عبد الباري عطوان: ستة أسباب لمعركة إدلب.. وهل عودة الحديث عن الأسلحة الكيماوية بريئة؟
مع انتهاء عطلة عيد الأضحى المبارك، وكذلك موسم الإجازات الصيفية في أوروبا وأميركا والغرب عموماً، باتت منطقة الشرق الأوسط مرشحة لمواجهات عسكرية غير مسبوقة محورها سوريا، ومحافظة إدلب وريفها على وجه الخصوص، حيث تتعاظم الاستعدادات السورية الرسمية لهجوم غير مسبوق، وبدعم روسي، لاستعادتها، بينما يحضر التحالف المقابل بقيادة الولايات المتحدة لإجهاض هذا الهجوم بكل الوسائل والعودة إلى مقولة “تغيير النظام” في دمشق بعد حوالي عامين تقريباً من اختفائها تماماً، والتسليم ببقائه وفشل كل المحاولات لتحقيق هذا الهدف.
هناك عدة مؤشرات يمكن رصدها ترجح حدوث هذه المواجهات في الأسابيع، إن لم يكن في الأيام القليلة المقبلة:
ـ الأول: تأكيد وكالة “بلومبرغ” الأميركية، ونقلاً عن أربعة مصادر، التهديدات التي صدرت عن جون بولتون، مستشار الأمن القومي، أثناء اجتماعه مع نظيره الروسي اللواء نيكولاي بارتوشيف في جنيف، وتفيد بأن الولايات المتحدة ستوجه ضربات “ماحقة” إلى أهداف في العمق السوري في حال استخدام أسلحة كيماوية.
ـ الثاني: تحذير وزارة الدفاع الروسية في بيان رسمي من ضربة ثلاثية أميركية بريطانية فرنسية صاروخية الطابع على سوريا، للتغطية على خطة لشن هجوم كبير للفصائل المسلحة على حلب وحماة لاستعادتهما، وإنهاء سيطرة الجيش السوري عليهما.
ـ الثالث: وصول المدمرة الأميركية “The Sullivans” المزودة بـ 56 صاروخاً مجنحاً (توماهوك) إلى منطقة الخليج، وعدة قاذفات استراتيجية عملاقة من نوع B – 1B الحاملة لصواريخ أرض جو من نوع “Jassm” إلى قاعدة العيديد الأميركية في قطر للمشاركة في الهجوم المتوقع على سوريا، حسب ما ورد في بيان وزارة الدفاع الروسية.
ـ الثالث: تأكيدات رسمية من السلطات الروسية تتحدث عن بحث الولايات المتحدة عن ذرائع جديدة باستخدام “الجيش السوري” لأسلحة كيماوية أثناء هجوم إدلب، وردت على لسان إيغور كوناشينكوف، المتحدث باسم مركز المصالحة الروسي، الذي كشف معلومات عن نقل عبوات من غاز الكلور إلى قرية قريبة من جسر الشغور.
الرابع: وصول وزير الدفاع الإيراني، العميد أمير حاتمي، إلى دمشق اليوم الأحد على رأس وفد كبير يضم قادة في الجيش الإيراني، ولقاؤه مع نظيره السوري عماد أيوب لبحث التطورات العسكرية الأحدث بما في ذلك التهديدات الأميركية.
ـ الخامس: الدعوة إلى “الجهاد ضد “الدولة العلمانية” السورية التي أطلقها أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً)، أثناء تفقده لغرفة عمليات تنظيمه في ريف اللاذقية، واغتيال عدد كبير من الداعمين للمصالحة والحوار مع القيادة السورية واعتقال 500 آخرين، وتراجع الاتهامات الأميركية له وتنظيمه بـ”الإرهاب”.
ـ السادس: انطلاق حملات تعبئة وتحشيد لآلاف المسلحين في إدلب وريفها وظهور أسلحة متطورة لدى الفصائل المسلحة، استعداداً لمواجهة هجوم الجيش السوري المنتظر أولاً، وتنفيذ الهجوم الآخر المضاد لاستعادة مدينتي حلب وحماة، والعودة للمربع الأول في الأزمة السورية، أي اجهاض جميع الانتصارات العسكرية التي حققتها الدولة السورية في العامين الماضيين ثانياً.
***
الرئيس دونالد ترامب يعيش أزمة داخلية خانقة نتيجة خذلان مساعديه له، وطعنه في الظهر، وأبرزهم مايك كوهين، محاميه السابق، الذي قدم معلوماتً خطيرة جدا للمحقق الخاص مولر عن فضائحه الجنسية وتجاوزاته المالية يمكن أن توفر أدلة دامغة تساعد في الجهود القانونية المبذولة للإطاحة به، أي ترامب، ولذلك لن يكون مستغرباً إذا ما قرر افتعال حرب في سوريا لتحويل الأنظار، وتخفيف الضغوط، ومحاولة دعم موقف الحزب، الجمهوري في الانتخابات النصفية في مجلسي الشيوخ والنواب في تشرين ثاني (نوفمبر) المقبل.
الجيش السوري لا يحتاج إلى استخدام الأسلحة الكيماوية في إدلب أو غيرها، واحتمالات “فبركة” هذه “الذريعة” غير مستغربة على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، في محاولة لخلط الأوراق مجدداً في الملف السوري، وإجهاض “الإنجازات” الميدانية السورية الروسية الإيرانية المشتركة.
أميركا، وباختصار شديد لا تريد أي نهاية للحرب في سوريا تؤكد “انتصار” الثلاثي السوري الروسي الإيراني، وبدء عملية إعادة الإعمار، وعودة اللاجئين بالتالي، ولذلك تسعى لعرقلة الهجوم المتوقع على مدينة إدلب، وإبقاء الوضع فيها على حاله، وبما يمكنها من ابتزاز هذا التحالف، واستخدام وضع المدينة الراهن كورقة ضغط مزدوجة للحصول على تنازلات استراتيجية مثل إخراج القوات الإيرانية من سوريا، وإعادة التفاوض حول الاتفاق النووي الإيراني.
عدوان ثلاثي أميركي بريطاني فرنسي جديد على غرار ما حدث يوم 14 نيسان (إبريل) الماضي قد يشعل فتيل حرب أوسع نطاقاً في المنطقة، لأنه سيكون أكثر فتكاً وتدميراً، وربما يستهدف بعض الأهداف في العاصمة السورية، ومقرات المؤسسات السورية الحاكمة فيها، ومن بينها القصر الجمهوري، بالنظر إلى نوعية السفن والقاذفات الحربية التي قد تشارك فيه.
***
التحذيرات الروسية من أي ضربة عسكرية جديدة، واللهجة القوية التي وردت في بيان وزارة الدفاع، توحي بأن روسيا ربما لا تقف مكتوفة الأيدي هذه المرة، وهي التي تدعم الهجوم على إدلب بشدة، وتشعر بقلق من هجمات الجماعات المسلحة المتزايدة بطائرات مسيرة ضد قاعدتها الجوية في حميميم باللاذقية، وتشاركها التوجه نفسه الصين، حيث تريد أن تتخلص من “الإرهابيين” التركمان الآيغور، الذي يتردد وجود حوالي خمسة آلاف منهم في إدلب، ويقاتلون في صفوف جبهة النصرة، ويعرفون بشدة بأسهم، ومهاراتهم القتالية العالية، لأن عودة هؤلاء ستشكل مأزقاً للسلطات الصينية التي تقمع أي محاولة لانفصال إقليمهم في شمال غرب البلاد.
معركة إدلب ستشكل علامة فارقة في الحرب السورية، وربما تؤدي نتائجها، بشكل أو بآخر، إلى إعادة رسم خرائط منطقة الشرق الأوسط برمتها، سياسيا وعسكريا.
روسيا لن تفرط بسهولة بإنجازاتها في الملف السوري، ولهذه نحن الآن أمام معركة “عض الأصابع” بينها وبين الحلف الأميركي، وإذا فشلت التهديدات المتبادلة في الوصول إلى حل سياسي للأزمة في إدلب، على غرار ما حدث في الغوطة وحلب الشرقية، فإننا أمام كارثة إنسانية كبرى يدفع ثمنها المدنيون الأبرياء.. والله أعلم.
*عبد الباري عطوان
رأي اليوم