ساعة، عرفت تياسوتامي معلومة صادمة من صديقة اتصلت بها وأخبرتها بأن امرأة يابانية، جاءت نتائج فحصها إيجابية الإصابة بفيروس كورونا، حضرت نفس الحفل الراقص.

لم تعرف تياسوتامي المرأة اليابانية، لكنها فهمت خطورة تشخيصها.

وقالت تياسوتامي: “لهذا السبب أصررت مرة أخرى وطلبت من الطبيب إجراء الفحص.”

وافق الأطباء هذه المرة على طلبها، ونُقلت هي ووالدتها إلى مستشفى “سوليانتي ساروسو” للأمراض المعدية في جاكرتا، وخضعتا لاختبار مسحة اكتشاف فيروس كورونا.

“ردود فعل غير متوقعة”

توقعت تياسوتامي ووالدتها أن يخبرهما الطبيب بنتائج الفحص، لكن بدلا من ذلك، قرأ الرئيس ويدودو تشخيص حالتهما على الملأ في الثاني من مارس/آذار، وكانت مفاجأة لهما كما كانت مفاجأة للبلد.

مرت بضعة أيام قبل أن تعرف تياسوتامي ووالدتها أنه بمقتضى القانون، في حالة تفشي المرض، يجب إبلاغ الرئيس أولا بالتشخيص قبل المريض.

وقال أحمد يوريانتو، المتحدث باسم الحكومة الإندونيسية، لبي بي سي إنه ليس هناك خطأ في إعلان الرئيس الأمر أمام الجمهور، فقانون الصحة لعام 2009 ينص على عدم حرية تصرف المريض في الحالات التي تأخذ صبغة الصالح العام. وأكدت بيفيتري سوزانتي، وهي خبيرة قانونية في جاكرتا، أن إعلان الرئيس صحيح من الناحية القانونية.

وردا على سؤال يتعلق بإن كان ذلك هو الإجراء الصحيح الذي ينبغي عمله، بالنظر إلى الحماية القانونية للسجلات الطبية؟ قالت سوزانتي: “لا أعتقد ذلك”.

وسواء كان الإجراء صحيحا أم لا، فقد دفع هذا الإعلان المريضتين إلى دائرة الضوء، وفي غضون ساعات، سُربت رسائل تظهر الأحرف الأولى والعنوان الكامل والسجلات الطبية للحالة الأولى (تياسوتامي) والحالة الثانية (دارماننغسي) وتداولها مستخدمون على نطاق واسع على تطبيق واتسآب.

وكان رد الفعل على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، في ظل ترويج معلومات خاطئة عن حياة المريضتين، قاسيا ولا رحمة فيه.

وقالت راتري أنيندياجاتي، شقيقة تياسوتامي الكبرى، لبي بي سي: “انتقدوا سيتا (تياسوتامي) وألقوا عليها باللائمة في جلب الفيروس إلى إندونيسيا، وألقوا عليها باللائمة بسبب فقدانهم وظائفهم، أو الانفصال عن عائلاتهم”.

عقد الجمهور محاكمة لتياسوتامي، على الرغم من أنه من المحتمل وجود حالات إصابة بفيروس كورونا في إندونيسيا قبل الثاني من مارس/آذار، بيد أن الحكومة نفت صحة ذلك.

وكانت دراسة أجرتها جامعة هارفارد قد أشارت في أوائل فبراير/شباط إلى أنه يمكن أن تكون هناك “حالات لم تُكتشف” في البلاد، لها صلة وثيقة بالصين، التي ظهر فيها الفيروس أول الأمر.

وتعد إندونيسيا الآن واحدة من أشد دول منطقة جنوب شرق آسيا تضررا بالفيروس، حيث سجلت حتى الآن نحو 12 ألف حالة إصابة فضلا عن تسجيل نحو 900 حالة وفاة.

وإن كان غير معروف على الإطلاق أصل ظهور فيروس كورونا في إندونيسيا، إلا أن السجلات تقيد الحالة الأولى والثانية.

وقالت تياسوتامي: “قبل تشخيص حالتي، كان لدي أقل من ألفي متابع على إنستغرام، لم يكن من بينهم شخص يرسل لي رسالة كراهية، لكن في غضون أيام (بعد تشخيص حالتي)، ارتفع عدد المتابعين إلى 10 آلاف شخص، وكان الأشخاص يعلقون على كل شيء، لاسيما صوري وأنا أرتدي ملابس رقص مثيرة وكاشفة”.

وحث الرئيس ويدودو، في الثالث من مارس/آذار، المستشفيات ومسؤولي الحكومة على احترام خصوصية مرضى فيروس كورونا، لكن الضرر كان قد وقع بالفعل.

“ثقافة إلقاء اللوم على الضحايا”

كانت التعليقات غير الدقيقة التي أدلى بها وزير الصحة الإندونيسي، تيراوان أجوس بوترانتو، أكثر من درس، إذ أشار الوزير خلال مؤتمر صحفي في الثاني من مارس/آذار، بالخطأ إلى أن الحالة الأولى (تياسوتامي) أصيبت بالمرض من مواطن ياباني، “صديق مقرب”، أثناء الرقص في ملهى ليلي في جاكرتا، وأطلقت تعليقات الوزير العنان للخيال.

وقالت تياسوتامي إن ثمة تقارير كاذبة تشير إلى أن “الشخص الياباني كان صديقا مقربا وكان (يستأجرني) “.

وأضافت: “حُوِّرت قصتي كثيرا، وظن الناس الظنون”.

ولم يستجب وزير الصحة لطلب التعليق على الأمر.

وقالت تياسوتامي إن وسائل الإعلام يجب أن تتحمل أيضا مسؤوليتها عن الطريقة التي أعلنت بها تشخيص حالتها.

وأضافت: “توجد ثقافة إلقاء اللوم على الضحايا”.

وحث تحالف الصحفيين المستقلين، إحدى المنظمات المعنية بحرية الصحافة، وسائل الإعلام على تجنب نشر تقارير “مثيرة” واحترام خصوصية مرضى فيروس كورونا.

وتعتقد تياسوتامي أن وسائل الإعلام تجاوزت حدودها، وتقول إنها شعرت أثناء مشاهدة التلفزيون في المستشفى، أن المراسلين “يقصفون” منزلها.

واضطر جميع من كانوا في منزل تياسوتامي إلى إجراء اختبار اكتشاف فيروس كورونا، بما في ذلك شقيقتها الكبرى، أنيندياجاتي، مديرة فنية تبلغ من العمر 33 عاما، تعيش في فيينا، وأصيبت بالمرض وتعافت بعد وصوله إلى إندونيسيا لقضاء عطلة في أوائل فبراير /شباط، بعد أن أكدت الاختبارات شكوك أنيندياجاتي بالفعل، وانضمت إلى أسرتها في العزل في نفس المستشفى، وهي معروفة باسم الحالة الثالثة في إندونيسيا.

وباستثناء بعض المضاعفات، مرت فترة النقاهة بسلاسة، إلى حد ما، بالنسبة للمريضات الثلاث.
“فرصة ثانية في الحياة”

خرجت أنيندياجاتي وتياسوتامي من المستشفى في 13 مارس/آذار، بعد قضاء 13 يوما في العزل، وكانت لحظة سعيدة لكنها مفعمة بالحزن، إذ تحتم بقاء والدتهما في المستشفى لمدة ثلاثة أيام أخرى حتى تتعافى بالكامل، ولم تشعر الأم بالوحدة، بعد أن حافظت الابنتان على صحبتها، وإن كان ذلك عن بعد.

قالت السيدات إن التجربة غيرت حياتهن إلى الأبد، وأضافت الأم دارماننغسي: “أشعر بأن لدي فرصة ثانية في الحياة”.

وتدعم الأسرة العائلات قليلة الحظ، فضلا عن تقديمهن المشورة لكل من يطلب منهن ذلك، كما تبرعن بدمائهن لإجراء الباحثين تجارب على ابتكار علاج محتمل لفيروس كورونا.

أصبح المرض أكثر تفشيا في البلاد، وهن ثلاثة فقط من بين آلاف الأشخاص الذين انقلبت حياتهم رأسا على عقب بسبب المرض في إندونيسيا، فضلا عن استمرار وصمة العار.

وقالت تياسوتامي إن شخصا نعتهن في رسالة قبل بضعة أيام بـ “شيطانات”.

وتحاول أنيندياجاتي تجاهل الكراهية، بالتركيز على الجانب الإيجابي.

وقالت: “على الأقل عندما تأكد تشخيص حالاتنا، ساعد ذلك الحكومة على اتخاذ إجراءات.”

جوشوا نيفيت بي بي سي