صفر إصابات محلية… كيف نجحت تونس في السيطرة على فيروس كورونا؟
أعلنت تونس أنها لم تسجل منذ أيام أية إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد، باستثناء 17 حالة وافدة من المملكة العربية السعودية، بينما تعاني دول العالم من تبعات انتشار الفيروس الذي حصد مئات الأرواح، فما سر نجاح هذا البلد المتوسطي في مجابهة كورونا؟
عن هذا الانجاز تحدث عضو اللجنة العلمية لمكافحة فيروس كورونا المستجد الدكتور الحبيب غديرة لـ”سبوتنيك” قائلا، إن تونس نجحت إلى حدود اليوم في السيطرة على وباء كوفيد- 19، اعتبارا إلى أن جميع الحالات الموجودة حاليا والمقدر عددها بـ 82 حالة هي حالات معزولة تحت الرقابة الطبية التي يخضع لها جميع المقيمين في مراكز الحجر الصحي الإجباري، وهو أمر يعتبره غديرة مطمئنا.
إجراءات استباقية
وأوضح غديرة لـ”سبوتنيك” أن هذا النجاح هو نتاج استراتيجية دقيقة اتبعتها تونس في مجابهة هذا الفيروس، مشيرا إلى أن استحداث المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة منذ سنة 2005 كان له دور هام في معاضدة جهود وزارة الصحة في السيطرة على هذا المرض، قائلا إن “المرصد يتضمن إطارات تكونت جيدا في التفاعل مع الأمراض الجديدة وهو ما سهل عملية التعامل مع هذا الفيروس المستجد”.
وأضاف غديرة أن الإجراءات الاستباقية التي اتخذتها السلطات التونسية أسهمت في تطويق المرض والسيطرة عليه، متابعا “تونس كانت من أول البلدان التي اتخذت قرار غلق المجال الجوي منذ تسجيل 47 حالة وافدة، كما كانت سباقة أيضا في اتخاذ قرار تطبيق الحجر الصحي الشامل وهذا النجاح يعود أيضا إلى السياسيين الذي سمحوا بتطبيق الإجراءات العلمية الاستباقية وهو عكس الخيار الذي اتخذته بعض البلدان الأخرى على غرار فرنسا التي غلّبت في البداية الجوانب الاقتصادية على الجوانب الصحية”.
ومن العوامل الأخرى المؤدية إلى هذا النجاح، يقول غديرة إن الخوف من الهشاشة الصحية أسهم أيضا في التسريع باتخاذ الاجراءات الوقائية، بالنظر إلى النقص الحاصل في المعدات الطبية، فتونس لا تمتلك مثلا سوى 240 سرير إنعاش موزعة على مختلف محافظات الجمهورية، بما يعني وجود سريريْ إنعاش فقط لكل 100 ألف مواطن، وهو معدل متدني جدا مقارنة بالمعدل العام للمتساكين.
وأضاف أن الحكومة أسهمت بدورها في إنجاح عملية مقاومة الوباء من خلال توفير الإمكانيات المالية لإجراء أكبر عدد ممكن من التحاليل المخبرية التي تم تدعيمها لاحقا بتحاليل التقصي السريع، فضلا عن تدعيم الإدارات الجهوية للصحة وتشريكها في الخطة الوطنية لمجابهة فيروس كورونا.
الاستعداد للمرحلة المقبلة
وأوضح عضو اللجنة العلمية لمكافحة فيروس كورونا المستجد أن فرضية الرجوع إلى الدورة الاقتصادية وفتح الحدود تدريجيا لاستقبال التونسيين المقيمين في الخارج والسياح الأجانب سيكون خطرا على الوضع الصحي في البلاد، مؤكدا أن وزارة الصحة تعمل على تفادي موجة ثانية لمرض كوفيد- 19 من خلال فرض إجراءات حازمة وصارمة.
وتابع “من أهم الإجراءات الوقائية لتفادي موجات جديدة لانتشار الوباء هو الحجر الصحي الشامل، ونحن لم يعد لنا إمكانيات لتفعيله مرة أخرى، لأن المخزون المالي لتونس نقص فضلا عن أن الطاقة الاجتماعية والنفسية للمواطنين لم تعد قادرة على تحمل تبعات هذا الإجراء، وهو ما يحتّم علينا اتباع استراتيجية وقائية ترتكز على ثلاثة أسس، تتمثل في تقصي الحالات الموجودة باستخدام التحاليل المخبرية والتحاليل السريعة، إلى جانب توخي الصرامة مع الوافدين واخضاعهم إلى تحاليل مسبقة في البلدان التي قدموا منها، فضلا عن إخضاعها إلى الحجر الصحي لدى قدومهم إلى تونس تحسبا لإمكانية انتقال العدوى أثناء السفر”.
ويتمثل الإجراء الثالث وفقا لغديرة في تفعيل الوقاية التي ترتكز على ارتداء الكمامات واحترام التباعد الجسدي وغسل اليدين باستمرار، وهو ما يساعد على تقليص فرص انتشار الفيروس مرة أخرى، وفقا لقوله.
وأكد عضو اللجنة العلمية لمكافحة فيروس كورونا أنه في حال عدم احترام المواطنين لإجراءات الوقاية فإنه من الوارد أن تتوخى تونس استراتيجية جديدة تتمثل في حصر المناطق، موضحا أنه سيتم غلق المنطقة التي يتجاوز فيها عدد الإصابات 5 حالات، وفي حال انتشر الوباء مجددا في ثلاث مناطق فسيتم غلق المعتمدية، أما إذا سجلت إصابات في ثلاث معتمديات فستغلق المحافظة بأكملها.
وبيّن المتحدث أن المواطنين الذين يمتنعون مستقبلا عن تطبيق الإجراءات الوقائية سيتحملون عبء التبعات الاقتصادية والاجتماعية لفرض الحجر الصحي مجددا، مضيفا أنه من غير المعقول أن يتحمل شعب بأكمله مسؤولية عدم التزام متساكني بعض المناطق لضوابط الوقاية.
دور رقابي وتشريعي مهم
وعن الأسباب الأخرى التي قادت تونس إلى النجاح في مجابهة فيروس كورونا ومنع انتشاره، قال رئيس لجنة الصحة بمجلس نواب الشعب خالد الكريشي لـ “سبوتنيك”، إن:
“البرلمان التونسي لعب دورا هاما في كسب المعركة ضد مرض كوفيد- 19، من خلال تفعيل دوره الرقابي والتشريعي”.
وأوضح الكريشي أن لجنة الصحة بالبرلمان كانت سباقة في استدعاء وزارة الصحة في الحكومة السابقة منذ غرة فبراير الماضي ومسائلتها حول الإجراءات الاستباقية التي سيتم اتخاذها قبل دخول الفيروس إلى تونس، فضلا عن عقد جلسات استماع متتالية مع الوزارات المعنية لمتابعة الإجراءات التي تخص الجانب الصحي بدرجة أولى ثم الإجراءات الاجتماعية التي تهم المواطنين المتضررين من أزمة كورونا.
واستحسن الكريشي الاتصال المستمر للنواب بالمواطنين في الجهات الداخلية ومشاركتهم في الحملات التوعوية والتفقدية حول تجاوب المتساكنين مع قواعد الحجر الصحي الشامل ثم الحجر الموجه.
إلى ذلك قال الكريشي إن تونس سجلت نجاحا تشريعيا مهما ساهم في إنجاح الدور الطبي في مجابهة الفيروس، من خلال مناقشة مشروع المسؤولية الطبية الذي يهم القطاع الصحي بدرجة أولى، ثم المصادقة على بأغلبية تجاوزت الثلثين على مشروع القانون عدد 30-2020 المتعلق بالتفويض إلى رئيس الحكومة في إصدار مراسيم لمجابهة فيروس كورونا في 03 نيسان 2020.
مرحلة الإنعاش الاقتصادي
وعن الإجراءات التي ستتخذها تونس لتجاوز تداعيات هذه المرحلة الاستثنائية، قال الكريشي إن تونس تستعد لدخول مرحلة الانعاش الاقتصادي والاجتماعي، مؤكدا أن الحكومة بالتعاضد مع البرلمان ستسعى إلى تعويض الخسائر التي تكبدتها المؤسسات الاقتصادية وخاصة منها الصغرى والمتوسطة وأصحاب المهن الصغرى من خلال تدعيمها بمساعدات مالية لإعادتها إلى الدورة الاقتصادية من جديد، فضلا عن التفكير في سبل إنقاذ ما يزيد عن 160 ألف موطن شغل من المتوقع أن يتم فقدانها خلال الفترة المقبلة.
وبالنسبة للقطاع السياحي، أكد الكريشي أن الدولة خصصت ما قيمته 1500 مليون دينار لإنعاش القطاع باعتباره المجال الأكثر تضررا من أزمة كورونا نظرا إلى ارتباطه المباشر بحركة النقل الجوي والبري التي توقفت كليا منذ شهر آذار المنقضي، فضلا عن إعداد بروتوكول صحي خاص بالقطاع الصحي ممضى من طرف وزارتيْ الصحة والسياحة من أجل ضمان عودة سالمة للسياح التونسيين والأجانب، إلى جانب تخصيص مساعدات اجتماعية لفائدة أصحاب المؤسسات الصغرى وصغار الحرفيين والتجار والفلاحين الذين تضررت مهنهم بسبب تفعيل قرار الحجر الصحي الشامل.
وكان رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ قد أعلن في 20 أيار 2020 في كلمة توجه بها إلى التونسيين عن برنامج ‘الإنعاش الاقتصادي’ الذي ستركز عليه الحكومة بعد جائحة كورونا والذي ينص على سبع نقاط أساسية هي تعزيز السيادة الوطنية والأمن، الحفاظ على النسيج الاقتصادي، العمل على إنعاش القطاعات الأكثر تضررا، التقليص من البيروقراطية ورقمنة الإدارة، المحافظة على مواطن الشغل وتنمية الموارد البشرية ، حل المشاكل العالقة التي حالت دون انجاز المشاريع الكبرى، ومكافحة الفساد والقطع مع الإفلات من العقاب.
اقرأ ايضا: ارتفاع عدد الإصابات بفيروس “كورونا” في سوريا إلى 122
شاركنا تعليقك على هذه المقالة في صفحتنا على موقع فيسبوك