السبت , نوفمبر 23 2024

تصعيد في الشمال السوري ينعكس اقليميًا ودوليًا

تصعيد في الشمال السوري ينعكس اقليميًا ودوليًا

عبير بسّام

شهدت المنطقة والعالم في الآونة الأخيرة تغيرات كبيرة على المستوى الإقليمي والدولي، من المنافسة الأميركية – الصينية المتصاعدة؛ إلى كسر الجمهورية الاسلامية الايرانية للحصار الأميركي ووصول بواخر النفط الإيراني إلى فنزويلا؛ وزيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لمقر الحشد الشعبي، وانتهاءً بقانون قيصر، الذي يدخل حيز التنفيذ في منتصف شهر حزيران/ يونيو. ما يحدث من تطورات يوضع في خانة تحجيم الأميركيين ما يجعلهم في موقف ردّ الفعل، من أجل استعادة مكانتهم الضائعة كقادة للعالم الحرّ وغير الحرّ، بحسب المعايير الأميركية!

رسائل فهمها الأميركيون بوجوب مغادرة العراق، وهو ما أدى إلى إخلاء العديد من المواقع الأميركية من العراق، وإعادة التموضع وتوسيع قاعدة الشدادي في ريف الحسكة.

وأما قانون قيصر فهو لا يختلف عن مجموعة القوانين والعقوبات التي ابتكرتها الولايات المتحدة من أجل محاصرة الموقف السوري المبدئي بعدم السماح لكل من قاد الحرب على سوريا بالاستفادة من عملية إعادة الإعمار فيها. فالولايات المتحدة ومن خلال قانون قيصر تحاول شيطنة الاستثمارات الصينية وغيرها في سوريا. وتأمل من خلال الضغط على إيران انفجار الوضع نحو حرب تتورط فيها كل من الصين وروسيا. ومن أهداف التموضع الأميركي في الشدادي هو قطع الطريق أمام إيران غرباً باتجاه البحر المتوسط وهو أهم أسباب إعادة تفعيل “داعش”، واستمرار القصف الأميركي – الإسرائيلي، الذي يطال البادية السورية بحجة وجود منشآت أو مواقع إيرانية.

يمكن قراءة منحى سير الصراع الدولي والإقليمي من خلال الأزمة السورية وخاصة في إدلب وشرق الفرات. مصدر رسمي سوري يوضح في هذا السياق لموقع “العهد” بأن: “عمليات “داعش” في منطقة البادية الشرقية والغربية لمحافظة دير الزور التي تتم بالتنسيق مع قوات الاحتلال الأميركي المتواجدة في قاعدة التنف، لا تخرج عن إطار عمليات كرٍّ وفرٍّ هدفها بثّ الرعب في القلوب وكسب معركة إعلامية ترفع من معنويات التنظيم. كما أنّ المعلومات تجزم أن هناك تنسيقًا كاملًا ما بين تنظيم “داعش” الذي ينتقل عبر نقاط انتشار الميليشيات الكردية في شرق الفرات وشمال محافظة دير الزور. وقد تطور التنسيق بانضمام مقاتلين من “داعش” إلى صفوف الميليشيات الكرديّة.” وبحسب المصدر، فإن الاحتلال الأميركي عمد للتحشيد في الفترة الأخيرة ومرر قواته عبر معبر الوليد غير الشرعي من العراق، من أجل زيادة نفوذه في المنطقة لمجابهة قوة الحليف الإيراني لإرضاء “اسرائيل”، وأن الأميركي يعتقد أنه من خلال زيادة عديده يستطيع “كبح نفوذ الحليف الإيراني”.

لا يخفى على أحد أن بسط القوات الأميركية سيطرتها على حقول النفط والغاز في منطقة شرق الفرات يهدف إلى محاصرة المواطن السوري وإضعاف ثقته بدولته. حصار جاء عبر توافق أميركي – تركي بعد المحادثة الهاتفية الأخيرة ما بين ترامب وأردوغان في 23 أيار/ مايو، والتي سمحت للتركي بالاستمرار بسرقة النفط السوري بأبخس الأثمان، وتشديد الحصار على المزارعين السوريين في الحسكة وشرق الفرات عبر حرق حقول القمح ومنعهم من حصادها، أو الخَيَار بفرض خوّة بنسبة 30% من محصول القمح مقابل السماح بالحصاد. وهذا النوع من التعديات والسرقة يعد حاجة تركية، فهي بحسب “موقع العين” تستورد 70% من حاجتها للقمح من روسيا، وما تستورده تركيا يعتبر 45% زيادة عن انتاجها المحلي، والذي ينخفض في كل عام.

سرقة القمح والنفط السوريين بالتعاون ما بين قسد والأتراك تم عبر اتفاق أعلن عنه أردوغان في نهاية شهر آذار/ مارس، والذي ادعى فيه أنّه توافق مع روسيا حوله، والذي نفت الأخيرة علاقتها به، وبعد شهر اتضح أمر الاتفاق المزعوم عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عنه. ويبدو أن هذا الاتفاق سيدفع مصارف الجيش الأميركي في قاعدة الشدادي، وتكاليف “قوات سعد حداد” الجديدة في شرق الفرات. المصدر السوري الرسمي أكدّ معرفته التامة بما يحدث من سرقات للثروات من قبل الأميركيين والأتراك على حد سواء، وعن احتلال الحقول النفطية السورية في الرميلان والجبسة، ومحطات الغاز في كونيكو، بمساعدة الميليشيات الكردية، وزج أبناء بعض العشائر المتواجدة، التي أثبتت عمالتها لقوات الاحتلال الأميركي في مناطق شرق الفرات، في صفوف الميليشيات الكردية من أجل المكاسب المادية.

بالطبع لم يحدد حتى اليوم أي موعد لمعركة تحرير شرق الفرات، وهي تعتبر من أخطر المعارك بالنسبة للدولة السورية بمواجهة قوات الاحتلال الأميركية. وما يهم الدولة السورية حالياً هو تفادي الصدام المباشر ما بين الجيش السوري وقوات الاحتلال، ولكن: “في حال حصول معركة ولا نعلم ماذا تحمل لنا قادم الأيام، فإن ما نعرفه أن الجيش العربي السوري إذا عزم على دخول منطقة وتحريرها لن يخرج منها إلا منتصراً”، يقول المصدر الرسمي.

الانفجار القادم يلوح في الأفق عبر التحضيرات للعمليات القادمة في إدلب. فما يحدث من قبل الإرهابيين من خروقات لاتفاق الهدنة الأخير لا يقع خارج نطاق محاولات عمليات التسلل وهي عبارة عن سلسلة من العمليات الإرهابية المدفوعة الثمن، وقد ازدادت حدّتها بسبب اقتراب موعد الانتخابات في كل من روسيا وسوريا، فالمطلوب أميركياً تقوية المعارضة ضد الرئيس بوتين في روسيا، وإضعاف الثقة بالرئيس الأسد في سوريا. وبحسب المصدر الخاص فإنّ الأيّام القادمة وخاصة بعد الخامس من حزيران سوف تحمل تغييرات كبيرة، فالجولة القادمة، قادمة! اذ تنتهي في الخامس من حزيران المهلة المحددة لانسحاب القوات التركية وإرهابيها نهائياً من أتوستراد اللاذقية – حلب، المعروف بـ M4، وبحسب الاتفاق الذي عقد بين أردوغان وبوتين خلال لقائهما في 5 آذار/مارس الماضي، فالمهلة مدّتها 90 يوماً ويجب أن يتم بعدها الانسحاب. وبالتالي المعركة القادمة سيكون عنوانها “تحرير جسر الشغور”. ويؤكد المصدر الرسمي في هذا الاطار أن “معركة ادلب لم تلغ ولكن تم إيقافها مؤقتاً، إن لم يستطع التركي السيطرة على مرتزقته فستستأنف العمليات”.

وهذه الأجواء، يفرضها دولياً عاملان أساسيان: الأول، هو تزعزع الاقتصاد الأميركي الذي أنهكته جائحة كوفيد 19 بعد أن حطمه ترامب بقراراته الغبية بالخروج من جميع الاتفاقيات الاقتصادية وغير الاقتصادية الموقعة في زمن باراك أوباما؛ والثاني، الانتخابات الأميركية التي يحاول ترامب الفوز بها من خلال تحقيق ولو حتى إنجاز واحد: ابتداء من وعوده بضم أراضٍ فلسطينية وعربية لدولة “اسرائيل” وانتهاءً بهزيمة “محور الشر” – بالنسبة للأميركيين – الممتد من الصين إلى إيران وسوريا وفلسطين مروراً بروسيا.
العهد