متى سيكون الردّ المناسب على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة في سوريا؟
شارل أبي نادر
تتكرَّر الاعتداءات الإسرائيلية في سوريا على مواقع الجيش العربي السوري أو على مواقع حلفائه وتحركاتهم، من المستشارين الإيرانيين أو حزب الله اللبناني. ومع ازدياد وتيرة هذه الاعتداءات مؤخراً بشكل أكبر مما شهدناه خلال السنوات الأخيرة من الحرب على سوريا، وتوسّع رقعتها من جنوب سوريا نحو شمالها وشرقها، يبقى لافتاً أننا لا نشهد رداً مناسباً على تلك الاعتداءات، باستثناء البعض منها، إذ يتم إسقاط عدد غير بسيط من الصواريخ المعتدية قبل وصولها إلى أهدافها.
فما هي أسباب هذه الاستراتيجية في عدم الرد المناسب، والتي يعتمدها الجيش العربي السوري وحلفاؤه من الإيرانيين وحزب الله؟ وهل سنشهد تبديلاً في هذه الاستراتيجية ليكون هناك رد مناسب؟
في الواقع، الرد المناسب على أي اعتداء يُترجم عادة بعمل عسكري أو دبلوماسي من خلال شكوى في الأمم المتحدة. وبما أننا نتكلم عن استباحة صهيونية تتجاوز الأمم المتحدة ومجلس الأمن والقانون الدولي، إذ إنّ هذه المؤسسات الأممية غير معنية، ومنذ فترة طويلة، بما تقوم به “إسرائيل”، لا في سوريا، ولا في لبنان، ولا في فلسطين المحتلة، ولا في أي دولة عربية وغير عربية من الدول غير المؤيّدة للكيان الغاصب، ومقاربة هذه المنظّمات الدولية رضوخاً معروفة تاريخياً في ما خص ما يقوم به الكيان الصهيوني، لذلك، نذهب باتجاه أن الرد المناسب على الاعتداءات الإسرائيلية يجب أن يكون عسكرياً.
تتوزّع عناصر الرد العسكري المناسب بين الرد الموضعي على القاذفات وعلى مرابض إطلاق الصورايخ المعتدية فوق سوريا أو لبنان أو شرق المتوسط، أو من الممكن أن يمتد الرد إلى الجولان السوري المحتل، فعادة ما تكون تلك المنطقة السورية المحتلة الاستراتيجية منصة شبه دائمة وقاعدة انطلاق ثابتة لهذا الاعتداءات، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، قد يكون الرد العسكري المناسب عبارة عن استهداف مماثل للعمق الصهيوني في فلسطين المحتلة.
في الحالتين، هناك ثغرة تقنية عسكرية أساسية لا يمكن تجاوزها، تتعلق بالفارق الكبير بين قدرات العدو العسكرية وإمكانياته المتطورة وقدرات محور المقاومة في سوريا أو خارجها، وخصوصاً لناحية القاذفات التكتيكية والاستراتيجية الإسرائيلية التي تعتبر من الأولى عالمياً في مستواها التقني العسكري، الأمر الذي يحتّم الذهاب في هذه المواجهة، والمتعلقة حصراً بالرد على الاعتداءات الإسرائيلية، نحو معادلة ردع وتوازن رعب، تقوم على امتلاك ونقل وتخزين قدرات وأسلحة نوعية تستطيع أن تشكل توازناً مقبولاً في الردع، يجبر العدو على وقف اعتداءاته.
إزاء هذا الفارق في القدرات، لا يمكن القول إن محور المقاومة في سوريا يستسلم أو يرضخ، فهو يتحضَّر ويتجهز ويعمل بشكل متواصل لتحضير الرد المناسب، وبتوقيت مناسب، يختاره هو، من دون أن ينجر إلى التوقيت الذي تحدده “إسرائيل”، حيث للأخيرة حساباتها الخاصة داخلياً أو إقليمياً أو دولياً.
من هنا تبدأ معركة محور المقاومة في سوريا نحو الرد على الاعتداءات الإسرائيلية، حيث تقوم في أساسها على امتلاك أسلحة نوعية قادرة على تحقيق الردع وجمعها وتخزينها وتجهيزها، من صورايخ بر – بر، أو صواريخ بر – بحر، أو ساحل – بحر، أو طائرات مسيّرة، وهذا هو ما يقوم به محور المقاومة في سوريا ومحيطها.
هذا التحضير الذي يقوم به محور المقاومة يمكن اعتباره، ومن ضمن هذه الحرب المفتوحة، مرحلة أساسية لا يمكن تجاوزها أولاً، إذ لا يمكن القيام بأي إجراء عفوي ناتج من رد فعل غير مدروس، وفي توقيت غير مناسب، وثانياً، وربما هذا هو الأهم، أن هذا التحضير يجب أن يكون مكتملاً وفاعلاً، حتى يتم الدخول في مواجهة مضمونة أو على الأقل مؤذية للعدو بشكل رادع.
انطلاقاً من ذلك، يمكن اعتبار ما يحدث اليوم في سوريا معركة قائمة فعلياً بين العدو الإسرائيلي ومحور المقاومة، وعناصر هذه المعركة هي أنها من جهة تقوم على استهدافات إسرائيلية متواصلة وعنيفة لكل ما يعتبرون أو يشكون بأنه نقل أو تحريك أو تخزين لأسلحة نوعية لمحور المقاومة، ومن جهة ثانية تقوم وحدات محور المقاومة بتكديس كلّ ما يمكن أن يساهم في إكمال معادلة الردع وتوازن الرعب وجمعه وتجهيزه.
من الناحية العملية، ربما يجد محور المقاومة أن في إطالة الوقت قبل الرد بعض الإيجابيات، منها تجهيز أكبر وأكثر فعالية للقدرات النوعية، والعمل على إبقاء “إسرائيل” متوترة بشكل دائم، أولاً بانتظار الرد، وثانياً من فكرة تزايد قدرات محور المقاومة. والاحتمال الأخير يبقى هاجساً أساسياً للعدو وأكبر وأشد تأثيراً من هاجس: متى يكون الرد؟
من هنا، وحيث لا خيار لـ”إسرائيل” إلا استمرار استهداف كل تحرك أو نقل أو تمركز تشكّ فيه، في سوريا أو في محيطها، رغم خطر الانزلاق نحو المواجهة الواسعة، إذ إن تكديس القدرات النوعية في سوريا يُعتبر مرحلة أساسية من معركة محور المقاومة، فإننا سوف نشهد تكراراً وتواصلاً لهذه الاعتداءات، بوتيرة متغيّرة أحياناً، تبعاً لحزمة المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية.
ومن جهة أخرى، لا خيار لمحور المقاومة حالياً إلا الاستمرار، وبحذر، في عملية تكديس القدرات، وبأكبر قدر ممكن، استعداداً للمواجهة، مع الابتعاد عن الرد غير الملائم على الاعتداءات الإسرائيلية، مع المخاطرة الدائمة بحصول خسائر وارتقاء شهداء، وحيث من الطبيعي أن هناك قراراً بالمواجهة والرد، وإلا لماذا تعريض المواقع والعناصر والكوادر والقادة للاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة؟ تبقى النقطة الأساس هي توقيت قرار الرد ومستواه ومكانه.
الميادين