السبت , نوفمبر 23 2024
خفايا وخبايا الموساد عن إيلي كوهين: “رجُلنا في دمشق”

خفايا وخبايا الموساد عن إيلي كوهين: “رجُلنا في دمشق”

خفايا وخبايا الموساد عن إيلي كوهين: “رجُلنا في دمشق”

زهير أندراوس:
بثت قناة (مكان) التلفزيونيّة-العبريّة أمس الأحد الحلقة الأخيرة من الفيلم الوثائقيّ “المُقاتل 566” عن الجاسوس إيلي كوهين ، دون أنْ تُعطي إجابةً واضِحةً كيف تمّ الكشف عنه؟ كما أنّ “الموساد” في تعقيبه على ما ورد في الفيلم رفض تحمّل المسؤولية عمّا جرى، وكيف تمّ اعتقال كوهين، ولماذا بعد مرور 55 عامًا من إعدامه في العام 1965 بالعاصمة السوريّة، ما زال الجهاز الاستخباراتيّ يتمسّك بالرواية القديمة بأنّ قيام كوهين بالبث المُكثّف من دمشق خلال أربع سنوات، هو الذي أدّى إلى تمكّن المخابرات السوريّة من التعقّب والكشف عنه واعتقاله.
نتان سولومون، المدرّب الأمنيّ الذي مرّن كوهين في الموساد، قال إنّه كان صعبًا على الجهاز تجنيد كوهين في البداية، لأنه لم يكُن مستعدًا بما فيه الكفاية، وبعد أنْ أجروا له تدريبًا ميدانيًا، وكان هناك تقدير موقف يفيد بأن الجهاز قد يستغني عن مهامه في بعض الأوقات بسبب تعرضه لضغوطٍ مُتزايدةٍ، وأضاف أنّه بسبب رفضه التعامل مع الـ”موساد” تمّت إقالته من عمله بطلبٍ من جهاز الاستخبارات، ليقع في الفخّ الذي نصبه له الـ”موساد”.
الفيلم أجرى في الحلقة الأخيرة، أمس الأحد، لقاءً أخيرًا مع سولومون، والذي لم ينفِ بالمرّة أنّ جاسوسًا، لم يُكشَف النقاب عن هويته، تمكّن من دخول (الموساد)، ووصل إلى مراتب عاليّةٍ في الجهاز، لافِتًا في الوقت عينه إلى أنّه في نفس الشهر الذي اعتُقل فيه كوهين بسوريّة، تمّ اعتقال أربعة جواسيس آخرين في دولٍ عربيّةٍ، وفي مُقدّمتها مصر، حيث نشر التلفزيون مقابلةً قديمةً مع الجاسوس الإسرائيليّ في مصر بعد انتهاء قضيته باللغة الإنجليزيّة، أكّد فيها أنّ المخابرات المصريّة اكتشفت أمره بسبب جاسوسٍ رفيع المُستوى كان يعمل في (الموساد)، مُضيفًا أنّ الجاسوس في مصر كان رقمه 567 في حين كان رقم كوهين 566.
عُلاوةً على ذلك، أشار سولومون في حديثه إلى أنّ رئيس المخابرات السوريّة في وقت اعتقال كوهين، أحمد سويدان، نشر مذكّراتٍ عن القضيّة، أورد فيها رسائل مُشفرّة كان كوهين قد أرسلها عبر جهاز الإرسال السريّ إلى مُشغليه في تل أبيب. وقال سولومون: كان هناك تطابقًا كامِلاً بين ما نشره سويدان وبين ما أرسله كوهين، مُضيفًا أنّه بعد البثّ يقوم الجهاز بشطب الرسالة، فكيف حصل رئيس المخابرات السوريّة على النصّ الأصلي؟ ويُجيب سولومون إنّ أحد أعضاء الاستخبارات الإسرائيليّة، وهو على ما يبدو كان مسؤولاً رفيعًا، قام بتزويد السوريين بالرسائل المُشفرّة، التي تؤكّد وجود جاسوسٍ يعمل لصالح الأنظمة العربيّة في الموساد الإسرائيليّ، على حدّ تعبيره.
وقال شقيق الجاسوس كوهين، الذي يعمل منذ إعدام إيلي في دمشق على ما أسماه بـ”كشف الحقيقة”، قال للتلفزيون إنّه وجد في أرشيف الجيش الإسرائيليّ نُسخةً من صحيفةٍ سوريّةٍ نشر فيها رئيس المخابرات السوريّة مذكّراته عن قضية الجاسوس، مُضيفًا أنّ جهةً إسرائيليّةً “مجهولةً”، قامت بتمزيق الصفحات من عدد الجريدة الوحيد، الذي كان في الأرشيف، الأمر الذي يؤكِّد بحسبه أنّ خناك في تل أبيب مَنْ أراد إخاء الحقيقة، على حدّ قوله.
جديرٌ بالذكر أنّ تبادل الاتهامات الإسرائيليّة حول كوهين يتمحور بين فرضيتين: هل تساهل كوهين في حذره، كما يدعي الموساد، أم أنّ الجهاز ذاته تهاون في تأمين جانب الاتصالات مع عميله المقيم في سوريّة، طبقًا لأقواله.
بالإضافة إلى ما ذُكر أعلاه، أكّد أمير غيرا، في مقالٍ نشره على موقع قناة (كان) أنّ رئيس جهاز الموساد آنذاك مائير عميت أوضح في تسجيلاتٍ وردت على لسانه عقب القبض على كوهين، أنّ الجهاز لم يرتكِب أخطاءً في التعامل معه من خلال التواصل، لقد تمّ إلقاء القبض عليه لأنّه تهاون في إجراءاته الأمنية، وشعر بثقةٍ زائدةٍ في تحركاته واتصالاته، هنا وقع الخطأ الذي لم يستطع استدراكه، قال الكاتب غيرا.
ابنة كوهين صوفي بن دور، التي كانت في الخامسة من عمرها، عندما تمّ إعدام أبيها، انتقدت رواية الموساد، لأنّها تكتفي باتهام كوهين بوقوع الخطأ، مع العلم أنّ جهاز الموساد والدولة بأسرها كانت تريد استخدامه، والاستفادة منه حتى النهاية، لو لم يتم كشفه، كما قالت للتلفزيون العبريّ.
مهما يكُن من أمرٍ، فإنّه يُمكِن تلخيص الفيلم الوثائقيّ الإسرائيليّ والقول إنّ كوهين، الذي كان يُعتبر بقرةً مُقدّسةً بنظر الإسرائيليين، قيادةً وشعبًا، وبطلاً من الأبطال الذي قُتِلوا بسبب حُبّهم لدولتهم، لم يعُد كذلك، بعد أنْ طفا على السطح الخلاف الرئيسيّ بين الموساد وأفراد عائلته، وبات الجاسوس كوهين، عُرضةً لنقاشٍ مسعورٍ داخل الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة، واللافت أنّ الحلقة الأخيرة من الفيلم، التي تمّ بثّها أمس، كان عنوانها: هل تصرّفات كوهين هي التي أدّت لاعتقاله وإعدامه، أيْ أنّ الحيِّز المُتاح لـ”حريّة التعبير عن الرأيّ” في إسرائيل يبقى محدودًا عندما يتعلّق الأمر بالأجهزة الأمنيّة وعملياتها السريّة؟.

إقرأ أيضاً: واشنطن تهدد دمشق

رأي اليوم