تناغم الضغوط التركية والغربية لمنع تحرير إدلب
حياة الحويك عطية
العقد دولية، إقليمية، وفي أقلها داخلية لأن الدولة السورية هي وحدها حاضرة الإرادة داخل سوريا، مهما بلغت علاقاتها بحلفائها من القوة ومهما كانت مدينة لهم بالمساندة. لأنها، وببساطة، أعطت كلاً منهم فضلاً جوهرياً هو فضل البقاء، فلو سقطت الدولة في سوريا لكان الإرهابيون ومًن وراءهم في موسكو وطهران وكامل لبنان، بل وحتى كامل الدول العربية التي تآمرت على سوريا وحمت وموّلت واحتضنت مخرّبيها.
التركي إلى موسكو، الإيراني إلى سوريا. محور يصرّ على معركة إدلب والآخر يسعى إلى تأجيلها أو على الأقل إلى تحجيم خسائره فيها. مسعى التأجيل يتناغم بشكل أو بآخر مع الضغوط الأطلسية لإعاقة التحرير، وكلاهما مع الهرولة الإسرائيلية المحمومة لمنع سوريا من استعادة سيادتها لأن ذلك سيشكل طريق استعادة القوة ولو بعد حين. هي لعبة المصالح التي لا تنفصل عن رعاية الإيديولوجيات المتطرّفة لسنوات طويلة بغية استعمالها حصان طروادة الأسود المكلّف بالتدمير .
ما تسرّب من اجتماع ترامب – بوتين في هلسنكي، هو ما حمله سيرغي لافروف وغيراسيموف في جولتهما الأوروبية والشرق أوسطية. عنوان عريض: إنهاء الحرب. وعناوين إجرائية: سحب القوات الخاصة، وقف الحرب السرية، وقف المساعدات للمنظمات الإرهابية، فتح السفارات، إعادة اللاجئين، مقابل المساهمة في إعادة الإعمار.
أوروبا التي ما تزال ترفع شعار القانون الدولي في وجه روسيا منذ ضمّها القرم، اضطرت إلى أن تستضيف الجنرال غراسيموف من دون أن تجد الوقت لرفع إسمه عن قائمة العقوبات والحظر، الحل وجدته فقط في عدم التقاط صوَر علنية. لكن ذلك لم يمنع جنرال القرم من إطلاق المعادلة الساخرة: “مهزوم يريد أن يفرض شروطه على المُنتصر” .
في الشرق الأوسط كان الأمر أوضح: خمس لجان لإعادة اللاجئين، مع كل من مصر، الأردن، لبنان، تركيا وإيران . تشكيل يطرح السؤال: لماذا لم تتشكل لجان مشابهة مع الاتحاد الأوروبي؟
لكن أكثر الحروب تعقيداً في العصر الحديث لا يمكن أن تتفكّك عقدها بهذه البساطة، حتى ولو التقى زعيما أكبر قوّتين في العالم.
العقد دولية، إقليمية، وفي أقلها داخلية لأن الدولة السورية هي وحدها حاضرة الإرادة داخل سوريا، مهما بلغت علاقاتها بحلفائها من القوة ومهما كانت مدينة لهم بالمساندة. لأنها، وببساطة، أعطت كلاً منهم فضلاً جوهرياً هو فضل البقاء، فلو سقطت الدولة في سوريا لكان الإرهابيون ومًن وراءهم في موسكو وطهران وكامل لبنان، بل وحتى كامل الدول العربية التي تآمرت على سوريا وحمت وموّلت واحتضنت مخرّبيها. ولما برز إلى الوجود نظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب.
في الدولي تبرز عقد كثيرة ولكن أهمها، المواجهة الطاحنة بين الشركات المتعدّدة الجنسيات ومشروع الحل المُدرَج بين ترامب وبوتين، حيث قال الأول إن هذه الشركات ذات مصالح مالية عابرة للقارات وعليها، وعلى الدول التي مولّت الحرب، أن تدفع تكاليف إعادة الإعمار. ومن بين هذه الشركات لافارج الفرنسية التي ثبت تعاملها مع داعش. بسرعة بادرت أنجيلا ميركل وإيمانويل ماكرون في التصدّي لهذا الطرح وطرح الأسئلة حوله. فيما يترجم حقيقة واقع غربي تصنع فيه هذه الشركات واللوبيهات المرتبطة بها، حكّام الغرب. “فليس ماكرون إلا موظف بنك سابق وليست ميركل إلا صنيعة الشركات، وهي لم تفتح أبواب ألمانيا للاجئين إلا لتوفير أيد عاملة رخيصة لهذه الشركات. ومن هنا يبرز افتراق واضح بين أوروبا والولايات المتحدة الترامبية، باستثناء بريطانيا التي تعزف منفردة أو مع واشنطن، بدليل أزمة العقوبات الجديدة على روسيا على خلفية قضية سكريبال. وموقف ميركل وماكرون منها.
في الدولي أيضاً مسألة سحب الوحدات الخاصة والخبراء الغربيين، أي عملاء المخابرات الغربية على اختلاف درجاتهم وألوانهم. وهذا ما يبدو شبه مستحيل. لأن هؤلاء هم عماد قوة الدول التي يتبعون لها في المناطق السورية، وهم الجيش الفعلي الذي يقاتل الدولة والجيش السوريين منذ سنوات ما قبل الحرب العسكرية.
وإذا كانت الخوذ البيضاء تشكل نموذجاً فاضحاً لهذه الوحدات، فإن البعض رأى في عملية إخراجها من الجنوب تنفيذاً سريعاً لهذا البند. خاصة وأن قرار سحبها اتخذ في جلسة حلف شمالي الأطلسي في بروكسل يوم 11تموز/يوليو 2018، وبالتالي أشرف الحلف مباشرة على التنفيذ بالتعاون مع الأردن وإسرائيل. لكن الأمور برهنت أن ذلك لم يكن إلا مجرّد عملية إنقاذ ونقل إلى ساحة أخرى حيث المعركة لم تنته بعد. وها هي المنظمة تعمل على إعداد هجوم كيماوي وتصويره كما كانت تفعل في الغوطة. في حين تهدّد الدول الغربية الثلاث بشنّ عدوان على سوريا. ما يعني ببساطة أن هذه الدول تحرّك أدواتها للضغط في سبيل الحصول على أعلى ثمن ممكن من إنهاء الحرب في الشمال والشرق، ثمن يتضمّن حقول الطاقة ومنابع المياه وإعادة الإعمار، كما يتضمّن مستقبل قواعدها والقوات التابعة وفي مقدمها سوريا الديمقراطية.
هنا يعود الغرب ليلتقي مع تركيا، فكلاهما ينام ويحلم بغنيمة واحدة. بحلم استعماري قديم لا يحتمل أن يقبل باستحالة تجدّده. لذا فإن خلاف أردوغان المؤقت مع الولايات المتحدة لا يجعل من عدو عدوك صديقك. فليست تركيا إلا مقر قيادة الحرب على سوريا، وهي أول من هندَس قصة اللجوء، ولم يكن مكتب ارتباط الخوذ البيضاء إلا في لاندكوم أزمير التركية. وها هي اليوم تعمل كل ما في وسعها لإعاقة معركة إدلب، ليس فقط تداركاً للخطر الكردي كما تقول وإنما أيضاً للحفاظ على الامتداد السنّي الأخواني داخل سوريا والعالم العربي الذي بإمكانه أن يحقّق لها نفوذاً لم يؤمنه العنف.
السلطنة احتلت بلادنا ونفذّت مجازر مرعبة بحق أهلنا ونهبت ثرواتنا وقمعت أهلنا لخمسة قرون، ظاهراً باسم الدين وفعلياً باسم الهيمنة، وأردوغان العدالة والتنمية لا يبني استراتيجيته إلا على حلم العثمَنة هذا وباسم الدين مرة أخرى. درس تعلّمته بريطانيا الماكرة ومن بعدها جميع الأنظمة الغربية، فحاولت أن تنتزع من معسكر الحلم التركي جماعات دينية أصولية، بدءاً من الإخوان وانتهاء بداعش. وعليه التقى الطرفان التركي والغربي على دمارنا، واختلفا عندما حانت ساعة اقتسام المغانم، خاصة أن هذه المغانم لن تكون كبيرة لأن المعسكر المقابل هو الذي انتصر.
هكذا يلتقي الطرفان على هدف فوري هو منع معركة إدلب، أولاً لمنع ارتدادتها السلبية على دولهم ومشاريعهم، وثانياً لتدبّر أمر الخروج منها ببعض المكاسب. فتلجأ تركيا إلى موسكو لوقف القرار وتلجأ دول الأطلسي إلى التهديد و مسرحية كيماوي جديدة. وبالمقابل تظهّر الدولة السورية تحالفها مع الإيراني لمواجهة أي ضغط يعيق تحريرها لكامل ترابها ووضع يدها على ثرواتها.
الميادين