الحرب الناعمة الأميركيّة تستهدف العلاقات الروسيّة السوريّة الإيرانيّة
حسن حردان
تصاعدت في الآونة الأخيرة وتيرة الحرب الأميركية الناعمة التي تعمل على استهداف العلاقات التحالفية الاستراتيجية بين روسيا وسورية، وروسيا وإيران. وهي العلاقات التي تعمّدت بدماء الجنود السوريين والروس والإيرانيين الذين سقطوا في ميادين الحرب ضدّ جيوش الإرهاب الأميركية الصهيونية التركية والعربية الرجعية، التي حاولت يائسة إسقاط الدولة الوطنية السورية المستقلة وتحويل سورية إلى بلد تابع لدول الغرب الاستعماري بقيادة أميركا، في سياق خطة استعمارية للقضاء على محور المقاومة في المنطقة، وإعادة تشكيل خريطتها وفق منظور المشروع الاستعماري الأميركي الغربي الصهيوني، وصولاً إلى إعادة تعويم المشروع الأميركي للهيمنة على العالم والقرار الدولي ومحاصرة كلّ من إيران وروسيا والصين وإحباط جهودهم لإنهاء هيمنة القطب الأوحد الأميركي لمصلحة بناء نظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب يقوم على التعاون والتشارك واحترام قوانين ومواثيق الأمم المتحدة…
لقد أدركت واشنطن أنّ حربها الإرهابية بالوكالة فشلت في تحقيق أهدافها، وأنّ شنّ الحرب العسكرية المباشرة ضدّ سورية دونها مخاطر كبيرة، عسكرية وسياسية وتكاليف مالية، لا تستطيع الولايات المتحدة تحمّل نتائجها في ظلّ الأزمة المالية والاقتصادية التي تعاني منها بعد فشل حربها في العراق وأفغانستان وتكبّدها خسائر جسيمة… ولهذا وجدت واشنطن انّ السلاح الأخير الذي تملكه لمحاولة عدم الخروج من سورية خالية الوفاض مهزومة عسكرياً وسياسياً، إنما هو سلاح الحرب الناعمة، التي تشمل الحرب الاقتصادية والمالية والنفسية المصحوبة بحرب إعلامية تستهدف النيل من عناصر قوة سورية وتحالفاتها التي أسهمت معها في تحقيق الانتصارات على جيوش الإرهاب… وذلك من خلال محاولة:
أولاً، إثارة الفتنة بين روسيا وسورية من جهة، وبين وإيران وروسيا من جهة ثانية… في سياق رهان أميركي صهيوني على دق إسفين بين سورية وحلفائها الأساسيين في حربها الوطنية ضدّ قوى الإرهاب العالمية…
ثانياً، خلق مناخ سلبيّ في الداخل السوريّ اتجاه العلاقة مع روسيا وإيران والتشكك بصدقية موقفهما الداعم لسورية…
في هذا السياق روّجت وسائل الإعلام الأميركية الغربية، وتلك التي تدور في فلكها، روّجت لخلافات روسية سورية وإيرانية روسية… زاعمة وجود تنافس إيراني روسي على النفوذ في سورية، وانّ سورية لا تملك استقلالية قرارها، وانّ موسكو تتجه إلى تغيير استراتيجيتها في سورية، وانّ موسكو باتت تشعر بأنّ استمرار دعمها للرئيس الأسد قد يقود إلى خسارة الإنجازات التي راكمتها في سورية منذ عام 2015…
والمفارقة أنّ كلّ ذلك، جاء عشيّة تطبيق الولايات المتحدة الأميركية “قانون سيزر”، الذي ينص على فرض عقوبات على كلّ مَن يتعامل مع الحكومة السورية أو يوفّر لها التمويل، بما في ذلك أجهزة الأمن، والمصرف المركزي السوري، بهدف:
١– زيادة ضغوط الحرب النفسيّة على المواطنين العرب السوريين، في محاولة لتأليبهم ضدّ دولتهم ورئيسهم وتحميله مسؤولية الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية التي يعانون منها بفعل الحرب الإرهابية والحصار الإرهابي الاقتصادي الأميركي الغربي…
٢– إضعاف موقف القيادة العربية السورية ودفعها الى تقديم تنازلات لإنهاء الأزمة في سورية والمنطقة، أو أبعد من ذلك، فقد يكون الهدف الأميركي، هو محاولة إعادة إنعاش الرهان على إسقاط الدولة الوطنية السورية برمّتها، بعد نجاح الجيش العربي السوري وحلفائه، في استعادة غالبية أراضي البلاد من المجموعات الإرهابية المسلحة…
وما خلق شكوكاً وبلبلة في أوساط الرأي العام وبعض النخبة قيام قناة “روسيا اليوم” بإجراء سلسلة مقابلات خاصة مع فراس طلاس، أجراها معه الصحافي العراقي سلام مسافر… الذي أتاح المجال لطلاس للإساءة إلى الرئيس الأسد والتحريض على الفتنة المذهبية والطائفية والعرقية… وهو ما أثار موجة انتقادات شديدة في أوساط الإعلاميين والمثقفين في سورية والدول العربية… دفع السلطات الروسية إلى الطلب من إدارة “روسيا اليوم” حذف مقابلات طلاس عن موقعها على اليوتيوب…
غير أنّ بعض النخبة وقع في شرك الحرب الناعمة الأميركية الصهيونية، عندما أطلقوا مواقف تندّد بالقيادة الروسية… من دون أن يدركوا انّ قناة “روسيا اليوم” يوجد فيها إعلاميون موظفون بينهم سلام مسافر، معيّنون من قبل السعودية وقطر اللتين تملكان أسهماً في القناة بنسبة 49 بالمئة… وانّ ما جرى من تحريض على القيادة السورية لا يعكس الموقف الرسمي الروسي، وأنّ ما يُشاع عن تبدّل في موقف روسيا تجاه سورية والرئيس الأسد لا أساس له من الصحة…
إنّ أيّ متابع ومدقق في طبيعة العلاقات الروسية السورية والروسية الإيرانية لا بدّ أن يدرك بأنها قائمة على أسس متينة واستراتيجية… وليست آنية كما هي العلاقات الروسية التركية والروسية الإسرائيلية… وذلك للأسباب التالية:
السبب الأول، انّ الحرب الإرهابية على سورية، لو قدّر لها النجاح في تحقيق أهدافها في السيطرة على سورية، كان سيجري نقلها إلى داخل الاتحاد الروسي للعبث بوحدته ونسيجه الاجتماعي وبالتالي إشعال حروب إرهابية في شوارع موسكو والمدن الروسية… في سياق الهدف الأميركي لمنع روسيا من استعادة مكانتها العالمية كدولة كبرى ندية للولايات المتحدة..
وبالتالي فإنّ قرار القيادة الروسية في دعم سورية وجيشها في الحرب ضدّ قوى الإرهاب لم يكن فقط للدفاع عن أمن وسيادة واستقلال سورية، وإنما كان أيضاً، وبالدرجة الأولى، دفاعاً عن الأمن القومي الروسي… وهو أمر كان قد أشار إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر من مرة عند الحديث عن الدوافع التي جعلت روسيا ترسل قواتها إلى سورية…
أضف إلى أنّ العلاقة الروسية السورية تقوم على تحالف البلدين ضدّ الهيمنة الأميركية والإرهاب…
كما أنّ القاعدة الروسية الوحيدة في المياه الدافئة على البحر الأبيض المتوسط موجودة في مدينة طرطوس السورية منذ أيام الحرب الباردة وظلت وتعززت وباتت اليوم الى جانب قاعدة حميميم في اللاذقية تشكل عامل قوة عزز موقف كلّ من سورية وروسيا في مواجهة القوة الأميركية والتركية.. ومكّن موسكو من استعادة دورها الدولي والحدّ من الهيمنة الأميركية.. والدفاع عن مصالح روسيا الاقتصادية في المنطقة والعالم..
السبب الثاني، انّ العلاقة الروسية الإيرانية في سورية إنما تقوم على الأسس والثوابت نفسها التي تقوم عليها العلاقة الروسية السورية، من محاربة الإرهاب الذي يهدّد أمن البلدين، ومواجهة الهيمنة الأميركية والسعي إلى بناء نظام عالمي متعدّد الأقطاب يحترم سيادة واستقلال الدول… هذا هو الأساس الذي بُنيت عليه العلاقات بين البلدين وتوطّدت مع الأيام حتى أخذت مؤخراً بعداً استراتيجياً يشمل التعاون في المجالات كافة..
من هنا فإنّ تصعيد الحرب الناعمة ضدّ سورية إنما يستهدف إضعاف عوامل القوة السورية، والتي عزّزت صمودها ومكّنتها من تحقيق الانتصارات على قوى الإرهاب وجعلت سورية تقترب من لحظة إعلان النصر النهائي.. وصولاً إلى الضغط على القيادة السورية لجعلها ترضخ وتقدّم التنازلات للولايات المتحدة الأميركية مقابل وقف الحرب الناعمة وتسهيل الحلّ السياسي وإنهاء الحرب الإرهابية… وأهمّ عوامل القوة السورية المستهدفة والتي مكّنتها من الصمود وتحقيق الانتصارات تكمن في:
العامل الأول، الاقتصاد السوري الذي شكل ببنيته الإنتاجية الزراعية والصناعية لا سيما في مجالات تأمين الغذاء وصناعة الدواء، الى جانب التقديمات الاجتماعية التي تقدّمها الدولة، شكل عاملاً مهماً في صمود الشعب السوري والتفافه حول الموقف المقاوم للدولة الوطنية السورية برئاسة الرئيس بشار الأسد…
العامل الثاني، العلاقات التحالفية الاستراتيجية التي تربط سورية مع كلّ من روسيا الاتحادية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي ترسّخت وتعززت في ميدان القتال المشترك في مجابهة أشرس حرب كونية عرفها التاريخ…
انطلاقاً مما تقدّم يجب التصدّي لهذه الحرب الناعمة وفضح أهدافها الخبيثة والمسمومة… فالمعركة باتت في النهايات وتحوّلت إلى معركة عضّ أصابع، من يصمد فيها يظفر بالنصر النهائي، وليس أمام سورية وحلفائها من سبيل سوى الصمود وتعزيز وتحصين مكتسباتهم وإحباط مخططات الولايات المتحدة الهادفة الى محاولة أن تحقق بالحرب الناعمة الاقتصادية والإعلامية والنفسية ما عجزت عن تحقيقه في حربها الإرهابية بالوكالة، وفشلت قبل ذلك في تحقيقه بواسطة حروبها المباشرة في العراق وافغانستان ولبنان…