الحرب النفسية والأدوات الاقتصادية لها: أين تكمن المخاطر؟
محمد علي جعفر
ترتفع وتيرة الحرب الاقتصادية بين الأطراف الإقليمية والدولية على وقع احتدام الصراعات السياسية. مظاهر جديدة لتلك الحرب، يمكن وصفها بالأدوات، خرجت الى حسابات الأطراف خلال الأسبوعين الأخيرين. ولعل الجميع مهما اختلفوا، ينظر كلٌ منهم لهذه الأدوات بعين المصلحة الإستراتيجية له. في حين، باتت بعض الأطراف تستخدم أدوات الحرب الاقتصادية لخدمة الحرب النفسية، وهو ما قد يؤدي لنتائج كارثية لتأثُّر استقرار المؤشرات الاقتصادية عادة بالأوضاع السياسية والتسريبات الإعلامية. فما هي أهم مظاهر هذه الحرب الاقتصادية؟ وكيف باتت أداوتٍ للحرب النفسية؟
مظاهر الحرب الاقتصادية وارتفاع وتيرتها عالمياً
يمكن الإشارة الى أهم مظاهر الحرب الاقتصادية الحالية عبر ثلاث وقائع مهمة:
1. منذ فترة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب خروجه من الاتفاق النووي مع إيران ما أدى الى ارتفاع أسعار النفط. لكن تأكيد الدول الأوروبية تمسكها بهذا الاتفاق أدى الى انخفاض الأسعار من جديد. وهو ما يؤثر بشكل غير مباشر على مستوى النمو الاقتصادي في الدول الصناعية.
2. نتيجة الحرب الاقتصادية بين واشنطن طهران، هددت الأخيرة بإغلاق مضيق هرمز، في حال فرضت واشنطن عقوبات على قطاع النفط الإيراني، ما أحدث بلبلة في الأسواق العالمية.
3. منذ أيام ونتيجة لاستهداف اليمنيين بارجة حربية سعودية، أعلنت الرياض تعليق شحناتها من النفط عبر مضيق باب المندب، ما أربك أسواق الطاقة العالمية وتسبب في ارتفاع أسعار النفط الخام. للأسباب نفسها، أعلنت الكويت عن اتجاهها نحو وقف صادراتها عبر هذا المضيق أيضاً.
الحرب النفسية والأدوات الاقتصادية
حرب التصريحات أو الحرب الإعلامية، تُعتبر جزءاً من الحرب النفسية. وهنا فإن الكثير من الأطراف بدأ بتجيير الحرب الاقتصادية كأداة في الحرب النفسية، ما جعل الأسواق تدخل حالة من التكهنات حول مستقبل الاقتصادات الكبرى.
منذ أيام، وبعد استهداف بارجة سعودية، أعلن الطرف اليمني استهدافه لبارجة عسكرية، في حين أصرَّت الرياض على أن السفينة هي ناقلة نفط. في التحليل تختلف النتائج لاختلاف الحسابات. فاستهداف اليمنيين لبارجة حربية، يُعتبر ردة فعلٍ طبيعية عسكرية، تسعى الرياض الى تجريدها من الطرف اليمني كحقٍ مشروع. من جهةٍ أخرى أصرت السعودية على أن المُستهدَف هو حاملة نفط لتقوية ذريعتها السياسية، ولإظهار أن الملاحة الدولية باتت مُهددة، ما يستنفر الأطراف الغربية لصالح السعودية. ثم أعلنت بعد ذلك عن تعليق صادراتها النفطية عبر هذا المضيق. هو أسلوبٌ من أساليب الحرب النفسية، آثاره اقتصادية. فمضيق باب المندب يختصر مسافة امدادات التجارة العالمية بين الشرق والغرب مروراً بقناة السويس. اغلاقه يعني ارتفاع كلفة الصادرات. مع الأخذ بعين الاعتبار أن إغلاقه يختلف بآثاره عن قيام السعودية بتعليق صادرتها عبره فقط.
تختلف أدوات الحرب الاقتصادية بحسب الأطراف وأوراقها وحساباتها. لكن هذه الحرب، والتي تدخل ضمن إطار الحرب الناعمة، الى جانب الحرب الإلكترونية، بدأت تُشكل سلاحاً أساسياً تحتاجه الأطراف في الصراع الحالي. وبين استهداف محور المقاومة من حزب الله الى ايران عبر حرب العقوبات الأمريكية، الى استهداف مصالح الدول الخليجية حلفاء الغرب، آثارٌ ستكون موجعةً على الجميع في زمنٍ يصف فيه هنري كسينجر المعارك بأنها معارك عضِّ أصابع. فماذا تُخبئ لنا الحرب الاقتصادية المُقبلة؟!
العهد