السفيران السوري والروسي يتحدّثان عن موقف بلادهما من قانون “سيزر”
فاطمة سلامة
قبل تسع سنوات، بدأت الحرب الكونية على سوريا. وضعت واشنطن ومعها قوى غربية وخليجية كل ثقلها لقهر دمشق وإضعافها. الأهداف واضحة وجلية ولا تحتاج الى تفسير. المطلوب إخضاع سوريا بذنب التحالف مع المقاومة. الأخيرة تمكّنت من دحر الجيش الذي لا يقهر، ووقفت بكامل قوتها الى جانب فلسطين. من يقرأ في الحرب السورية، يُدرك جيداً أنّ هناك خطين متوازيين لا يلتقيان. أول يمثله محور المقاومة، وثان يمثله المحور المعادي لها. وما بين الخطين الكثير من المحطات عاشتها سوريا مع جيوش تكفيرية غذتها قوى الاستكبار ودعمتها، وجيوش إعلامية والكترونية دفعت الغالي والنفيس لتشويه الحقائق وقلبها. إلا أنّ سوريا تمكّنت بمساندة ومساعدة حلفائها من تسجيل الانتصارات ودحر فلول التكفيريين وغيرهم وكشف اللثام عن مختلف المؤامرات وفضحها. الصمود الأسطوري لسوريا والفشل العسكري الذريع لواشنطن في الوحل السوري دفعها الى البحث عن بدائل علّها تتمكّن من “تركيع” دمشق. ومن هنا جاءت فكرة قانون “سيزر” أو ما يُسمى بالـ”قيصر”. أرادت واشنطن من هذه المسرحية الجديدة تحصيل ما عجزت عنه في السياسة والعسكر عبر فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على سوريا وحلفائها.
فما هو قانون “سيزر”؟. كيف تقرأ سوريا هذا القانون الأميركي؟ وكيف تنظر روسيا اليه؟.
لمحة تاريخية
قانون “سيزر” أو ما يُسمى بالـ”قيصر” هو مشروع قانون صادق عليه مجلس النواب الأميركي في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016. نام ثلاث سنوات في أدراج الكونغرس قبل المصادقة عليه من قبل مجلس الشيوخ، وإقراره في كانون الأول عام 2019 ومن ثم نيله توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. يهدف القانون العتيد الى فرض عقوبات جديدة على كل من يدعم الحكومة السورية ماليا أو عينيا أو حتى تكنولوجيا. وينص على اتخاذ إجراءات ضد الجهات التي تدعم العمليات العسكرية للجيش السوري. تماماً كما ينص على تطبيق عقوبات على شركات أجنبية في حال تقديمها لأي دعم من أجل تحقيق انتصار عسكري سوري.
السفير السوري: القانون ليس جديداً..ولتحويل الحصار الى فرصة لا خناق
السفير السوري في لبنان علي عبدالكريم علي يؤكد في حديث لموقع “العهد” الإخباري أن الحصار الأميركي المتمثل بقانون “قيصر” ليس جديداً. برأيه، يشكّل هذا القانون حلقة تصعيدية ليس فقط تجاه سوريا بل لبنان والمنطقة، فنحن لا نرى فيه عدوانا حصريا على سوريا بل عدوانا يشمل كل المنطقة، ما يحتّم أن يكون الأشقاء في لبنان بصورة تداعياته من أجل البلدين. وفي هذا الصدد، يُثمن السفير السوري القراءة العميقة التي عبّر عنها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله قبل فترة – وهو لم يكن يتحدث عن “قيصر”- ولكن كان يتحدث عن مصلحة البلدين ومصلحة لبنان بشكل خاص كونه بدون الانفتاح على سوريا لا يستطيع الوصول الى العراق والخليج والعالم، وبالتالي فإنّ مصلحة البلدين في التكامل والتصدي للاستحقاقات من منظور القوة وليس الخوف من الضغوط. ويوضح علي أنّ سوريا وبهذا الاطار واجهت ارهاباً هو الأشرس في تاريخ البلدان والشعوب. إرهاب متعدد الجنسيات والأسلحة، وصمدت حتى رأينا حلقات الانتصار تتكامل، وهذا يحتاج الى إدارة موارد، بمعنى أن تواجه سوريا هذا الحصار عبر تصعيد الفاعلية لكل القوى الانتاجية الداخلية بالتعاون مع الحلفاء والاصدقاء والاشقاء، راجياً أن يتحول هذا الحصار الى فرصة وليس الى خناق كما تريد أميركا.
أميركا تتخبّط ومصلحتنا في عدم الإذعان لقرارتها
ويُشدّد علي على أنّ أميركا تتخبّط وتُجرّب كل أنواع العقوبات والغطرسة والانتهاك للقانون الدولي وحقوق الانسان. طبعاً هي تدعي رفع شعارات وتعمل عكسها تماماً. وفي هذا الاطار، يرى علي أن مصلحة الدول في المنطقة وشعوبها في عدم الاذعان لقرارات أميركا. الاذعان والخوف منها يسيء الى شعوبنا، ويعطي فرصة للعدوان الأميركي وواجِهته “اسرائيل” في التصعيد، وهذا ما لا يجب أن نسمح به خاصة أن أميركا مرتبكة في مواجهة الصين ومتوترة في مواجهة الداخل الأميركي وأنتم ترون الانفلات الأمني والاجتماعي. كل هذه الظروف يفترض أن تقرأ ونحن نواجه هذا القانون. ويلفت السفير السوري الى أنّ هناك إمكانية كبيرة لدول المنطقة لإيجاد مخارج لأزماتها المتنوعة، وهناك مصادر قوة لهذه البلدان اذا ما تكاملت وقرأت ما يحصل بمنطق السيادة. وهنا يتمنى علي أن يكون لبنان منسجماً مع الخطاب الغيور الذي عبرت عنه قوى وطنية لبنانية.
سوريا التي صمدت لسنوات لن تساوم
وفي معرض حديثه، يُشدّد علي على أنّ سوريا التي صمدت كل هذه السنوات ولم تساوم ليست في وارد المساومة أو التنازل. ورداً على سؤال حول ما اذا كانت أميركا ستفشل في تحقيق ما عجزت عنه عسكرياً، يجيب علي بالقول “نحن لا نتحدث فقط بالمواقف النظرية والارادة والنوايا. سوريا والقيادة السورية في مراجعة نقدية مستمرة ومفتوحة، وفي إعادة نظر دائمة لمواجهة كل الاستحقاقات. وفي هذا الاطار، لا يجب أن نطمئن ونستكين. هناك تحديات خطيرة ويجب أن نقرأ عدونا وأسلحته وكل وسائل التشويش التي يقوم بها، وهذا يستدعي تكاملاً وتنسيقا مع الاصدقاء القريبين والبعيدين. هناك أدوار للعديد من الدول: لبنان، العراق، روسيا، ايران، الصين، دول أميركا اللاتينية. تماماً كما أن هناك دوراً لشعوب المنطقة الحريصة على الاستثمار في نجاح سوريا لمواجهة إرهاب بات يشكّل خطراً على العالم. كما يعتبر علي أنّ الرأي العام في المنطقة والعالم يبنى عليه لمحاصرة قادته الذين دعموا الارهاب واستثمروا فيه، وهم بهذه القرارت يسيئون الى الشعارات التي يدعون رفعها والانتماء لها. وفق قناعات علي، فإنّ لنا رصيداً في الرأي العام -حتى في الدول التي لقيادتها موقفا مختلفا-.
وفي الختام، يُشدّد علي على أننا مستمرون في العمل وبناء القدرات الذاتية وتطوير الانتاج الزراعي والصناعي، ومستمرون في تطوير العلاقة بين القوى الداخلية. ويعرب عن حرص سوريا على التنسيق والتكامل مع الحلفاء والشركاء في روسيا، الصين، ايران، والاشقاء كالحكومة العراقية، اللبنانية والاردنية وكل الدول العربية، فسوريا ترى -حتى ولو كان البعض تحكمه عوامل ارتباك- ترى أن المصلحة في تكامل الجميع، وأظن أن بعض الحكومات المغلوب على أمرها تدرك جيداً أن مصلحتها في التكامل والتعاون مع سوريا التي صمدت وانتصرت حتى أصبحت محط تقدير وإعجاب من هذه الدول.
السفير الروسي: القانون لن يكون له تأثير على سوريا
لا تبدو رؤية السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسبكين بعيدة عن رؤية نظيره السوري. ينطلق في حديثه من التأكيد أنّ روسيا لا تحب أن تناقش العقوبات لأنها ترفضها بالكامل، وتعتبر أنها غير شرعية. وفق قناعاته يجب أن يكون موقف الجميع رافضا لمثل هذا الاسلوب في التعامل الدولي، فهذا الأمر “يخرّب” العلاقات بين الدول. ولا يرى زاسبكين في قانون “سيزر” سوى محاولة لتعويض الخسارة العسكرية. هذه المحاولات تهدف لتخويف وتجويع الناس، وهذا الأمر ليس جديداً ولا يحصل لأول مرة في التاريخ. التجارب الماضية – وفق السفير الروسي- أثبتت أن مثل هذا الأسلوب يتم اللجوء اليه عندما تفشل الحرب على دولة ما. إلا أنّ المتحدّث يؤكّد أنّ هذا القانون لن يكون له تأثير على سوريا، اذ ومن خلال تجربتنا مع التاريخ لم نشهد تأثيرا لهذه العقوبات الاقتصادية على النهج السياسي. الأخير أهم بكثير من كافة الاعتبارات الأخرى خاصة أن “قيصر” لن يغيّر عمليا أي شيء في المشاركة الغربية أو العربية في سوريا. الفترة الأخيرة بيّنت عدم مشاركة هذه الدول في جهود إعادة الاعمار وعدم مشاركتهم في تقديم الدعم للناس عبر القنوات الشرعية. لذلك وبكافة الاحوال ليس لهذه الدول أي دور إيجابي على الاطلاق، سواء أكان في المجال الاقتصادي أو الانساني، وبالتالي فالقانون وفيما يتعلّق بهذه النقطة لن يؤثر على سوريا.
روسيا ثابتة على موقفها والتعاون سيستمر
يضيء زاسبكين على نقطة أخرى يتحدّث عنها القانون وتتناول التعاون بين الأطراف الأساسية كروسيا وشركائها مع سوريا. وفق المتحدّث القانون لن يؤثّر على هذا التعاون وهذا لا يغيّر شيئا بالنسبة الينا، فروسيا ثابتة على موقفها وتعرف جيداً ماذا تعني العقوبات لأنها استُهدفت بها خلال عشرات السنين الماضية. ونحن ضد ذلك، يكرر المتحدث، فالتعاون مع سوريا سسيستمر بوتيرة جيدة وبغض النظر عن الاجراءات الاميركية.
علينا الاستنفار اعلامياً
ورداً على سؤال حول ما اذا كانت روسيا هي المستهدف الأساسي من هذا القانون، يرفض زاسبكين التعقيب على هذا السؤال لكنّه يستطرد بالقول” الأميركيون لديهم اختراعات كثيرة ويتحدثون عن شركات وجهات روسية مستهدفة في القانون. ليس لدي معلومات ونحن لا نريد التورط في الحديث لأن الاميركيين يركزون على الجانب الاعلامي، وليس فقط الاقتصادي”. برأيه، تسعى واشنطن لتخويف الناس وزرع الشكوك في المجتمع سواء الروسي أو السوري أو الأطراف الاخرى. وهذا الواقع يحتم علينا -برأي السفير الروسي- الحديث إعلامياً عن الاسباب التي تدفع الدول للتعاون مع سوريا. يجب أن نستنفر للوقوف والصمود ضد كل هذه المحاولات التي ستستمر حتماً -وفق زاسبكين- فقانون القيصر يلحظ الجانب الاعلامي بقسم مهم لا بل يعتبره الاهم من أي شيء اخر.
الأوروبيون تابعون لأميركا
وفي سياق متصل، يعتبر المتحدّث أن التأثير على الأوروبيين والدول الخليجية سيحصل حتماً. الأوروبيون تابعون لأميركا، ولذلك لن يتمكنوا من الوقوف ضد واشنطن، أو اتخاذ قرارات مستقلة بسبب هذه التبعية.
الأهداف المعلنة للقانون لم تنجح
وفي الخلاصة، يعتبر زاسبكين أنّ الأهداف المعلنة لهذا القانون لم تنجح. لكنه يشير الى أنّ الأميركيين ينظرون الى “سيزر” على أنه حلقة من مسلسل طويل عريض، ويعملون على استغلاله للتصعيد، بناء على سياسة استنزاف خصومهم، وهذه السياسة ستستمر لفترة طويلة، يختم السفير الروسي.
العهد