الروزنامة الزراعية في سورية هي التي تحسم الفرق في الأسعار وليس التصدير؟
من علائم التطور الاقتصادي في أي بلد هو التصدير, والذي في سبيله تشتعل حروب بين الدول الكبرى للسيطرة على الأسواق العالمية , ومن أجله تخفض الولايات المتحدة الأمريكية قيمة عملتها في مواسم منتجاتها الرئيسية كي تغزو بها الأسواق التصديرية وكذلك منافستها الصين، ومن أجله تدعم تركيا صادراتها لتنافس المنتجات السورية في العراق باعتباره السوق الرئيسي للمنتجات السورية وخاصة الحمضيات والخضار وحتى الالبسة.
وفي سبيله تمنع الاردن أيضاً استيراد المنتجات السورية عندما تبدأ مواسم منتجاتها الشبيهة، وفي سورية انتعشت الزراعة المحمية وزرعت آلاف الهكتارات بمنتجات معينة كي تنجز تفوقا في التصدير، فالتصدير يشكل أولوية عند كل الدول وتتغنى بأرقامه ومستوياته لانه دليل قوة وليس ضعف .
لنتسأل هنا – وفي هذه السطور – كيف حاول البعض لدينا –وبشكل مستغرب – تسويق التصدير وتقديمه على أنه سبب بلاء المواطن وسببا في ارتفاع الأسعار.
بشكل شمولي وأوسع علينا أن نتفق أنّ التصدير هو انعكاس وسبيل لتعافي الاقتصاد السوري خاصة في الظروف الحالية التي يمر بها، وبالتالي يجب أن يأتي التصدير كأولوية أساسية في عمل الإدارة الاقتصادية للبلاد عبر العمل على توفير كل مسببات تعظيم الصادرات في الميزان التجاري يما ينطوي عليه من ازدهار للانتاج من زراعة وصناعة بل بما ينطوي عليه من سيادة وقدرة على مواجهة الحصار لأن البلد الذي يستطيع أن ينتج ويصدر هو بلد محرر من التبعية الاقتصادية على الأقل تستطيع سورية انجاز التحرر من التبعية الغذائية , فسورية بلد يأكل مما ينتج منذ عقود طويلة ، وهي بلد يُطعم أيضا، وهي أيضا الخزان الغذائي للكثير من الدول المجاورة وفي الحقيقةكانت هناك تقارير صحفية قد تحدثت على أن تأثيرات كورونا في بعض دول الجوار ستسبب ضغطا على سورية لجهة تأمين الغذاء لهذه الدول ؟
سورية بلد زراعي وكل الدراسات الاقتصادية تؤكد أن مستقبل هذه البلاد في أرضها التي تكاد تنتج كل شيء ، وعمليا كل المحاصيل الزراعية التي تصدرها سورية هي من فوائض انتاجية أصلاً, و لطالما كانت عدم القدرة على تصديرالفوائض واحدة من مشاكل الزراعة السورية التي انتقلت من حكومة الى أخرى، لنجد أنفسنا اليوم وقد بدأت ماكينة التصدير بالعمل نجد من ينبذ التصدير ويرفضه بل ويساويه بالتهريب لكن لماذا .. وهو التفصيل الذي نود التركيز عليه في هذه السطور :
لأن هناك من يعتقد أن الأسعار خارج الروزنامة الزراعة يجب أن تكون نفسها خلال الروزنامة الزراعة.
الجميع يريد أن يأكل بندورة محمية بنفس سعر البندورة في موسمها وعندما لم يتحقق الأمر قاتلو التصدير في بلد عليه أن يحشد كل الإمكانيات كي يعود الى الأسواق التصديرية و يفتح واحداً من أهم أبواب تدفق القطع الاجنبي إلى اقتصاده ؟
الجميع اشتكى من ارتفاع أسعار الليمون ومعروف أن الكميات تبدأ بالتراجع الحاد في نهاية شباط عندما يبدأ المعروض يقل فترتفع الأسعار .
أصلا الذي حدث هذا العام أن موسم الحمضيات ظفر أخير بحركة نشطة للتصدير خاصة الى العراق نتيجة فتح معبر البوكمال بالتزامن مع ظهور حركة اهتمام ومواكبة بأصول التغليف والتعبئة والالمام بشروط الأسواق المستهدفة .
الآن كلنا يعلم أن الروزنامة الزراعية هي الزراعة الموسمية وليست الزراعة المحمية، مثلا روزنامة البندورة تكون في شهر 7 وروزنامة الحمضيات بنهاية شهر 10 وبالتالي أسعارها تكون رخيصة أما خارج الروزنامة الزراعة فتكون التكاليف عالية وبالتالي ستطرح في الأسواق بسعر أعلى هذا ما يحدث مع البطاطا أيضا والبصل والفاصولياء وغيرها من الخصراوت التي ينتظر الجميع مواسمها كي ترخص فيستهلكوا حاجتهم ويتم تصدر الفائض .. أصلا هذه هي عادات الغذاء عند السوريين تاريخيا ؟ . مع الاشارة هنا أن هناك خضراوات تستورد في غير مواسمها ولاتزرع محمية وتكون أسعارها عالية أيضا لأنها خارج الموسم ومستوردة ؟
ببساطة شديدة الزراعة المحمية في سورية من الزراعات المهمة واستطاعت أن تحتل سمعة جيدة في العديد من الأسواق التصديرية اليوم بندورة بانياس تطلب بالاسم في مولات موسكو وفي العراق وتنافس بقوة وتتمتع بسمعة طيبة ففي دول الخليج على سبيل المثال هناك طلب عالي عليها بسبب نوعيتها الممتازة وأسعارها المنافسة بل إن أهم ما يميز الخضراوات السورية هي أنها تتمتع بمذاق طيب لذلك تبدو مرغوبة جدا على الموائد.
من هنا نستطيع أن نقول أن ظهورالخضراوات حتى الفواكه في الاسواق المحلية مرتفعة الأسعار غالبا ما يكون سببه أنّ الزراعة المحمية أعلى من حيث التكاليف مقارنة بالزراعة الموسمية ولكن ما زاد من شدة الغلاء هو ضعف القدرة الشرائية من جهة و ارتفاع تكاليف الانتاج فكما هو معروف البندورة المحمية تقوم على جملة من عوامل ومدخلات انتاج اغلبها مستورد ” السماد والبلاستيك الخاص بها ومعدات السقاية ” كلها مستوردة , اي وبكل بساطة ستكون أسعار المنتج النهائي مرتفعة ولولا التصدير لن يكون هناك جدوى من الزراعة المحمية خاصة في هذه الظروف . بمعنى أن صاحب البيت البلاستيكي اذا لم يكن لديه هناك فرصة مؤكدة للتصدير لن يزرع لأنّ تكاليفه لاتناسب القدرة الشرائية في السوق المحلية إلا ضمن نطاق ضيق وهذا ما لاحظناه ولمسناه جميعا , وعلينا أن نتذكر أنه في سنوات ماضية ضربت الزراعة المحمية ومعها فوائض الزراعات الموسمية ورميت في الارض بسبب عدم وجود منافذ للتصدير” كلنا يتذكر أكوام الحمضيات المرمية عندما أصبح التخلص منها أوفر من بيعها “و أيضا هذا ما واجه البندورة ومنتجات أخرى.
اليوم ومع بدء التعافي الاقتصادي نتيجة تبني الدولة لسياسة دعم الصادرات و دعم الشحن و فتح المعابر مع أهم الاسواق ونقصد العراق والخليج عبر الاردن فقد بدأنا نشهد انتعاشا في التصدير لايمكن تجاهله خاصة وأن المعلومات الأولية تشير الى أنّ سورية صدرت كميات كبيرة وبأرقام مهمة لابد أنه سيتم لحظ حضورها في أرقام التجارة الخارجية خاصة هذا العام والعام الماضي .
الانتعاش لم يطل فقط الخضراوات بل منتجات أخرى اعتادت سورية على زراعتها بكميات كبيرة لغاية تصديرها كالعدس والحمص والفول والبازلاء واليانسون والشعير وحتى الاجبان والالبان ومعها الكثير من المنتجات الصناعية والحرفية في قائمة طويلة بدأت بالاتساع فعلا في مؤشر على استعادة سورية لمكانتها التصديرية.
انطلاقا من ذلك يتأكد لنا أن ارتفاع الأسعار في الاسوق المحلية لاعلاقة له بالتصدير ” الذي يعد من مقومات قوة الاقتصاد ” بل الغلاء سببه ونقولها مرة اخرى جملة من الظروف المركبة تتعلق أولا بانخفاض القدرة الشرائية للمواطن وبظروف أخرى تتعلق النقل وارتفاع تكاليفه وارتفاع تكاليف مدخلات الانتاج وغيرها من الأسباب التي خلقتها وتكفلت بها عشر سنوات من الحرب والحصار في آن معا وحيث من المهم العمل على استيعابها والعمل على معالجتها ضمن السياسة الاقتصادية الكلية في البلاد ونعتقد أن الانتاج سواء الزراعي أو الحيواني أو الصناعي والحرفي سيكون جسر البلاد للانتقال الى الضفاف الآمنة اقتصاديا ومنع أي انهيار تحت وطأة الظروف التي يمر بها العالم من كساد وأزمات مالية .
فليكن التصدير وقبله الانتاج هو الخيار لبلد كسورية كل مقومات قوته تكمن في داخله في أرضه وموارده وكوادره .
إذا ان التصدير هو قطع أجنبي وحالة اقتصادية صحية بالمطلق خاصة في بلد كسورية و كل منتج تستطيع سورية تصديره هو علامة فارقة يجب دعمها وتعزيزها وزيادة قدرتها التنافسية.
و لانريد أن نركز على البندورة في حديثنا عن أهمية التصدير ولكن من المهم أن ندرك أن هناك روزنامات زراعية يجب على الجميع معرفة مواعيدها بدقة ومعرفة فروقات الاسعار التي تخلقها أيضا بدقة ؟
في كل مرة نزاوج فيها بين التصدير والتهريب فنحن بذلك نمعن في أذية اقتصادنا وتشويه مفرداته ؟
B2B-SY
اقرأ أيضا: المالية: تأجيل أقساط قروض الدخل المحدود قيد الدراسة
شاركنا تعليقك على هذه المقالة في صفحتنا على موقع فيسبوك